ليس مغربيا من يرفض العمل في مغرب الهامش سيدي وزير الصحة المحترم، البروفيسور الحسين الوردي؛ أنت لا تعرفني وأنا لا أعرفك، لا تربطني أية رابطة بحزبك ولا بأي حزب من الأحزاب المغربية.. لكنني لا أتمالك نفسي للتعبير عن تضامني المطلق معك في مشروعك الرائد بشأن الخدمة الصحية الإجبارية في العالم القروي، ذاك المغرب الذي قد لا تجرُؤ أنت من موقعك الوزاري على تسميته مثلما أسميه أنا المغرب غير النافع، المغرب المهمش، المغرب المنسي، ويسميه بعض المتملقين مغرب الهامش. أتضامن معك في "هذه المحنة" التي يقودها أبناء بابا وماما، أولئك الذين وُلدوا بملاعق من ذهب في أفواههم، في غالبيتهم الساحقة، وأنا على يقين بأن من داخل صفوف الطلبة هناك أبناء بررة طَربوا ويطربون لقرارك الجريء هذا بسن الخدمة الإجبارية في المناطق النائية. أنا لا أتضامن معك لسواد عيونك، بل أتضامن عَبرك ومن خلالك مع المغرب المنسي الذي لا تذكره خرائط المدرسة وكُتبها ولا خرائط النشرة الجوية والذي قد لا نجده إلا في خرائط الولي الصالح سيدي غوغل، ومنه من لم تشمله بركة هذا الولي فلم يذكره ولا حتى الطرق غير الموجودة المؤدية إليه، تلكم الطرق التي لم ننجزها، فأجهزنا على المغرب المقهور. لا أتضامن معك طمعا أو طلبا لوُدك، بل أطمع في إرضاء ضميري وأنا أقوم بواجب يُفترض أن يقوم به كل مثقف وكل باحث وكل جامعي وكل صحفي وكل فنان وكل رياضي، وكل مواطن: النضال ضد القهر والظلم. وفي الحقيقة أطمع في شيء ثمين جدا أود أن تكافئني به: وهو أن تدفع مركز تحاقن الدم بأن يضخ في بدني مزيدا مزيدا مزيدا من الفصيلة الدموية للسبعينيات RH+ 70 . دمي هذا الذي يجري في عروقي، دم السبعينات، دم سنوات الجمر والرصاص، بدأَت تُعكره بعض الفصائل الدموية الخبيثة، وهي دموية بالفعل، في مغرب الشقاق والنفاق، مغرب البيع والشراء. في قطاع الصحة الذي قررتَ فيه الخدمة الإجبارية على الأطباء المتخرجين، تقريبا مثلما كان فعل الخياري يرحمه الله، يجب توخي العدل والإنصاف. العدل في خريطة ديمقراطية للمصالح الطبية بين جهات المغرب وأقاليمه ومدنه وقُراه ودواويره، سهولا وصحاري، جبالا وواحات. العدل في تعيين الطلبة الخريجين بما يضمن تكافؤ الفرص، في تذوق الحياة بالمغرب المنسي. العدل في راتب شهري كالذي يتقاضاه أي طبيب في الوظيفة العمومية مع مكافأة شهرية سمينة خاصة تسمى "تعويضات التضامن مع المغرب غير النافع". العدل في تجهيز البنية التحتية بكل مناطق المغرب. العدل في إدماج الطلبة الأطباء في الوظيفة العمومية باستثناء من رغب بعد الخدمة الإجبارية، في شد الرحال نحو القطاع الخاص أو الهروب من هذا البلد الذي لم يعد أحد يحترمه. أنت اليوم تميل إلى إلغاء الخدمة الإجبارية لأنك تتعرض لضغوطات استئسادية تسنُدها لوبيات خطيرة مُرابطة هنا وهناك. وأنا أطالب من ها هنا بإغلاق كليات الطب هذا الموسم 2015-2016 ولن يتضرر المغرب بتاتا من عدم تخرج طلبة في نهاية السنة. الناس يموتون في المغرب المنسي، وفي المغرب النافع، كل يوم وكل عام مع تخرج كل فوج من طلبة الطب وهناك أوغاد يرقصون على جثثهم. يجب فتح امتحان جديد لاجتياز مباريات ولوج كليات الطب، امتحان يتوخى العدل والإنصاف وفقا لمبادئ الدستور. فامتحانات اليوم تضع شروطا غير دستورية لأنها تسن التمييز بين المغاربة. فأن نضع لاجتياز مباراة الولوج سقفا بهلوانيا لمعدل النجاح في الباكلوريا، فإننا نُقصي سبعين في المائة من أبناء الوطن. حين نفرض معدل 18/20 مثلا أو حتى 16 للقبول باجتياز مباريات كليات الطب وغيرها نكون قد منحنا فقط الفرصة لأبناء التعليم الخصوصي حيث النقط صاروخية بدون وازع ولا أحقية علمية. لذلك، واحتراما للدستور يجب إقرار القبول في المباريات باعتماد فقط معدل الامتحان الوطني للباكلوريا أو اعتماد معدل خاص بالعمومي ومعدل أعلى خاص بالخصوصي. فنفرض مثلا على تلاميذ باكلوريا الوافدين من التعليم العمومي معدل 15/20 وعلى تلاميذ الخصوصي 17/20. ومثلما نجد مثلا معاهد ومدارس التجارة والاقتصاد تفرض معدل 16 على كل طالب من تخصصات علمية مختلفة فهي تفرض فقط معدل 14 أو 13على من حصل على باكلوريا علوم اقتصادية. وهو نفس ما تطبقه المسالك التكنولوجية. وإذا شئنا الإنصاف، ومثلما عملنا في موضة كوطا المرأة، يجب إقرار كوطا خاصة بأبناء العالم القروي وذوي الاحتياجات الخاصة في امتحانات كليات الطب وفي غيرها من المدارس العليا. مبدأ التمييز الإيجابي يجب أن يطبق على كل أطياف الشعب وليس فقط على المرأة وحدها، أو يجب إلغاء مبدإ الكوطا من أساسه. يجب على كل الوزارات أن تعمل بمبدإ التمييز الإيجابي باتجاه إفادة المغرب المنسي. على الحكومة والأجهزة السرية والعلنية في هذا البلد أن تخصص كوطا للمغرب غير النافع الذي مازال يعيش فينا وبِنا ومنا، مهما كذبنا في المحاضرات والندوات ومن على شاشات التلفزة وميكرفونات الإذاعة. في المغرب المنسي يعيش بشر يشبهون طلبتنا الأطباء، وفي المغرب المقهور يعمل موظفون في أسلاك التعليم والسلطات المحلية والقوات المسلحة والدرك والأمن والقوات المساعدة والوقاية المدنية والجماعات المحلية والفلاحة والضريبة والصناعة التقليدية والثقافة والشبيبة. فهل كل هذا الشعب أقل شأنا من هؤلاء الأطفال الطلبة المدللين. لقد قضيتُ شخصيا سبع سنوات في المغرب المنسي بعد أن كنت حظيت "بترقية تأديبية"، فقضيت هناك أحلى أيام عمري كان فيها كل الأطباء عائلتي ورجال التعليم صحبتي والتجار والعسكر أحبائي وكل السكان عشيرتي. وهناك عشنا قصة طبيب شاب مدلل ظل والده يحاول جاهدا دفع الرشاوي لتنقيله إلى "المدينة" وهو ما توصل إليه لاحقا بعد تعديل حكومي وتغيير وزير الصحة (سنة 2002 أظن)، لكن الطبيب الشاب رفض بكل رجولة وعنفوان الانتقال من سِحر المغرب المهمش إلى صخب حمرية، فبقي هناك بضع سنين قصيرة إلى أن ذهب لمتابعة دراساته في تخصص طب العظام. يحفظه الله. تحية تضامنية *باحث أثري (الجديدة : 30 أكتوبر 2015)