الروائي العربي الكبير جمال الغيطاني انا قلق على اللغة العربية بالمغرب التقى الكاتب المغربي شكيب عبد الحميد الروائي الراحل جمال الغيطاني في مدينة جنوة الإيطالية، في ملتقى أدبي دولي، وكانت مناسبة لإجراء هذا الحوار الذي يتحدث فيه عن علاقته بالمغرب وبالأدب المغربي، وعالم التواصل، وعن تجربته الأدبية، خصوصا تجربة تأسيس أخبار الأدب التي لعبت دورا في التعريف بالجيل الجديد من الكتاب المغاربة، وبمناسبة رحيله، خص شكيب عبد الحميد الملحق الثقافي لبيان اليوم بهذا الحوار. بصفتك أديبا له وزنه في خريطة الإبداع العربي كيف ترى الحركة الأدبية العربية الآن، إلى أين تتجه أو ما هي رؤيتها للعالم؟ من خلال المتابعة وأنا في مرصد يمكن أن يتيح لي فرصة الرؤية إلى حد ما، أنا أعتقد أن الحركة الأدبية العربية منهزمة. تتراجع لأن أهم ما كان يميز الحركة الأدبية العربية هو التواصل. وأنا عندي شعور بأن التواصل الذي نجحنا في الحفاظ عليه طوال القرن العشرين حتى في ظروف التخلف الخاصة بالمواصلات ينعدم الآن أو يعني يقل الآن. هناك حالة من التقوقع والتشرذم الثقافي، وهذا أخطر ما يهدد الوجود العربي، لأنه يمكن أن نختلف سياسيا ويمكن أن نتقوقع اقتصاديا لكن كان هناك دائما تواصل في الوجدان. والكتاب المصري الآن لا يخرج من مصر إلا بصعوبة. والأسواق في العالم العربي تكاد تكون مغلقة تماما ولا نعرف عنها شيئا: مثل ليبيا .. الجزائر. حتى المغرب؟ ! لا، المغرب إلى حد ما في السنوات الأخيرة، بدأ في أواخر السبعينات، وهذا في الحقيقة بمبادرة من اتحاد كتاب المغرب، الذي لعب دورا مهما أثناء رئاسة محمد برادة له، وبعد ذلك أصبح هناك تواصل، وهناك مغاربة معروفون في المشرق، كما أن هناك صحفا مشرقية لعبت دورا ولا تزال في التواصل، منها أخبار الأدب مثلا بقدر الإمكان تحاول أن تكون منبرا لتواصل الثقافة العربية في زمن التراجع، لكن الذي يقلقني هو هذا التقوقع، وليست هناك مبادرات في حالة التواصل، وهناك حالة انكماش إقليمي. العراق اختفى من الساحة الثقافية. السودان وهي بلاد مهمة جدا. وأنا أريد أن أقول إن الحالة الثقافية نشطت في حزام الفقر يعني في الدول التي ليست ثرية، أما في الدول الأكثر ثراء لا ينفق على الثقافة. يمكن أن يكون هناك أمل في الفضائيات في التواصل السمعي البصري، يعني الآن أنا أستطيع أن أرى القناة الفضائية في المغرب وأحب أن أسمع فيها النوبات الأندلسية وموسيقى الآلة والملحون، حتى صلاة الجمعة أحب أن أتفرج على المساجد لأرى جمال العمارة. لكن ألاحظ عدم الاهتمام بالثقافة في هذه القنوات، فهي قنوات ترفيهية أكثر منها ثقافية. هذا هو الوضع كما أرى. كرئيس تحرير جريدة "أخبار الأدب" ومن المتتبعين للإبداعات العربية هل تجد تنوعا وغنى في الإبداع المشرقي والمغربي؟ *نعم أعتقد أن "أخبار الأدب" نتيجة صدورها أسبوعيا قدمت نماذج من الأدب المغربي. وكانت مفاجأة بالنسبة للكثيرين من القراء خاصة مستوى الأداء اللغوي العالي في الشعر وفي النثر، وأظن أنه أصبح على مدى الست سنوات تقريبا لا يخلو عدد من الإبداع المغربي، بل هناك أدباء نشروا في أخبار الأدب قبل يكتبوا في المغرب، وأذكر تعليقا لرئيس القسم الثقافي في العلم الصديق نجيب خداري كان قد أثار هذه الظاهرة. عندي سؤال أقلقني هو أنني أطلعت في جريدة "أخبار الأدب" ولأكثر من مرة، كتبت مقالات مفادها أن المغاربة لا يكتبون إلا بالفرنسية وبعبارة أخرى هم مفرنسون؟ لا، ليس هذا الكلام دقيقا، بل هناك قلق على اللغة العربية في المغرب، وهذا ليس مبادرة من الذين كتبوا هذه المقالات، ولكن هو نتيجة نقلها لنا الأصدقاء المغاربة، ومنهم من أثق به ثقة كبيرة، أخبروني شخصيا أن اللغة الفرنسية الآن تكتسب مواطن قوية اقتصاديا واجتماعيا يعني مرتبطة بظروف اقتصادية واجتماعية. وأنا بصراحة أستطيع أن أتفهم تقدم اللغة الفرنسية وقوتها في زمن الاحتلال أو في زمن الهيمنة، ولكن كيف أفهم ذلك بعد سنوات طويلة من الاستقلال، أنا أعرف اللغة العربية في المغرب لغة قوية جدا يتحدثون بفصحى سليمة جدا، وهناك مراكز ثقافية دينية مهمة تلعب دورا تاريخيا، القرويين قبل الأزهر. لكن لا شك أنه أيضا ملاحظاتي من خلال زيارتي للمغرب، هناك حالة تفرنس، ودخلت أيضا حالة تأنجل( الإنجليزية). كيف وجدت اللقاء الذي جمعنا في جنوة احتفالا بالشباب الفائزين بجائزة البحر الذي يجمع، هل فعلا يجمعنا البحر خصوصا وأن حضور إسرائيل سبب مشاكل، مما أدى إلى نقاش وتشاور لمدة ساعات بيننا وكتابة بيان وانسحاب الأخ السوري؟ الفكرة في حد ذاتها ما هي؟ أنا شخصيا أعتقد أن فكرة البحر الأبيض المتوسط فكرة مصدرها الاتحاد الأوربي أو مصدرها أوربا لإقامة تجمع أو تكتل لمواجهة الأمريكان، ومن هذا المنطلق، أنا شخصيا أؤيد أي نشاط متوسطي يقرب بين شعوب البحر المتوسط. أما مشاركة إسرائيل فهذا مؤتمر دولي ومشاركتنا مهمة، وكما حدث في جنوة استطاعت المشاركة العربية أن تحول هذا الحدث إلى مظاهرة ثقافية من أجل الثقافة العربية، وأعتقد أن ما قيل في المؤتمر من كبار الأدباء وشعراء إيطاليا وأدباء بارزين في العالم مثل نديم كورسيل وغيرهم لم يقل مثله عن الثقافة العربية. طبعا من حق كل إنسان أن يتخذ الموقف الذي يتفق مع ضميره. أما فيما يتعلق بي أنا شخصيا، أعتقد أن أي نشاط دولي مهم حتى ولو شاركت فيه إسرائيل. المهم ماذا سأقول، وكيف سأتصرف، وكيف سأقدم نفسي إلى الآخرين؟ وأعتقد أن المشاركة النشطة الآن في كل هذه اللقاءات الدولية مهمة، وفي مواجهة إسرائيل أيضا حتى لا نترك لها الساحة بمفردها. كلمتك الأخيرة؟ أنا سعيد جدا باللقاء بك شخصيا. قرأت لك وأعجبت بك قبل أن نلتقي. وأنا علاقتي بالمغرب معروفة في مصر وفي المشرق، وأتمنى مزيدا من القوة والمتانة بين البلدين. وفي العالم العربي، إذا قلنا هناك مراكز ثقافية مهمة، هناك المغرب، مصر، دمشق، بغداد.. كلها مراكز هامة أرجو في المستقبل أن تتواصل. * أجراه شكيب عبد الحميد مع الأديب الراحل سنة1998