جمال الغيطاني أو السرد حين يتسنم ذُرَاهُ بقلم: محمد بودويك تُحلِّقُ اللغة في رواية "الزينى بركات" وتلتف الأصوات، وتتعدد، مُكَوِّنةً ضفيرة معنوية ودلالية، وشبكة رمزية تقول الوجود، وتفضح الأُلَى صنعوا العجز المصري، والكبح الاجتماعي لغاية تأهيل زمرة من المتكرشين والبطون المدلاة التي اسْتَفَّتْ وامتصت آخر قطرة دم لشعب يشقى ويتعب، ويتحمل استمرار إسم الدولة/المدينة كعنوان ملتبس على مواصلة الحضور العمراني الضارب، والحضاري التليد والمتجدد على رغم البؤس العام، وانتشار "الغَلاَبَة" في كل مكان، وفي بر، وبحر، وجبل العالم العربي. تشتغل اللغة في هذه الرواية كما في رواية "التجليات" من ثلاثة أجزاء، وفي "دفاتر التدوين"، و"هاتف المغيب"، وفي مجموعته القصصية اللافتة والرفيعة في دنيا القص العربي، والسجل السردي البديع والبهي، الموسومة ب:"مقاربة الأبد"، والتي أحب أن أشبهها في بعدها التأملي الباطني، وجوانيتها، وجوهرها المعرفي، والوجودي، والميتافزيقي، ب"جدارية" محمود درويش، "معلقة الموت" الشاهقة في الشعرية العربية، والعالمية الحديثة والمعاصرة. تشتغل اللغة اشتغالا نَبْضِيًا ذاتيا، وجمعيًا متفاوتا، إذ في "الزين بركات"، كما في "التجليات"، كما في باقي ما دَبَّجَ وَرَقَّشَ، ونقش جمال الغيطاني، تُسائل اللغةُ اللغةَ ما يعني أنها تتيح المجال لِمُنْعَقدها التركيبي، وانعكاسها النفسي، وتعبيرها الداخلي بما هي خيط أفكار، ورؤى، ومواقف، تحتاز وجودا ماديا، ووعاء – ناطقا مرئيا وملموسا. وبعبارة أوضح، يكشف المتن الروائي للغيطاني، وسجله السردي الحافل، عن حرقة، وشوق وَتَشَوُّف لتسطير الجديد والحديث والقشيب، بعيدا عن "معطف" نجيب محفوظ، قريبا من الذات المكلومة صاحبة التوقيع، والنظر، والتعبير. أي رابطة ومربوطة بصاحبها وبأسلوبه الخاص وتوقيعه الذاتي، واستعلان أناه في كتابة مكتوب مغاير، وصوغ رؤية تَرْشَحُ دما، ترفع شَكَاتَها جهرًا، وتقول عذابات المصري والعربي كما ينبغي أن تقال، أو كما يَرْتَئيها الروائي ويصبها في القالب القولي المخصوص، والوعاء السيميائي المدروس. وفي هذا ما يَشِي بتصميم جمال الغيطاني على الخروج من رِبْقَة المحكي ل"محفوظ"، ومجايليه هو بالذات كمثل: صنع الله إبراهيم، ومحمد البساطي، وسعيد مكاوي، ورضوى عاشور، وإبراهيم أصلان، ومحمد مستجاب، وخيري شلبي، وآخرين وأخريات. أما الذي صنع المفارقة، وحقق لمُنْجَز الغيطاني الإبداعي، الصولة والتميز والتفرد، ورفعه من حيث وضع آخرين سَامَتُوهُ، فهو غوصه في التراث غوص الخبير المجرب الذي يذهب مباشرة إلى المحار المحتضن للؤلؤ، فيصْطَفِيه، ويزين به عقد نظره وفكره، ورأيه، وأسلوبه، ولغته من دون أن تطغى "الرطوبة" التراثية على وميض الحياة في عيون اللحظة الراهنة، والواقع الحي المَوّار، والمشهد المجتمعي الذي ينغل بالصراعات، والتناحرات، والأغلال، والشظف، واللصوصية، والاستبداد المقيت، والطغيان السياسي العاتي. هو ذا رهان جمال الغيطاني المكتسب الذي صار به إلى "ماركة مسجلة" ودَمَغَ به وجوده الأدبي، وأدب وجوده. ثم هناك، انغراسه في أتون "الواجب الوطني"، مراقبا ومتتبعا، ومنخرطا، ومُدَوِّنًا، ومسجلا يوميات الحرب العادية مع العدو الإسرائيلي، والحرب الاستنزافية كذلك. ولعل نار المعركة الحضارية والوجودية إياها، ورمضاء الرمال الحارقة في سيناء، والجبهة، انتقلا إلى الكتابة الغيطانية، وَوَسَمَاهَا بجمالية الإفضاء النفسي والإبداعي، ورهبة الموت الذي يُدَوِّمُ فوق الرؤوس في كل لحظة وحين، وشوك الغربة والانفصال، والتخَنْدقُ وراء سور منيف يصنعه الأدب والفكر، والانصهار مع الدم المسفوح، والموت المعلن. هي كتابات بالجمع يتحكم فيها الوعي اللغوي والأدبي والسردي بإسراف، ويثوي خلفها البناء المتين، والعمران الثقافي بمعناه المادي والرمزي والمعنوي. تُؤثتها سيرة الأمكنة والناس من كل معدن، وتاريخ وشجرة، وتتخللها بشكل –لا أَمَتَ فيه- لغة مشذبة، شذرية حينا، مٌتَلَوْلِبة أحيانا، وشاعرية في كل الأحيان، كما لو أنها قصائد نثر مرقومة تزركش المتن بل يتأسس المتن السردي عليها طلبا للإضافة النوعية، ونشدانا لجلب الجمال، والفن، والمتعة إليها. جديد الغيطاني قديم معتق لأنه حافظ على شكل وخصوصية الحكي العربي، سعيا إلى إعادة خصوصية السرد العربي، أَيْ، سعيا إلى رسم الفرق مع الرواية ذات الهندسة، والتشييد الغربي، وإحياءً لنبض مرويات تاريخية مخترقة للزمكان، يكفي أن تتوافر لها يد خبير، ومهارة روائي استثنائية، لتتقدم الجبهة، وتنبيء – من كان في حاجة إلى إنباء- أن لكل إبداع، وفن، وسرديات بعامة، خصوصيته، وعبقريتَهُ، وفرادَتَهُ. وأحسب أن جمال الغيطاني حقق الفرق، والخَرْق، والفَتْق من حيث البناء اللغوي لجل رواياته، وقصصه، وحفرياته الإبداعية، والمعرفية، والتركيب الفخم، القوي لأوصال "معروضاته" الأدبية، ومسروداته التاريخية والواقعية، وتجلياته الشعرية، والصوفية والعمرانية والموسيقية. ومن سمات إبداعه الفارقة أن روايةً ك: "التجليات" مثلاً، تَقْرَأُكَ قبل أن تقرأها على رغم تدويمها وَزَوْبعة مُعطاها وأبعادها، ما يعني أنك لست في حاجة إلى البحث عن الصفحة التي وقفت عندها وأنت "تلتهم" عسل الرواية "وتَتَنَشَّقُ" بَخُور جينالوجية وجذور مستندها، ومتكئها ومرعاها. ولك أن تقرأ العمل الإبداعي الفذ هذا، من أي نقطة قادتك يدك إليها، فكأنك تستأنف كلاما لم يكتمل، أو تبدأ حديثا مرتقبا، ومطلوبا من محاور خفي، يسكن تلابيب السطور، ويضع طاقية سحرية على أخاديدها، ومنحنياتها، ومنعرجاتها، ودروبها الغامضة، الفاغمة، المنداة بعبق الإشراق والوجد لرجال الملكوت، وملح المد والجزر، للنازلين في نشوة وشطح، للعوالم السفلية. فاللغة مهيمنة وسيدة، واقفة عارية بهية كشجرة "الكَاكْتْس" Cactus"، في البراري البعيدة الزرقاء، والوديان المُجْدبة المَجْفُورة، أو بستان يعج بالطيور من كل لون وجنس، وبالشجر من كل فسيلة، وسلالة، وصفة. اللغة مكسوة بريش الاستعارات، مثقلة بمطر البهجة القادم من سماوات الغبطة، وكواكب خارج مدار الشمس، ومترعة –بما لا يقاس- بجراح الذات، وكلومها، وجراح الوجود الموجود، والماوراء المفقود. أما مجموعته القصصية : "مقاربة الأبد"، فهي بين المجاميع القصصية العربية، ثَمينةٌ ومتفردة، أَلْمَاسَةٌ تخْطِفُ، لا عهد للناظرين بها. تقول كاتبها الغيطاني، سردا ووصفا، وتداعياتٍ، وتعبر عنه، عن حاله الوجودية ببلاغة فذة، بعيدة عن التكلف والتحذلق بوساطة أسلوب رفيع النسج والثنايا، وإشارات وعلامات تنم عن قدرة على القص المحكم المقتصد، والحكي الجميل المؤثر المتقشف، على عكس ما عرف به من فيض ودفق لغويين في رواياته وسروده الأخرى. إنه ينشر حقيقة الموت بما هي الحقيقة الأوحد والأقوى والأشرس، فكأن الموت، أو رهبة طيفه وحضوره، أصاب اللغة بالقبض والاقتضاب البليغين. في المستشفى، أو مُمَدّدًا على سرير الجراحة: سلسلة متواصلة من الصور، والذكريات، والتداعيات، والأطياف. لحظات سوداء من البرد والعزلة، وانهمار الذكريات، ذكريات الطفولة البعيدة والأم الرؤوم، وواقع ما يرى : الممرضات وهن يملأن عينيه بهجة، وأحلامه توردا، وموته، إنْسَاءً وإرْجَاءً. لكن جمال الغيطاني كصديقه محمود درويش، علا وسما، وهو يقترب من تيمة الموت، علما أنه المقصود والمستهدف من قِبَلِ الموت لا غيره. وإذا كان الإنسان يطير فَرَقًا من فكرة الموت، والخوف من الذهاب إلى التلاشي والعدم، مخلفا وراءه مباهج الحياة، وملذاتها، وشهواتها، وهو بعيد عن الموت، يفكر فيه حَسْبُ، فكيف بِمَنْ خبر الموت وزاره، ورافقه، وهدده بالاستئصال، والاختطاف، والإنهاء، والتسوية بالتراب. من هنا، يسمق جمال الغيطاني الإنسان، ويعلو كعبه في إبداعية إبداعه المسربل ب"رائحة الميتافيزيقا" الذي ينعى الموت ولا ينعى نفسه. يكتب عبده وازن قائلا : "في لحظات مواجهة الموت لم يكن الغيطاني مأخوذا بالإطالة والاستفاضة، ولا مغرقا في متعة الكتابة كماء النهر، كان مقتضبا ومُلْتَمًّا على نفسه مثل لحظة الموت نفسها" [جريدة "الحياة"]. غير أن الموت هذا الموصوف ب"هادم اللذات، ومفرق الجماعات" سيموت بدوره، إذ ورد في الحديث: "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مُنَادٍ: يا أهل الجنة فيشرئبون، وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟، فيقولون: نعم، وكلهم قد رآه. ويقال لأهل النار مثل ذلك، فيُذْبَحُ. ثم يقال: "يا أهل الجنة: خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موتٌ". أما قَبْلُ : لقد رحل الغيطاني.. امتطى جوادا أبيضَ بقوائم بنفسجية، و"سبيب" عائم في المرجانية، والزرقة النيلية، وانقذف في غضارة الملكوت، يلملم ظلالا يفيء إليها، تصحبه موسيقى أندلسية من مقام الرصد، و"غريبة الحسين"، و"رمل الماية"، تلك الموسيقى التي كان يعشقها، ويهيم بها، ويؤرجحه بين الغيوم، صوت المرحوم الحسين التولالي سيد الملحون، إذ هو من طلب الرفقة الحميمة في الوحشة المستديمة. لكن، نَبْضُ فكره، وضوء لغته، وسطوة حكيه، وَفَارِهُ نسجه، وبديع توقيعاته، سيستمر ساكنا التلقيات الحاضرة والقادمة. فالغيطاني لم يعد يقارب الأبد، لقد دخله الآن، ليقيم فيه إلى الأبد، مشعا.. نورًا يتلامع، ويتلامح وَامِضًا وسط سجف الغيب، وأستار الماوراء والظلام. ****** الغارف من التراث بقلم: المصطفى كليتي تستمر حياة الكاتب في كتبه، بعد رحيله لعالم مزدحم بمن رحلوا، فقد غادرنا إلى الضفة الأخرى الصحفي والروائي: جمال الغيطاني، هذا الشاب المصري الذي عاش 70 سنة مما يعدون (1945/ 2015 ) لكنه عايش وتابع ورصد واشتغل على التاريخ الفرعوني والإسلامي والعربي والصوفي على وجه التحديد، وأبحر فيه مليا، ونسج قصصا وحكايات وسرديات تنسج على طرائق السرد القديم، باحثا عن تميز للرواية العربية الشاربة من المياه الجوفية للتراث والمندمجة بالرؤيا الحداثة التواقة للتجديد، إسوة بنجيب محفوظ الذي كان متأثرا به، وأحد جلسائه الأصفياء مثل أضرابه بمقهى الريش: محمد البساطي ، إبراهيم أصلان ، خيري شلبي ، أمل دنقل ، بهاء الطاهر ، يحي الطاهر عبد الله . ففي منطلق حياته عمل كرسام ، ثم جرته الصحافة وهو أحد أعمدة مؤسسة « أخبار اليوم المصرية « بأن يكون مراسلا حربيا وقد جمع نتفا من هذه التجربة الغنية في محكيات يومياته وتقاريرة : حراس البوابة الشرقية « . وحذره الشديد جعله يلعب بحبلين أم بالأحرى أسلوبين ، أسلوب الصحفي الصلب المتموقف الغير الخاضع وله مواقف شجاعة تذكر في مايتعلق ببلده مصر التي كان شديد الحب لها وبتاريخها ومصيرها ، فضلا عن تعلقه بالتاريخ والثرات حيث كان ، وكم كان مفتونا بالمغرب تاريخا وجغرافية ، فمن يحط رحله بجهة حتى يسعى نابشا عن كتب الأثر والتاريخ. فحينما يتعامل مع مكون الزمن في رواياته لا يتعامل معه فحسب كخلفية تحيل على فترة معينة بل يكون عامل الزمن بطلا في حد ذاته ، كمانجد في عمله البكر « أوراق شاب عاش مئة سنة « أو «زيني بركات» أو « التجليات « أو « متون الأهرام « وباقي أعماله المتواترة والمتعددة، فقد كان رحمه الله غزير الإنتاج، متوازن العطاء، فلم يخن الأدب من أجل الصحافة ولم تبلع الطاحونة اليومي الصحفي جهده، فكثير من الطاقات المبدعة التهمتها الآلة الصحفية على حساب مشاريعها الأدبية. وفي هذا الصدد أسس « أخبار الأدب» وهي جريدة تصدر أسبوعيا تعنى بالأدب، تولى شأنها لسنوات ذوات العدد وتعد من أبرز المراجع للصحافة الأدبية بيد أنها تعرضت لأثر الهزات القوية التي مست الشأن العام المصري في السنوات الأخيرة. بعد رحيل جمال الغيطاني المادي نحن في أمس الحاجة لإعادة قراءة منجز هذه القامة الإبداعية، فموته الجسدي انتهى لما وصل إليه مشروعه، وبقراءته يستمر جمال الغيطاني بيننا وقد نقل الحس الإنساني عبر توظيف التراث الإنساني في جل أعماله في امتداداته المختلفة. **** آلمه أن ينهزم المغرب أمام ألمانيا بقلم: محمد صوف رحل الرجل كما سنرحل جميعا . كل من يعرفه بشكل مباشر أو غير مباشر له معه ذكريات .. لن أتحدث عن صاحب "الزيني بركات " وهي رواية تتميز بكونها دائمة الحالية أديبا .. أذكر كما يذكر عدد لا يستهان من متتبعيه مقالا كتبه سنة 1986 عن مباراة "المغرب -ألمانيا " خلال منافسات كأس العالم .. آلمه أن ينهزم المغرب بإصابة واحدة لصفر.. تلك الإصابة التي سجلها ماتيوس على الزاكي .. لقد تحدث عن المباراة بقلب عاشق. ولام الفريق وهجومه وكيف أنه أضاع فرصا كانت ستؤهله إلى الدور الموالي ويكون بذلك أول فريق عربي يحقق إنجازا كهذا. لا أذكر المنبر الذي تضمن مقال الغيطاني .. عندما يكتب أديب عن مباراة في كرة القدم يكتب بقلبه لا بيديه ..لم يكن يصف المباراة وأطوارها بقدر ما كان يتحدث عن الفرص الضائعة للفريق المغربي . وان قلمه يتألم وهو يتحدث . وهذا كاف لإبراز علاقة الأديب الراحل بالمغرب ***** جمال الغيطاني أديب عاشق للغة بقلم: مصطفى لغتيري حين تطالعك تلك السمرة اللطيفة، التي تؤشر على ابن بلد حقيقي، اقتبس من النيل والصحراء سمرته، تعرف أنك أمام مبدع كبير من طينة خاصة، استطاع أن يخلق لنفسه توجها إبداعيا خاصا يجمع ما بين الاهتمام بالتراث القديم العربي والفرعونيوالإنساني وتجليات الهندسة المعمارية ليخلق منها نصوصا جميلة ومتينة، ذات بهاء لا يقاوم، إنه جمال الغيطنمي الذي تشعر وأنت تقرأ»أسفاره» و»متونه» بأنك أمام بلاغي من العصر الذهبي للبلاغة واللغة العربية، وقد «أخطأ» طريقه نحو عصرنا هذا، لكن هذا الخطأ الجميل كان من حظنا -نحن قراءه-، فلقد استمتعنا بتلك اللغة المعتقة التي تولد المعاني توليدا، فينبهر القارئ فيها بالدال والمدلول معا، وكلما توغل أكثر في تلك النصوص فرضت عليه سطوتها وفتنه بروعتها، فلا يملك منها فكاكا. إنه الأديب المتمكن الذي أغوته دروب التصوف، أقصد الاندماج في اللغة ودلالتها بما يشبه الحلول، ينقب في النصوص القديمة، فتلهمه بفصوص تزيدك إشراقا كلما زدتها قراءة وتمعنا. ومن حسنات هذا الأديب الراقي عدم إيمانه بالمركزية المصرية في الأدب، فقد كان منفتحا على جميع الروافد العربية، فتجده ينبش هنا وهناك باحثا عن معين الإبداع لا ينضب، فأينما ظفر بضالتها فهو أولى به، وقد خص بلدنا المغرب بكثير من الحدب ، فكان مفتتنا بثقافته وعمقه الضارب في تربة التاريخ، وفلا نعدم- نتيجة لذلك – ذكرا للمغرب، من خلال حضوره في مصر بأشكال عدة، أو من خلال بعض المدن التاريخية أو الأسماء المغربية ك»وادي زم» مثلا، التي جاء ذكرها مرارا في أحد النصوص المميزة للأديب جمال الغيطاني. هذا ناهيك عن مغامراته السردية التي أنتجت لنا إحدى أهم الروايات العربية، التي وجدت لنفسها طريقا سالكا نحو التشخيص التلفزيوني وأقصد بها رواية»الزيني بركات». حقا بموت هذا المبدع العربي الكبير نفقد أديبا مميزا وصديقا كبيرا للتنوع الثقافي وتعدده ولجمالية اللغة، التي تشهد بها نصوصه الكثيرة، كما نفقد نحن في المغرب أحد عشاقه المبدعين الذي قال يوما بأن المغرب» «ركن ركين في تكويني الروحي والثقافي وفي أعمالي الأدبية». وبذلك يضاف هذا المتيم ببلدنا إلى رصيد المغرب الكبير من الأدباء الذي عشقوا هذا البلد كبول بولز وجان جينيه وغويتيصولو.