قال الشاعر المغربي محمد بنيس، إن إنتاج الكتاب في المغرب يتجه بسرعة نحو المردودية التجارية والاستثمار المربح، بغض النظر عن قيمته الثقافية ودون اعتبار ل»أخلاقيات النشر». وأوضح بنيس في دراسة حول وضعية الكتاب والنشر بالمغرب، إن الكتاب المطلوب لدى الناشر اليوم إجمالا هو الذي يضمن «إما مبيعات مرتفعة تسدد النفقات وتوفر أرباحا يعول عليها في تنمية تجارته، أو دعما ماديا يسعفه في تحمل نفقات الإنتاج (أو الترجمة والإنتاج) وتتكافأ أرباحه مع أرباح الكتاب العادي». وسجل انحسارا لدور النشر الجديدة، وهبوطا في نسبة بيع الكتب نتيجة تخلي بعض القراء عن الكتاب وتقلص المكتبات المختصة في بيع الكتب، ورأى أن الأمر يتعلق بمؤشرات تؤكد أن وضعية الكتاب في المغرب «تؤثر عليها، وهي في بدايتها، عوارض العولمة، التي نلاحظ أنها تبدل أوضاع الثقافة في العالم». وتوقف بنيس عند مجموعة من العوامل التي تحكم وضعية الكتاب «الثقافي الحديث بالعربية» في المغرب اليوم، ومنها «عدم ميل المغاربة إلى القراءة لا بسبب ارتفاع نسبة الأمية بل انعدام الرغبة في القراءة لدى المتعلمين من جميع المستويات التعليمية»، و»سيادة ثقافة الإعلام والاستهلاك في سائر مجالات الحياة». وأضاف أن هذه الوضعية تأثرت أيضا بانتشار سريع وسهل لثقافة الإنترنت «لا كمكمل للكتاب أو جسر يؤدي إلى الكتاب، بل كنفي للكتاب واستغناء تام عنه»، وكذا ب»اختزال الثقافة بالعربية إلى ثقافة دينية تقليدية» و»اتساع حقل الثقافة الفرنكوفونية (الشفوية والمكتوبة) في أغلب مناحي الحياة اليومية». واعتبر بنيس أن المغاربة لم ينتبهوا إلى وجود كتاب مغربي حديث، يستجيب للأسئلة التي يطرحونها على أنفسهم، إلا مع أواسط السبعينيات وبداية الثمانينيات، مضيفا أن كتاب عبدالله العروي «الايديولوجية العربية المعاصرة»، ربما هو الذي شكل المنطلق الجديد لهذا الصنف من الكتاب المغربي. وإذا كان ذلك يعود إلى أهمية وعمق وجدة التحليل التي أتى بها الكتاب، فإن هناك عاملا رمزيا، يتمثل في ترجمته إلى العربية ببيروت سنة 1970 بعد أن كان صدر أولا بالفرنسية في باريس عن (دار ماسبيرو) سنة 1967. أما بخصوص الكتاب الأدبي فإن المغاربة لم ينتجوا، يضيف محمد بنيس، أعمالهم الأدبية الأساسية إلا ابتداء من السبعينيات، وهذه الأعمال كانت تصدر غالبا بالعربية على نفقة المؤلفين أنفسهم فالناشرون التقليديون لم يكونوا يقبلون علي هذه الأعمال ولكن ناشرين جددا مثل «توبقال» و»الفنيك» و»المركز الثقافي العربي»، عملوا ابتداء من أواسط الثمانينيات، على نشر أعمال أدبية عديدة كان لها أثرها في بروز أعمال أدبية مغربية. وسجل الشاعر محمد بنيس أن تطور وضع الأجناس الأدبية في مجال النشر ينعكس بدوره على المغرب، إذ أن توجه القراء والنقاد نحو الرواية وتكاثر الجوائز المخصصة لها، يشجع الناشرين على إعطاء المزيد من الإمكانيات لهذا الجنس الأدبي والقبول بمغامرة نشره. ويقول الشاعر وهو يتحدث عن نشر الأعمال الشعرية: «نشر الشعر يعيدنا إلى معنى النشر عندما يكون مرتبطا بالتركيز على ما نحلم بأن نجعل منه ثقافة مشتركة بين قراء حديثين، عندما نعطي الأولوية لقيمة الكتاب الثقافية والمستقبلية». واعتبر محمد بنيس، الذي كان أحد مؤسسي دار «توبقال» للنشر، أن «وضعية الكتاب في المغرب اليوم تحتاج إلى تجديد الوعي بمعنى الكتاب في تاريخ الإنسانية والتشبث بالقيم الثقافية والأخلاقية والجمالية التي حافظ عليها الكتاب منذ ثورة غوتنبورغ». والكتاب المقصود هو «الكتاب بقيمته الثقافية أولا في التأثير الذي أحدثه على الرؤية إلى الحياة الإنسانية والكون، ولو عن طريق فئات محدودة من المؤلفين والقراء». وخلص الشاعر المغربي في دراسته التي حملت عنوان «الكتاب والقراءة في المغرب: نحلم أو لا نحلم»، إلى القول «نحتاج لوسائل تمكن دور النشر الجديدة في المغرب من أن تنأى بالكتاب عن التأثيرات السلبية للعولمة. نعم، علينا أن نواصل الحلم في زمن مضاد للحلم».