يتسابق الناس بمختلف ألوانهم و أشكالهم و مشاربهم عبر العالم، في شهر رمضان لتعليق الزينات، وتخصيص الرسومات وإنارة الفوانيس، وتبادل التهاني، والمبالغة في إظهار الفرح بقدوم رمضان بإذاعة المسلسلات الفكاهية، والأعمال الدرامية، فيما تتسابق فئة أخرى إلى الدعاء والقيام وقراءة القرآن، والتنافس في الطاعات. وتختلف مظاهر استقبال الشهر الكريم من بيت لبيت، ومن ثقافة إلى ثقافة، كما تختلف من بلد لآخر، فبينما تحتفل بعض الأسر بشراء مستلزمات رمضان قبل شهر كامل تحتفل أسر أخرى بتعليق الزينة، وشراء بعض المأكولات الخاصة بهذه المناسبة. إن المسلمين في كل مكان فوق سطح هذه البسيطة، يتطلعون الى هلال شهر رمضان، يفرحون بمقدمه، لأن الشهر يحمل في طياته ذكريات، ومعاني، ومناسبات لها ارتباط وثيق بحياة كل مسلم . ففيه مشاعر غريبه يحملها كل مسلم لأخيه المسلم، نرى الغني يعطف على الفقير، القوي يرحم الضعيف. شهر يشعر المسلمون جماله وبهاءه، تغمرهم الفرحة بالصيام و القيام و لكل شأن يغنيه. رمضان حول العالم، سلسلة تنشرها بيان اليوم عبر حلقات طيلة الشهر الفضيل للسفر بقرائها إلى مختلف بلدان العالم، و لإبحار في تاريخ الأمم، من أجل لاقتراب أكثر من تقاليدهم و ثقافاتهم و عاداتهم في استقبال رمضان و طقوس قضاءه. «البوريك» باللحم المفروم.. موائد الإفطار في رمضان كوسوفو المسلمون في كوسوفو تعتبر شبه جزيرة البلقان من أهم المناطق الإسلامية في القارة الأوروبية ، بل من أهم معابر ومنابر الدعوة الإسلامية في هذا الجزء من العالم ، وقد خضعت البلقان للحكم الإسلامي في عام 797ه ، بينما عرفت الإسلام منذ بدايات القرن الهجري الأول ، وقد حافظ المسلمون في دول شبه جزيرة البلقان على هويتهم العقائدية رغم المعاناة التي لاحقتهم وحاقت بهم من خصوم الإسلام والمسلمين. ويتطلع مسلمو كسوفو إلى دعم العالم الإسلامي لتقديم مساعدات لتعمير ما أفسده الاحتلال الصربي ، ولكن المؤسف أن الدول العربية لم تقم بدورها المناط بها في هذا المجال واكتفت بوجود بعض الجمعيات والمنظمات وهي غير كافية لذلك ، كما لا يوجد أي دولة عربية أو إسلامية لها تمثيل سياسي في كوسوفا باستثناء تركيا وماليزيا ، فمتى تحذو جميع الدول العربية حذوهما ، ليس هذا فقط بل أن هناك دولاً عربية وإسلامية تقوم بمنع مواطني كوسوفا من دخول أراضيها ولا تعترف بوثائق السفر ومنها مصر مما جعل العديد من طلاب كوسوفا لا يستطيعون الحضور للدراسة في الأزهر. ويمثل المسلمون في كوسوفا 95% من عدد سكان كوسوفا البالغ ثلاثة ملايين نسمة تقريبا ويوجد بكل محافظة مركز إسلامي كما يوجد 5 مدارس لتعليم الدين الإسلامي واللغة العربية الفصحى ، برغم أن اللغة الرسمية هي اللغة الألبانية ، وقد شهد تعلم اللغة العربية قبولا لدى المسلمين وخاصة في السنوات العشر الأخيرة ؛ وذلك لإجادة قراءة القرآن. رمضان عند البلقان يعتمد مسلمو كوسوفا في تحديد هلال رمضان على الحساب الفلكي فهم يتبعون في ذلك تركيا والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث ومعروف أن تركيا والمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث يعتمدون على الحسابات الفلكية في تحديد أوائل الشهور العربية وفي رمضان الجاري يتوجه مسلمو كوسوفو مبتهلين إلى الله أن يتم لهم الاستقلال الحقيقي ، حيث يتميز شهر رمضان عندهم بالتجمعات الأسرية التي تمتد من الإفطار إلى وقت السحور، ويعتبر مسلمو كوسوفو هذا الشهر فرصة للزيارات العائلية التي تكون بشكل شبه يومي، ولا ينسى مسلمو كوسوفو في لقاءاتهم العائلية حفلات السمر التي تمتد إلى تناول السحور وصلاة الفجر، حيث يروي أفراد العائلة الأحداث التي واجهتهم على مدى فترات طويلة ، تلك الفترات التي لم يجتمعوا فيها لانشغالهم اليومي بأعباء الحياة. وأهم مشروب يحرص عليه المسلمون في إفطارهم العائلي على هو عصير التفاح يتناولونه عند آذان المغرب، ثم يذهبون لأداء صلاة المغرب في المسجد ، وهناك من يصلي المغرب في المنزل ، ثم يتحلق المسلمون هناك على مائدة الإفطار العائلي ، التي يحرص أفراد العائلة على عدم التخلف عنها ، ومن أشهر أطباق الإفطار الكوسوفية هو «البوريك» باللحم المفروم ، والذي يعد من الأكلات الشعبية المفضلة في كوسوفو، ويحرص المسلمون خلال شهر رمضان على أداء صلاة القيام والتسابيح وقراءة القرآن والاستماع لفقهاء الدين في المساجد ، وكما أسلفنا سيستغل مسلمو كوسوفا رمضان هذا العام للتوجه إلى الله بالدعاء أن يمن عليهم بالاستقلال الحقيقي، ويكون هذا الدعاء في قنوتهم كل ليلة في صلاة التراويح. التعليم الشرعي في كوسوفو خلال رمضان وقد عانى أهل كسوفا ويلات الحكم الشيوعي على مدار سبعين عامًا دمر فيها المساجد وقام بإحراق المصاحف وحرم إقامة الصلوات ، ويسعى مسلمو كوسوفا لدعم هويتهم الإسلامية عبر إنشاء العديد من المدارس والكليات الإسلامية ، وإنشاء عشرات الكتاتيب لتحفيظ أبناء كوسوفا القرآن الكريم ، وتوجد هناك مدرسة (علاء الدين) لتدريس العلوم الشرعية وتضم أكثر من 700 طالب ، وهناك كلية متخصصة في الدراسات الإسلامية تضم 400 طالب ، وتُعتبر مدرسة علاء الدين الثانوية ، نموذجاً حياً لعدد كبير من المدارس الإسلامية التي كانت موجودة في شبه جزيرة البلقان ، فلقد كانت هذه المدرسة في البداية مدرسة إسلامية متوسطة ، ومنذ العام 1962م أصبحت مدرسة إسلامية ثانوية ومدة الدراسة بها أربع سنوات يتلقى الطلاب خلالها 25 مادة دراسية ، وكل أعضاء هيئة التدريس مؤهلون وقد تخرَّج في هذه المدرسة حتى الآن 1100 طالب، ويقوم اتحاد طلاب المدرسة بإصدار مجلة دورية هي مجلة «نور الإسلام»· كما تُعتبر الكلية الإسلامية أعلى مؤسسة تعليمية علمية للاتحاد الإسلامي ، وتقوم هذه الكلية بتخريج الدعاة والمعلمين وتدريب أئمة المساجد ورجال الدعوة لكي يكونوا على المستوى المطلوب للقيام بأداء رسالتهم وتشرف على هذه الكلية المشيخة الإسلامية· رمضان... ومساجد وتعتبر المشيخة الإسلامية في كوسوفا هي الجهاز التنفيذي لمجلس الاتحاد الإسلامي ، وتعتبر المشيخة أعلى سلطة للشؤون الدينية والتعليمية ، وتقوم بتنظيم شئون الحج والعمرة وجمع التبرعات وتحصيل أموال الزكاة والإشراف على أوقاف المسلمين في جميع أنحاء البلاد ، وإصدار الفتاوى والردّ على استفسارات المسلمين وغيرهم ورعاية المسلمين الجدد وتوعيتهم بأحكام الدين ، وتعيين أئمة المساجد والدعاة والمؤذنين وأساتذة الكلية والمدارس الإسلامية وتشرف المشيخة على 24 وقفاً إسلامياً وعلى 550 مسجداً، ويتبع المشيخة الإسلامية في كوسوفا أكثر من 500 عالم يعملون في مجالات الدعوة والوعظ والتعليم الإسلامي ، وللمشيخة إدارات مهمة تمكِّنها من القيام بواجباتها مثل إدارة التعليم الإسلامي وإدارة الشؤون الدينية وإدارة الطبع والنشر، إضافة إلى إدارة الشؤون الاقتصادية، وبذلك يمكن القول: إن مهمة المشيخة في كوسوفا تماثل مهمة وزارة الأوقاف في بعض بلدان العالم الإسلامي والعربي· ورغم هذا الحضور الإسلامي إلا أن استقلال الإقليم عن صربيا مازال استقلالا صوريا ، فلا تزال كوسوفا تعاني من الاضطهاد بل وأعمال التطهير التي قامت بها صربيا وما تزال تقوم بها ، كما لا يزال حقها في الاستقلال بعيد المنال بسبب معارضة الصرب المدعومة من روسيا والصين. وما تزال قوات تابعة للأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي ترابط حالياً في كوسوفا بعدما انتشرت في الإقليم عام 1999 لإجبار صربيا على التوقف عن إبادة المسلمين في كوسوفا بعد عامين من مذابح صربية دامية ضد المسلمين هناك .. وتنظر روسيا إلى صربيا على أنها حليف استراتيجي في منطقة البلقان الحيوية ، وقد هددت مراراً باستخدام حق «الفيتو» ضد أي قرار دولي يتعلق بصربيا وعلى وجه الخصوص قضية استقلال كوسوفا كوسوفو في سطور تعتبر كوسوفو إحدى جمهوريات شبه جزيرة البلقان، تسعى لاستقلال حقيقي مازال استقلالها صوريا في ظل تعنت روسي وصيني وصربي واضح - وبناء الدولة وتعويض الخسائر الكبيرة التي تسببت فيها الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الصربي ، وإعادة الأوقاف الإسلامية التي صادرها الحكم الشيوعي وكذلك تقديم الدعم لإعمار 220 مسجدًا دمرها الصرب أثناء احتلالهم للإقليم.