ليس من الصواب الزعم بفشل الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري المشترك لوزراء الخارجية والمالية والتجارة والصناعة في دول مجلس التعاون فيما يتعلق بحل القضايا العالقة بالتطبيق النهائي لمشروع الاتحاد الجمركي. مؤكد ليس هينا التوافق على صيغة التطبيق الكامل للمشروع نظرا لتباين الأوضاع الاقتصادية, وبالتالي مصالح الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان المجلس المشترك قد عقد اجتماعا دوريا له الأسبوع الماضي في مدينة جدة في المملكة لبحث مختلف القضايا المطروحة على جدول الأعمال بما فيها التطورات المرتبطة بمشروع الاتحاد الجمركي. بدوري أتفق مع ذهب إليه مصطفى الشمالي وزير المالية الكويتي حول نجاح الدول الخليجية في إزالة العديد من العقبات حول تطبيق المشروع. على سبيل المثال، تمت الموافقة خلال الاجتماع الأخير على الربط الإلكتروني الجمركي بين الدول الأعضاء, فهذا الأمر كان مطلبا منذ فترة، ما يشكل تعزيزا لمسيرة تنفيذ المشروع على أقل تقدير. كما أكد الوزير الكويتي أن الدول الأعضاء وافقت على توزيع الحصيلة الجمركية خلال السنة الجارية ما يعد إنجازا آخر حتى لو كان مرحليا. بالعودة إلى الوراء، شرعت دول مجلس التعاون الخليجي دون استثناء في تطبيق متطلبات هذا المشروع الحيوي في عام 2003 لتحقيق عدة أهداف منها توحيد التجارة الخارجية، بيد أنه تم تأجيل موعد التطبيق النهائي للمشروع عدة مرات بسبب صعوبة التوافق على آلية لتحصيل وتوزيع نسب الإيرادات الجمركية بين الدول الأعضاء، فضلا عن حماية الوكيل من جهة، والسلع من جهة أخرى. وفي إطار معالجة هذا الموضوع، حصلت شركة برايس ووتر هاوس كوبر الأمريكية على عقد عام 2008 بإعداد دراسة لحل الإشكالية المرتبطة بتوزيع العوائد الجمركية بين الدول الأعضاء. أيضا هناك معضلة عدم التزام بعض الدول الأعضاء بالتعرفة المتفق عليها وقدرها 5 في المائة مع الواردات القادمة من جميع الدول الأخرى لأسباب مختلفة، منها العمل على حماية المنتجات الوطنية. يلزم مشروع الاتحاد الجمركي إتباع دول مجلس التعاون سياسة تجارية موحدة مع غير الأعضاء. كما فرض توقيع كل من البحرين وعمان اتفاقية منفردة للتجارة مع الولاياتالمتحدة مسألة دخول سلع أمريكية معفية من الرسوم. كما توجد معضلة عدم انسياب حركة الشاحنات على الحدود لأسباب تتعلق بالإفراط في إجراءات تفتيش البضائع ومعاينتها في بعض المنافذ الجمركية، كما تشمل التعقيدات الأخرى وجود اختلافات بين دول المجلس حول المواصفات والمقاييس. لكن من المنتظر معالجة بعض، وربما، كل التعقيدات المتعلقة بتطبيق مشروع الاتحاد الجمركي أثناء قمة مجلس التعاون الخليجي رقم 31 في الإمارات نهاية العام الجاري. وتشمل المقترحات توحيد إجراءات تخليص المعاملات من خلال استمارة واحدة، فضلا عن استشراف أساليب تفتيش حديثة. كما تتضمن المقترحات إيجاد ممرات خاصة لشاحنات الترانزيت والمنتجات الغذائية سريعة التلف للمحافظة على صلاحيتها, فضلا عن إصدار تأشيرات لسائقي الشاحنات على مدار الساعة. أيضا هناك أمر آخر يتطلب حسم ملف الاتحاد الجمركي, وهو رغبة الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الدخول في مفاوضات مع منظمة التجارة العالمية, يكمن الهدف النهائي في الحصول على اعتراف دولي للاتحاد الجمركي الخليجي تستعبد فيه الرسوم والضرائب الجمركية وكل اللوائح والإجراءات المقيدة للتجارة بين دول الأعضاء, فضلا عن الخضوع لأنظمة وقواعد المنظمة الدولية. وفي حال حدوثه، يضيف هذا التطور لرصيد إنجازات عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قبل تركه منصبه في آذار (مارس) 2011. وفي إطار الرئاسة الدورية، من المنتظر أن يتولي البحريني الدكتور عبد اللطيف الزياني منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي بعد الموافقة عليه في القمة المقبلة في أبو ظبي. تشمل إنجازات الأمين العام الحالي إبرام دول مجلس التعاون اتفاقيات تجارية بصورة جماعية مع مختلف الأطراف الدولية. فقد وقعت دول مجلس التعاون اتفاقية لإقامة منطقة للتجارة الحرة مع سنغافورة في نهاية عام 2008 وهي الأولى من نوعها للمنظومة الخليجية. وفي منتصف عام 2009 وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية للتجارة بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية والمعروفة اختصارا باسم ''أيفتا''، التي تضم كلا من سويسرا والنرويج وأيسلندا وإمارة ليتتشتاتين. تهدف الاتفاقية إلى تحرير التبادل التجاري وتكامل الأسواق وتغطي تجارة السلع والخدمات والمنافسة وحماية حقوق الملكية الفكرية والمشتريات الحكومية وآليات لتسوية المنازعات. ومن شأن التطبيق الكامل لمشروع الاتحاد الجمركي تعزيز فرص توصل مجلس التعاون الخليجي لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن إنشاء منطقة للتجارة بين التكتلين. يشار إلى أن المفاوضات مؤجلة منذ فترة لأسباب تتعلق بشروط الجانب الأوروبي، منها المطالبة بإصلاحات مختلفة في المنظومة الخليجية. ختاما، يتطلب حل القضايا العالقة لمشروع الاتحاد الجمركي عقد اجتماعات متكررة لممثلي الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تماما كما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي. لا شك لا يمكن حل القضايا المتعلقة بموضوع استراتيجي مثل الاتحاد الجمركي عبر اجتماعات دورية تعقد لعدة ساعات وبجدول أعمال مزدحم.