أحيانا يبدو للمرء كما لو أن بعض القرارات المتخذة في بلادنا تكون مفتقدة لأي معنى أو مبرر وجود. قضية الدعوى المرفوعة مثلا اليوم من أجل مصادرة المقر التاريخي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتفويته، واحدة من هذه الخطوات التي يغيب عنها المعنى والعقل وذكاء التقدير. وقبل ذلك وقع احتجاج المنظمات الجمعوية والتربوية للمطالبة بعدم تفويت مخيم الهرهورة، وتساءل الكثيرون عن هذه العبقرية العجيبة التي أفتت بوضع اليد على فضاء تخييمي وتربوي يمتلك عراقة وذاكرة تاريخية. ثم هناك أيضا هذا التسريب الغبي لنقاش بلا معنى حول إلغاء مجانية التعليم، ثم الاضطرار لترويج التوضيحات والشروح ذات اليمين وذات الشمال، واتخاذ خطوات متنوعة في المدن والمناطق لإطفاء ما يمكن أن تشعله هذه التخريجة من نيران. هل نكتفي أمام كل هذا فقط بالقول بأن مثل هذه الخطوات ينقصها حسن التقدير، وتفتقد للمعنى ولذكاء الاستشراف؟ إن مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب كان بالإمكان مثلا التفكير في تحويله إلى فضاء ثقافي وتأطيري للشباب والطلبة، وكان يمكن، بالنظر لما تحياه جامعتنا وما تعانيه البلاد جراء تراجع مستويات التعلم والوعي وسط طلبتنا وشبابنا، أن نستثمر مثل هذا الموقع الرمزي التاريخي، وأن يجري تجميع قيادات المنظمة العريقة وشخصياتها الرمزية، وصياغة مشروع تثقيفي تنويري يحتضن شباب اليوم، ويساهم في تقدم الدينامية الثقافية والتسييسية بالبلاد. أما مخيم الهرهورة، فقد كان يمكن التفكير في توفير الاستثمار اللازم لتطوير فضاءاته وتجهيزاته، وأيضا تطوير باقي مراكز التخييم بمختلف جهات البلاد وإنشاء أخرى غيرها، وذلك لتعزيز خدمات الاصطياف والترفيه للطفولة المغربية، ومن أجل تشجيع الجمعيات التربوية والمنظمات الشبابية، وتوسيع العرض الوطني بهذا الخصوص. ولقد كان أيضا من اللازم إيجاد صيغ تواصلية تفاعلية وذكية لتقوية نقاش عمومي جدي ورصين حول سبل إصلاح المنظومة التعليمية بكاملها، بدل جر البلاد لفتنة الاصطدام مع إلغاء المجانية، وكان من الأنجع الاهتمام بالإحصائيات الأممية التي نشرت، في نفس الفترة، حول عدد الأطفال المغاربة الذين لا يلتحقون بالمدرسة كل سنة، ومستوى المغادرة والهدر المدرسي، والتراجع المهول للمستوى العام للتلاميذ والطلبة، والارتفاع الصاروخي لرسوم الدراسة في التعليم الخصوصي مقابل نفور عام من المدرسة العمومية وتراجعات فضيعة في مستوياتها وبنياتها، وأيضاً في وجودها وأعداد مؤسساتها. في هذه القضايا كلها بالذات يوجد المعنى، وتتجسد بالفعل انتظارات المغاربة، وهي تحتاج للتقدير السياسي العالي قصد التفاعل معها، والسعي لتوفير الإجابات والقرارات المتعلقة بها. إن مصادرة مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب خطوة مرفوضة وبلا معنى. وإن تفويت مخيم الهرهورة يعتبر كذلك فكرة مرفوضة، ويجب التخلي عنها والسعي لتطوير فضاءاته. وعلاوة على ما سبق، فإن إثارة نقاش ملتبس حول إلغاء مجانية التعليم يعتبر، من جهته، خطوة بلا أي مسؤولية أو بعد نظر، ويزداد التباسها عند ربطها بالتوقيت السياسي العام الحالي. كم هو أعمى العقل التقنوقراطي وبلا تقدير أو إنصات للمجتمع أو لمؤشرات السياسة والمحيط وغيرهما؟ هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته