تطرق جلالة الملك، في خطاب 20 غشت الأخير، إلى عمل اللجنة الاستشارية للجهوية، مؤكدا أن الرهانات الوحدوية والديمقراطية والتنموية لمشروع الجهوية المتقدمة، تجعل التصور المقرر أن يفضي إليه عمل اللجنة، يعتبر «منطلقا لمسار شاق وطويل ...»، ما يتطلب العمل الجاد على أربعة مستويات من بينها دعوة جلالة الملك إلى «المساهمة الفعالة للأحزاب الوطنية الجادة، في إعداد وتأطير نخب مؤهلة لحسن تدبير الشأن الجهوي». النداء الملكي يطرح للتفكير موضوع النخب الحزبية والسياسية في بلادنا، وذلك بعيدا عن كل الشعبويات الفارغة، والكلام الأجوف. ليس فقط البناء الجهوي وما سيطرحه من تحديات في المستقبل، إنما أيضا تحديات تعزيز الديمقراطية والتحديث في المجتمع، كل هذا يفرض اليوم الاهتمام بموضوع نخبنا السياسية والحزبية، والسعي إلى تحليلها، وفهم نمط إنتاجها وأيضا تداولها والمنطق الاجتماعي والسياسي لسلوكها ولمطالبها ومواقفها. تقوية الأحزاب الوطنية الجادة يمر أيضا عبر إعادة الاعتبار لنخبها وأطرها المناضلة في الجهات وفي العاصمة، وجعل هذه النخب المناضلة والمكونة وذات التجربة والخبرة تستثمر كفاءاتها في خدمة بلادها، وهذا ما سيجعل الآخرين أيضا يثقون في جدوى العمل السياسي. لم يعد من المقبول اليوم حرمان عدد من الكفاءات المغربية عالية المستوى من التعيين في مسؤوليات عالية، برغم كل ما راكمته من خبرات، فقط لأن لديها انتماء سياسي واضح، وفي نفس الوقت نطالب الأحزاب بالانفتاح على أطر تقنية وعلمية وجرها لدائرة العمل السياسي الوطني المنظم، بل لقد صار من «الموضة» اليوم انتقاد الأحزاب لكونها لا تستطيع استقطاب النخب التقنية والعلمية إلى صفوفها.. اليوم، عندما يوجه عاهل البلاد النداء إلى هذه الأحزاب من أجل أن تساهم في إعداد وتأطير نخب مؤهلة، فالجميع يجب أن يدرك مغزى الإشارة ومعناها. المعنى الأول، أهمية الأحزاب في كل بناء ديمقراطي، وبالتالي استحالة الاستغناء عنها. المعنى الثاني، النخب السياسية جهويا ووطنيا تنتجها وتعدها الأحزاب وهي التي ترعاها بالتأطير ويجب دعمها بشأن ذلك. المعنى الثالث، ضرورة استثمار خبرات ومهارات مثل هذه الكفاءات الحزبية للنهوض بشؤون البلاد محليا وجهويا ووطنيا. طيلة تاريخ بعض أحزابنا «الوطنية الجادة» برزت من بين صفوفها كفاءات تحولت لاحقا إلى نخب وطنية معروفة، وفي فروعها يوجد مناضلون باتوا لوحدهم مدارس في التضحية وفي القدرة على التسيير وعلى تقديم الخبرة والاستشارة والحلول لمشاكل مناطقهم وقضايا أهلها... هؤلاء يجب رد الاعتبار لهم، واستثمار نضاليتهم ووطنيتهم لخدمة الإصلاحات الكبرى في البلاد.