الأولويات البيئية: النفايات والتلوث الصناعي ومياه الصرف استطلاع «أفد» حول أنماط الاستهلاك في البلدان العربية يعتبر 51 في المائة من المغاربة المشاركين في استطلاع إقليمي أن وضع البيئة في المغرب تراجع خلال السنوات العشر الأخيرة، فيما يرى 35 في المائة أنه تحسن و14 في المائة أنه بقي على حاله. وأبدى 82 في المائة استعدادهم لتغيير عاداتهم الغذائية و70 في المئة لدفع أسعار أعلى للمياه والكهرباء، إذا كان هذا يساهم في ترشيد الاستهلاك ورعاية البيئة. في حين وجد معظم المغاربة أن التحديات البيئية الثلاث الأولى تتمثل في النفايات والتلوث الصناعي ومعالجة مياه الصرف العادمة. هذه بعض النتائج الخاصة بالمغرب التي أظهرها استطلاع للرأي العام العربي أجراه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) في 22 بلدا عربيا، وستعلن نتائجه قريبا ضمن التقرير الذي يطلقه «أفد» في مؤتمره السنوي الثامن، خلال انعقاده في بيروت في 16-17 نوفمبر القادم. وكانت «بيان اليوم» قد شاركت في تعميم الاستطلاع خلال إجرائه عبر الإنترنت خلال فترة ستة شهور الماضية. الأرقام المغربية تتوافق بشكل عام مع النتائج الإقليمية للاستطلاع، الذي أظهر أن الجمهور العربي مستعد لأن يدفع أكثر مقابل الحصول على الخدمات وأن يدخل تغييرات في أنماط الاستهلاك، إذا كان ذلك سيساعد في الحفاظ على الموارد وحماية البيئة. لكن حسن نيات الجمهور وأمنياته، كما يتبين في نتائج الاستطلاع، لا يكفي، لأن تحويل التغيير إلى أفعال يتطلب من الحكومات تهيئة الظروف الممكِّنة الملائمة. ولئن يكن وعي الجمهور وتثقيفه أداتين مهمتين لإثبات منافع الاستهلاك المستدام على صحة الإنسان ورفاهيته، فلا مفر من الأنظمة والحوافز لتحويل النيات إلى أفعال. على سبيل المثال، لا يتوقع من الجمهور أن يقتصد بالطاقة والمياه على نطاق واسع ما دامت الأسعار مدعومة إلى حد كبير. ولن يتم نشر الطاقة المتجددة على نطاق واسع ما دامت أشكال الوقود التقليدية تباع بجزء من سعرها الحقيقي في السوق. وكذلك، لن يكون التخلص التدريجي من الدعم مقبولا ما لم ترافقه فوائد اقتصادية واجتماعية مباشرة، خصوصا خلق فرص عمل، وتوفير التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى تأمين مستويات دخل ومعاشات تقاعد لائقة. وعندما تقبل غالبية عظمى من الجمهور العربي نسبتها 84 في المائة أن تأكل سمكا أكثر من اللحم الأحمر، وهذا أفضل للبيئة وللصحة أيضاً، تبقى الحقيقة أن النيات الحسنة لا يمكن تحويلها أفعالا ما لم يتوافر السمك بكميات كافية وبأسعار يتحملها الجميع. وضع البيئة من بين 31.000 شخص شملهم استطلاع «الاستهلاك المستدام»، أشار 72 في المائة إلى أن حالة البيئة في بلدانهم ازدادت سوءا خلال السنين العشر الماضية. هذا يشكل زيادة كبيرة نسبتها 20 في المائة على التصنيف السلبي في استطلاع أجرته مجلة «البيئة والتنمية» عام 2006، الذي بلغ حينذاك 60 في المائة. ومن الجدير ذكره أن نتائج العام 2006 أظهرت تحسنا كبيرا عن استطلاع مشابه في العام 2000، عندما قال 85 في المائة إن حالة البيئة ازدادت سوءا. هذا يعني أن ما اعتبره الجمهور العربي كسبا للبيئة بين 2000 و2006 تلاشى بين 2006 و2015. وسجل أكبر هبوط في الثقة في البلدان التي شهدت حروبا ونزاعات. وتقدم تونس مثالا بارزا، إذ سجلت عام 2006 أعلى نسبة من الأشخاص الذين اعتقدوا أن البيئة أصبحت أفضل (54 في المائة)، في حين هبطت هذه النسبة سنة 2015 إلى 4 في المائة فقط، واعتبر 84 في المائة أن حالة البيئة ازدادت سوءا، وقال 12 في المائة إنها لم تتغير. وفي المغرب قال 51 في المائة من المشاركين أن وضع البيئة تراجع خلال 10 سنوات فيما رأى 35 في المائة أنه تحسن. ورأى ما معدله 82 في المائة في أنحاء المنطقة العربية أن الحكومات لم تفعل ما يكفي للتصدي للتحديات البيئية. هذه النسبة سجلت في المغرب مستوى أقل من المعدل الإقليمي وصل إلى 59 في المائة. وكانت غالبية الأشخاص المستاءين في لبنان وفلسطين والسودان (أكثر من 90 في المائة في هذه البلدان الثلاثة). تصدرت إدارة النفايات الصلبة وازدحام حركة السير وعدم كفاءة استعمال المياه والطاقة التحديات البيئية، وتلاها التلوث الصناعي ونوعية الهواء والتخلص من مياه الصرف وسلامة الغذاء. وفيما بقيت الأولويات العشر الأولى على حالها سنة 2015 كما كانت في 2006، كان لافتاً انتقال ازدحام حركة السير من الترتيب 11 إلى الترتيب 2، ما يعكس تعاظم خطورة اكتظاظ الطرق وبؤس نظم النقل العام في المنطقة العربية. وجاءت أولويات المغرب كما يلي: النفايات، التلوث الصناعي، مياه الصرف العادمة. وفي حين قال 92 في المائة من المشاركين في الاستطلاع من المغرب أن تغير المناخ يشكل تهديداً حقيقياً لبلدانهم، لم يتجاوز المعدل الإقليمي 88 في المائة. وهذا يمثل زيادة 5 في المائة على أولئك الذين أجابوا على نحو مماثل عام 2006. ولعل الأحوال المناخية القاسية التي شهدتها بعض أجزاء المنطقة خلال السنوات الماضية، بما في ذلك الإعصار «جونو» في عمان والعواصف المطرية القوية المتكررة في غير أوانها في بلدان الخليج وموجات الجفاف الطويلة في أجزاء أخرى، شكلت أسبابا رئيسية لهذا التحول في الآراء. كما أن الدليل العلمي الأقوى والوعي البيئي الأفضل حول تغير المناخ ساهما في هذه النتيجة. أنماط الاستهلاك أظهر الاستطلاع مستويات مقبولة من الوعي الجماهيري على المستوى الإقليمي لأمور بيئية تتعلق بأنماط الاستهلاك. وفي حين يدرك 72 في المائة من المجيبين أن المنطقة هي الأفقر بالموارد المائية في العالم، يعلم 77 في المائة أن مستوى استهلاك المياه والطاقة في بعض البلدان العربية هو من بين الأعلى. وعند الطلب من المشاركين تحديد السبب الرئيسي لارتفاع استهلاك المياه والطاقة على المستوى المنزلي، عزت غالبية بنسبة 46 في المائة السلوك المهدر إلى قلة الوعي. وألقى 6 في المائة فقط اللوم على دعم الأسعار، حيث أتت النسبة الأعلى بالمقارنة مع المعدل الإقليمي من عُمان والإمارات والكويت (46 و19 و18 في المائة على التوالي). وهذا يمكن تفسيره بما شهدته البلدان الثلاثة من نقاشات حامية حول المسألة خلال العامين الماضيين، حيث أيد المسؤولون التخلص التدريجي من الدعم. وأتى أقوى بيان ضد الدعم من وزير النفط والغاز العُماني، الذي أعلن عام 2013 أن «ما يدمرنا حقا في الوقت الحاضر هو الدعم. علينا ببساطة أن نرفع سعر البترول والكهرباء». وفي المغرب وضع 65 في المائة من الناس اللوم على قلة الوعي و4 في المائة على دعم الأسعار و4 في المائة على أحوال الطقس، فيما اعتبر 27 في المائة أن الهدر في استهلاك المياه والطاقة يعود إلى كل هذه الأسباب مجتمعة. مثال آخر على أن المواقف والتدابير الرسمية تساعد في تشكيل الرأي العام هو أن 85 في المائة من المجيبين قالوا إنهم يستعملون مصابيح مقتصدة بالطاقة، في حين يستعمل 45 في المائة فقط أجهزة مقتصدة بالمياه في المنزل. هذه نتيجة برامج مكثفة جعلت المصابيح الاقتصادية متوافرة وسهلة المنال في الأسواق، بما في ذلك توزيعها مجاناً في بلدان مثل مصر والمغرب ولبنان والإمارات، مقارنة مع دعم هزيل لتسويق الأجهزة المقتصدة بالمياه. وفي المغرب قال 84 في المائة أنهم يستخدمون مصابيح مقتصدة بالطاقة و53 في المائة أجهزة مقتصدة للمياه. ومن باب المتابعة، سُئل المشاركون عما إذا كانوا على استعداد لأن يدفعوا أكثر مقابل الحصول على المياه والكهرباء والوقود، إذا ساهم ذلك في استخدام أكثر استدامة للموارد الطبيعية. السؤال جعل الاقتراح مشروطا بتعويض ارتفاع الأسعار (نتيجة التخلص التدريجي من الدعم) من خلال تقديم فوائد مباشرة تشمل رفع الرواتب وتحسين فرص العمل والتعليم والضمان الصحي ومعاشات التقاعد. وافق 77 في المائة على المستوى الإقليمي (70 في المائة في المغرب) أن يدفعوا أكثر عندما يكون ذلك جزءا من رزمة، مقارنة مع 6 في المائة فقط نسبوا الهدر في استعمال المياه والطاقة إلى الدعم. هذا يمثل إشارة واضحة إلى أن الناس يقبلون التغيير عندما يكون رزمة مدعومة بالشروط التمكينية الصحيحة، بما فيها الحوافز المناسبة. كانت الكفاءة الدافع الأول لمعظم المجيبين على المستوى الإقليمي (42 في المائة) عند شراء سيارة أو جهاز كهربائي، ما يعكس مزيدا من الاهتمام بتوفير الطاقة. وأعقبتها العلامة التجارية ثم السعر. وكان الاقتصاد في الوقود والكهرباء أقل أهمية في البلدان التي تشهد دعماً كبيرا للأسعار، حيث بلغ نسبة منخفضة لا تتعدى 16 في المائة في قطر، مقارنة بنسبة مرتفعة مقدارها 72 في المائة في الأردن. وتجدر الإشارة إلى أن الأردن كان رائدا إقليميا في ترويج السيارات الهجينة (هايبريد) والمقتصدة بالوقود، من خلال توفير برنامج للتخفيض الضريبي. في المغرب كانت الكفاءة العامل الأول في اختيار السيارة (54 في المائة) بينما حصد السعر 25 في المائة والطراز والحجم 21 في المائة. كشف الاستطلاع أن نسبة متساوية من المجيبين استعملت السيارات الخاصة والنقل العام كوسيلتين رئيسيتين للتنقل (47 في المائة لكل منهما)، فيما ال6 في المائة المتبقية تستعمل الدراجات النارية والدراجات الهوائية. الاستعمال المكثف للسيارات الخاصة في بلدان مجلس التعاون الخليجي (89 في المائة في المتوسط) يفسره ارتفاع مستويات الدخل وأسعار الوقود المنخفضة جدا والافتقار إلى نظم حديثة للنقل العام. واقتصر استخدام السيارة الخاصة في المغرب على 23 في المائة. وكان لبنان استثناء بالنسبة إلى بقية البلدان العربية، حيث 72 في المائة يستعملون السيارات الخاصة، وهذه نسبة مذهلة تعكس تخلف نظم النقل العام. وفيما 82 في المائة من المجيبين على المستوى الإقليمي وافقوا على التشارك بسيارة شخصية مع آخرين للذهاب إلى العمل، فإن تحقيق خطة من هذا النوع على نطاق واسع قد لا يكون ممكنا إلا إذا دعمتها برامج للمشاركة في السيارات تخصص أماكن عامة في مواقع استراتيجية لالتقاء السائقين وتشارك السيارات. أفاد معظم المشاركين (89 في المائة) أنهم يدركون أن البلدان العربية تستورد نصف المنتجات الغذائية الأساسية التي تستهلكها، وفضل 88 في المائة الغذاء المنتج محليا على الغذاء المستورد (96 في المائة في المغرب). وأظهرت وتيرة استهلاك المأكولات السريعة أنماطاً معتدلة ، إذ يشتريها 61 في المائة مرة إلى خمس مرات في الشهر، و21 في المائة لا يتناولونها على الإطلاق. واقتصرت نسبة الذين يشترون مأكولات سريعة أكثر من 6 مرات في الشهر على 18 في المائة. شكلت كلفة الغذاء الجزء الأكبر من دخل الأسرة، بالمقارنة مع المياه والطاقة، إذ بلغت أكثر من 10 في المائة لدى 62 في المائة من المجيبين. وفي المقابل، أنفق 4 في المائة فقط أكثر من 10 في المائة من دخل الأسرة على المياه والكهرباء. تغيير العادات الغذائية قضية جوهرية، تنطوي على قيم وتقاليد اجتماعية وثقافية معقدة. وقد تمنع موارد المياه المتضائلة البلدان من إنتاج كمية كافية من محصول تقليدي، مثل الأرز، لسكان يزداد عددهم باستمرار. وهذا ينطبق أيضا على اللحم الأحمر، حيث تربية الماشية نشاط كثيف الاستهلاك للمياه. وبالإضافة إلى ذلك، تنتج الأبقار بشكل خاص مستوى مرتفعا من غازات الدفيئة، ما يزيد حدة تغير المناخ. فهل الناس على استعداد للتحول إلى منتجات أخرى تستهلك كميات أقل من المياه وتكون أكثر رأفة بالبيئة، مثل أصناف بديلة من الحبوب والأسماك والدجاج؟ إذا كان تغيير العادات الغذائية سيحمي البيئة، فإن 84 في المائة من المشاركين في الاستطلاع (82 في المائة في المغرب) على استعداد للمضي فيه، في حين أن غالبية نسبتها 99 في المائة (97 في المائة في المغرب) تمضي فيه إذا كان سيحمي صحتها، مثل مكافحة البدانة والسكري والدهون في الدم. وباعتبار أن ما هو أفضل للصحة هو أفضل للبيئة، كما تظهر معظم الحالات، فإن النتائج قد تشير إلى أن مقاربة جيدة لترويج تغيير إيجابي في أنماط استهلاك الغذاء هي التركيز أكثر على الفوائد الصحية، لأن إدراكها أسهل على الجمهور. الاستنتاج الرئيسي لاستطلاع الرأي العام الذي أجراه «أفد» حول أنماط الاستهلاك المستدام هو أن الجمهور العربي على استعداد لتبني وتنفيذ تغييرات عميقة في طريقة استهلاك المياه والطاقة والغذاء، شرط أن يتلازم هذا التحول مع شروط وحوافز ممكِّنة ملائمة. ولا يمكن ترويج منتجات وممارسات بديلة إلا من خلال تدابير تجعلها متاحة وسهلة المنال بأسعار تنافسية. (*) الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية والمحرر المشارك لتقرير «أفد».