مع إنجازي الفقرة الأخيرة في هذا المقال يكون موعد نهاية العالم قد أزف نهائيا! وفق تقرير خبري تداولته الصحف البريطانية والأميركية، وهو كما يبدو وفقا للحساسية الصحفية من الأهمية بتأثير حيث اختارته صحيفة ليبرالية مثل الغارديان البريطانية ليكون من بين أخبارها الرئيسية على الموقع الإلكتروني. أهمية الخبر تأسست على تحذير منظمة مسيحية بأن العالم سيدمر في السابع من أكتوبر الحالي بعد أن نجا كوكب الأرض من "القمر الدموي" الذي شهدناه في نهاية سبتمبر الماضي في ظاهرة فلكية جلبت الاهتمام وفقا للتفسير الفيزيائي وليس الأسطوري أو الديني. وإذا كان تحذير مثل هذه المنظمة المسيحية يملك من الأهمية قدرا مثلما أعطته وسائل الإعلام مساحة شغلت القراء، فلن تكون ثمة مساحة لهذا المقال ولا من يقرأه لأننا وفق الافتراض الخرافي قد متنا جميعا يوم الأربعاء الماضي! وبطبيعة الحال يأخذ الخبر تداعيات واستطرادات وفق ما يحدد أهميته المحرر، فيعود مذكرا بأن هناك موعدا سابقا في 21 مايو 2011 تحدث عن نهاية العالم ولم يتحقق. ويأخذ على محمل الجد تصريح أحد أعضاء تلك المنظمة المسيحية التي تتخذ من فيلادلفيا مقرا لها يؤكد فيه تأسيسا على الكتاب المقدس أن في مثل هذا الموعد سيكون الله قد تحدث وأنهى العالم إلى الأبد. وواقع الحال ليس الأهمية بما يقوله مثل هذا الرجل، لكن لماذا غاب سؤال الحساسية الصحفية، وهل وضع محرر هذا الخبر متنه تحت مجهره الصحفي، هل افترض كيف سيتقبله القراء، ما ردة فعلهم، ما أهمية أن تنشره الصحيفة، هل هو للتسلية مثلا أو للتهكم؟؟ الخبر يبقى خبرا بوحداته المتداولة منذ أن أطلق أول منادي المعلومة للجمهور بصوته في الأسواق والطرقات لتتأسس المفاهيم البدائية للصحافة، وسيكون الخبر منحازا إن تخلى عن مبدأ نقل المعلومة المجردة. وخبر نهاية العالم ليس منحازا، فالمحرر يدرك أن موعد المنظمة المسيحية حول نهاية العالم خارج حدود المنطق لأنها لا تمتلك القدرة والحدس لتحديد مثل هذا الموعد، إلا أن سؤالا عن أهمية نشره يبقى متداولا مع توفر حزمة من الأجوبة له لدى الصحيفة ومحللي مفاهيم الأخبار. لكن ماذا بشأن الخرافة؟ أليس من المثير أن تعود فكرة الخرافة للتداول وفي وسائل إعلام عالية المسؤولية بعد أن قضت عليها طبيعة تطور العقل البشري، هل بمقدور وسائل الإعلام تعاطي أخبار الخرافة كخبر نهاية العالم في السابع من أكتوبر، بوصفه مادة خبرية قابلة للتداول والتحليل. المثير في الأمر أننا سنجد كما هائلا من أخبار الخرافة الدينية والتاريخية وتداعياتها تسيّر وسائل الإعلام بشكل يفوق حدود المنطق البشري، أما وفق مصالح سياسية أو تجارية رائجة. تعول مثل هذه الصناعة الإخبارية على المقدس بوصفه غير قابل للدحض وتروج ما تشاء من أفكار وقصص تثير الخوف والضغائن بين فئة من الجمهور، وتجد سوقا تجاريا يدر عليها الأموال والإعلانات والتبرعات. فوسائل إعلام الخرافة الدينية تدار من قبل تجار دين يمتلكون الأموال بمعية رجال دين بلحى وعمائم وكوفيات، ويتجاوب معها جمهور يسأل ويتحرى عن أفكار وقصص تاريخية لا تدخل في حدود المنطق. وهذا يعني أن رسالة الخرافة قد وصلت بحدود ما بمجرد استجابة شريحة من الجمهور لها. من السهولة بمكان أن يعرض المتابع اليوم لحشد من المناسبات الدينية والتاريخية وقد تحولت إلى مهرجانات حاشدة للنحيب والاحتفال على حد سواء، تجعل منها وسائل إعلام قصة إخبارية رئيسية، تعرض وقائعها باعتبارها مقدسا دينيا وتاريخيا، ولا تناقش فكرتها وفق نقد عقلي واضح، لأن ثمة دافعا سياسيا أو ماليا وراء الترويج لها. مهمة صناعة الرأي منوطة بإعلام حساس بقيمه الإخبارية يهدف إلى حرية تبادل المعلومات بين الجمهور، إلا أن وجود إعلام يروج لفكرة تاريخية أو سياسية بهدف ما، قائمة أيضا للأسف، وبمجرد أن ينجح مثل هذا الإعلام بزراعة الخرافة في عقول فئة من الأميين أو غيرهم يكون قد أشاع خطابا مهمته العودة إلى التاريخ الميت، لأن الخرافة الإعلامية من بقايا التاريخ الصامت وليست لها عين على المستقبل.