للمرة الثانية يعود المطرب المغربي القدير فؤاد زبادي إلى بيروت، بعد أشهر من حفلته الأولى في قاعة «بيار ابو خاطر»، في أمسية فريدة ضمن «مهرجانات التنمية المدنية» وغنى نهاية الاسبوع الماضي أمام نخبة من عشاق الطرب تجمعت على مدرجات «أسواق بيروت»، مجموعة من روائع الراحل الكبير محمد عبد المطلب مطعمة ببعض أعمال كبار آخرين. فؤاد زبادي غنى بإمكانات تطريبية هائلة في الأمسية البيروتية المفتوحة على البحر، ويبدو أن مشهد بيروت أمامه، وهي تتلألأ بمساجدها وكنائسها المضاءة، وأبنيتها، المرمّم منها وتلك التي ما تزال تحمل آثار الحرب، فيما الجمهور الحاضر يستمع بشغف وحنين حيث الأيدي لم تكف عن التلويح مع كل نغمة طربية أو قفلة «حراقة» أو «موال». وكان لا بد من بدء الأمسية بإحدى أشهر أغنيات الراحل «رمضان جانا» التي ما يزال يرددها المصريون في هذا الشهر الفضيل بتطريبها الرصين الراقي في ابتهالات وعادات التحضير لاستقبال الشهر وغيره. وكانت جولة طويلة على أغنيات محمد عبد المطلب مثل «ساكن في حي السيدة» لحن المبدع محمد فوزي، «شفت حبيبي» من لحن الكبير رياض السنباطي. «ودع هواك وأنساه»، «الناس المغرمين»، «اسأل مرة علي» لحن الكبير سيد مكاوي، إضافة إلى أغنية «عدويه» أو «صياد رحت اصطاد صادوني» للراحل محمد رشدي ولم ينس محمد قنديل الذي غنى «ابو سمرة السكرة». وتكريماً للكبير وديع الصافي حين تمنى له طول العمر والصحة غنى له من الحان رياض البندك «يا عيني عالصبر»، ومن كارم محمود «على شط بحر الهوى» ورائعة زكريا احمد «يا حلاوة الدنيا». وقد لا نبالغ إن ذكرنا بانها ربما من اكثر الحفلات التي شهدت اكبر كم من الآهات، صدرت بشكل غير مسبوق من حناجر وقلوب تاقت إلى الطرب، الذي انتزعها أي الآهات بشكل لا إرادي من جمهور نوعي، «سمّيع»، يعرف ما معنى الانتقال من مقام «البيات» إلى «الصبا» على سبيل المثال ويعي تماماً صعوبة جملة غنائية تأتي من صوت مقتدر بكل سهولة وسلاسة وتقع موقعاً عميقاً في القلب. فكيف اذا كانت اغنيات محمد عبد المطلب التي نشأت عليها أجيال في العالم العربي ككل لا في مصر فحسب، هذا الفنان الفريد في اسلوبه اذ جمع الطرب الشعبي في شكل مبدع أخاذ، وكان زبادي من اكثر المتأثرين بهذا الراحل الكبير، وربما يعد، زبادي، اليوم أحد أقدر الأصوات في العالم العربي وأكثرها تمسكاً بتراث الموسيقى العربية. أثار زبادي عواصف من التشجيع والتصفيق مع كل اغنية، بل مع كل بداية ونهاية قفلة، مما زاد من «جرعات» السلطنة في اداء زبادي، ليزيد من كمية المواويل، حين الصوت كان كالعجينة المطواعة في يديه لا حدود لامتداده، نحو الجوابات، نحو القرارات، ولا صعوبات لديه في التحويلات و «التعريب» ولا يحيد عن المقام قيد انملة حتى في التفريد (الموال)، فيما قرارات صوت زبادي هي أيضا غير مألوفة لدى كبار المطربين، وفي هذا المعنى لم يعد زبادي مجرد مؤد دقيق وحقيقي، او سفير لأغنيات محمد عبد المطلب، وإن كانت خامة الصوت في البداية شبيهة او تذكرنا برمز من رموز الأغنية العربية، لكنه لا شك يأتي بالكثير من عنديّاته أثناء الغناء بمزيج من الجد والفكاهة والتطريب والصدق والتواضع، اي انه يسير على هذه المدرسة تماماً بكل عناصرها، مضيفاً بصمته، تاركاً وراءه هم الشهرة والنجومية، التي يضعهما مطرب اليوم في قمة أولوياته