كل مرة تقرير جديد من منظمات دولية وإنسانية. تقارير متنوعة فيها كثير من الوقائع والمشاهد والشواهد والحجج والفظائع. وثائق مصورة وحقائق دامغة. لا يمكن الصمت عليها ولا تغطى بغربال. انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. مخالفات واضحة لأبسط ما ورد في القانون الدولي، في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مواثيق المنظمات العديدة المدافعة عن حقوق الإنسان، في الشرائع والقيم والمثل ودروس التاريخ. احتل العراق عام 2003 واعترفت الدول التي قامت بذلك. وتعرف إدارات هذه الدول القانون الدولي واتفاقيات جنيف حول حقوق الشعب الواقع تحت الاحتلال. ورغم ذلك تحاول دائما التهرب من مسؤولياتها والتملص من الواجبات الملزمة بها، وتمارس كل ما جرى وما حصل دون خشية من عقاب أو حساب، متناسية صفحات التاريخ وعبرها الكبيرة. وهي بسلوكها هذا تصر على استمرار الانتهاكات ذاتها، من جهة، وتحمي من يواصل ممارستها من العقاب والمساءلة، وتسهل عليه الإفلات من القصاص، من جهة أخرى. منظمة العفو الدولية تصدر تقارير دورية عن حالات حقوق الإنسان في العالم، ليست كلها دقيقة وموثقة وخالية من الأغراض السياسية، فهي كأي منظمة في الغرب تخضع لضغوط سياسية من حكومة البلد الذي تستقر فيه ومن بلدان أخرى ترتبط بالبلد بعلاقات أخرى. وهذه الوقائع لا تعني ان تقاريرها خالية من إثباتات معينة وحقائق مؤلمة. وتقريرها الأخير عن حالات الاعتقال في العراق وأساليب التعذيب واحد من هذه التقارير. (وهنا المفارقة المعلومة!). سجل عنوانه: ‹›نظام جديد والانتهاكات نفسها: الاعتقالات غير القانونية والتعذيب في العراق›› وتفاصيله، ومهما وضعت ملاحظات عليه أو عنه، سجل إدانة للاحتلال ومن سانده وروج لشعاراته عن العراق الجديد وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان. لا يمكن الاستهانة بحق مواطن واحد فكيف إذا بلغت الأرقام آلافا مؤلفة؟، ومهما كانت هذه الأرقام، فان المسؤولية عنها واضحة، لا يمكن التخلص منها بأية صورة من الصور أو الأعذار أو التبريرات أو المقارنات وخلط الأوراق وغيرها. الانتهاكات جرائم تستحق العقاب بالمثل ولا تبرير يقنع بمخالفاتها. التحقيقات فيها واجب إلزامي لا تهرب منه، والقضاء فيها يتطلب العدالة والقانون والمثال الذي يضرب به أو يسجل له. بدون ذلك تستمر دائرة الانتهاكات والخراب والدمار وغياب الحقائق وانعدام الأمن والاستقرار والقانون والشرع والأخلاق. السكوت على جرائم التعذيب والاعتقال والاغتصاب والقتل العمد لأبرياء دون أحكام ومحاكمات وإجراءات قانونية وأخلاقية وإنسانية لا يعفي من المشاركة فيها والمحاسبة عليها وتحمل مسؤوليتها وعواقبها المباشرة أو ما يسجله التاريخ عنها. تثير قضايا الانتهاكات بحقوق الإنسان أسئلة كثيرة عنها وعن الشعارات التي رفعت عن العراق الجديد بعد الاحتلال الصهيو أمريكي بريطاني. ولعل التقارير الكثيرة عنها تشير إليها وتدينها بحجم محتوياتها والخروق التي ارتكبتها قوات الاحتلال ضد الشعب العراقي. وإذ تشكر هذه المنظمات لقيامها بواجباتها يتواصل الشكر إلى المنظمات الإنسانية الأخرى التي تتحمل الكثير جراء إصرارها على المتابعة وفضح تلك الممارسات الوحشية والارتباكات الإجرامية، وكذلك موصول إلى وسائل إعلام تنشر تلك التقارير وتتابع أيضا تلك القضايا والقصص وتوصلها إلى الرأي العام الذي وقف من البداية ضد الغزو والاحتلال والحروب. ومن بينها صحيفة الغارديان البريطانية التي كشفت جرائم انتهاكات وتعذيب تورط بها جنود بريطانيون ضد مدنيين عراقيين. نشرت الصحيفة في تقريرها (2010/9/12) عن حالات مسجلة بالأسماء والزمان والمكان وما حصل وما جرى، فذكرت قصة رجل ركل حتى الموت وهو على متن مروحية تابعة لسلاح الطيران الملكي البريطاني. وحالة رجل أطلق عليه جنود وحدة «بلاك ووتش» النار بعد مخالفته مروريا. وحالة شاب عمره 19 عاما أغرق في نهر بدفع من جنود عاملين في وحدة المهندسين. وأكدت الصحيفة ان الشرطة العسكرية أوصت بتقديم المتهمين بالقتل للمحكمة وتوجيه تهم «بالقتل غير العمد» لكن المدعي العسكري العام رفض التوصية بعد ان توصل إلى نتيجة مفادها انه لن يتم التوصل إلى محاكمتهم واثبات التهم ضدهم(!). أضافت الصحيفة ان هذا الكشف عن حالات قتل تورط بها جنود جاء بعد ان أصدرت محكمة بريطانية قرارا سمح فيه بإجراء مراجعة قانونية للطريقة التي تصرفت فيها وزارة الحرب وبدء تحقيق عام كامل في سياسة الاعتقال التي نفذتها وحدات الجيش البريطاني في العراق. وحاولت التحقيقات التي أجراها الجيش خاصة تلك المتعلقة بظروف مقتل بهاء موسى، إظهار ان بعض التجاوزات تمت أثناء عمليات الاعتقال، وتسعى إلى التبرئة، بالقول ان إساءة معاملة المعتقلين لم تكن سياسة وأسلوبا متبعا ويلقى التشجيع من القيادات العسكرية. ولكن المحكمة العليا قررت في شهر تموز/يوليو الماضي وبعد دراسة 102 حالة، تقدم بها محامون يدافعون عن معتقلين سابقين في السجون البريطانية، وجدت ان هناك أدلة كافية للحديث عن إساءة معاملة منظمة للسجناء، ولم تكن مجرد حالات منفردة قام بها جنود لإرضاء دوافع خاصة. وحمل القرار أيضا شكوك حول قدرة الجيش على إجراء تحقيق مستقل في الانتهاكات. وهذا ما كشفته الوثيقة التي أعدها فريق محامين قاده المحامي فيل شاينر وورد فيها ان 59 معتقلا تمت تغطية رؤوسهم بالأكياس و11 تعرضوا للصعقات الكهربائية و122 للحرمان من سماع الأصوات من خلال وضع واقيات على آذانهم و52 منعوا من النوم، و131 غطيت أعينهم وحرموا من النظر وأرغم 39 على التعري وأجبر 18 على مشاهدة أفلام إباحية من أجهزة كمبيوتر محمولة. هذه معلومات موثقة تعرض أمام المحاكم وتنشر في وسائل الإعلام البريطانية وهي غيض من فيض ما تم الوصول إليه والاعتراف به في فترة احتلال القوات البريطانية ومشاركتها في احتلال العراق. وهي مع غيرها إقرار بالانتهاكات التي مورست ضد أبناء الشعب العراقي في بلده الذي تم احتلاله رسميا ودمرت دولته، وما زالت القوانين الدولية والإنسانية ملزمة التطبيق بأوضاعه، وما زالت المنظمات الدولية تكشف الخروق والانتهاكات كما لا زالت الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة مسؤولة عما يحصل وعن شعاراتها التي لم تطبقها في ما سمته بالعراق الجديد!!..