ما يهمني كوزير هو مصلحة المرضى دعا وزير الصحة، حسين الوردي، الطلبة والأطباء إلى طاولة الحوار لمعالجة مختلف الإشكالات والأسئلة التي يطرحونها بشأن مسودة مشروع الخدمة الصحية الوطنية. وطمأن الوردي، خلال استضافته في برنامج «مناظرات»، الذي بتثه إذاعة «إم إف إم» بشراكة مع يومية «المساء» يوم الجمعة الماضي، المعنيين بأن جميع المضامين الواردة في مسودة المشروع قابلة للنقاش والتغيير، ومنها استثناء خريجي القطاع الخاص. وتوقف الوزير بإسهاب عند عدد من الملفات ومنها تحرير رأسمال المصحات، حيث أكد أن هذه الخطوة ستمكن من معالجة الخصاص على مستوى الخريطة الصحية. وقال الوردي إن لوبيات الأدوية أخطر من شركات الأسلحة و»كلينا العصا» لتحرير رأسمال المصحات.. أسوأ مكان يخافه المغاربة هو المستشفيات العمومية، بسبب سوء الخدمات والاختلالات التي تعرفها. ماذا فعلت كوزير لمعالجة هذه المشاكل؟ هذه حقيقة مرة أقر بها في البرلمان وأمام وسائل الإعلام، لكن الاعتراف ليس كافيا. الاختلالات والنقائص التي يعيشها قطاع الصحة تبقى بنيوية وهيكلية وعميقة ومتراكمة منذ الاستقلال، دون أن يعني ذلك أن الوزراء السابقين لم يفعلوا أي شيء، بل إنهم وضعوا برامج ومخططات نحن مستمرون في إعمالها غير أننا جئنا بأفكار وسياسة جديدة لتأهيل هذا القطاع. في مجال الصحة لا توجد دولة في العالم، بما فيها الولاياتالمتحدة، يمكن أن تقول بأنها حلت جميع المشاكل التي يعيشها المواطنون، وكل ما يمكن أن يتحدث عنه المسؤول أو الوزير هو تحسين الخدمات الصحية التي يجب أن يلمسها المواطن من خلال إجراءات تطبق على أرض الواقع. وبالتالي فهذا القطاع يجب أن يشتغل بإجراءات على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وأن نتوفر على استراتيجية توضح أين نوجد وماذا نريد، ناهيك عن توفير الإمكانيات اللازمة. أليس عيبا أن نرى تسجيلات مصورة لنساء في المدن المغربية يضعن مواليدهن أمام المستشفيات، فبالأحرى في المناطق النائية حيث تقضي النساء بسبب محاصرتهن بالثلوج وانقطاع الطرق؟ صحيح هذا عيب، فلا أحد يقبل أن تقع مثل هذه الحوادث في بلادنا، لكن يجب أن نقف عند الأسباب. قطاع الصحة قطاع أفقي، حيث يمكن أن تقضي سيدة حامل بسبب محاصرتها بالثلوج وانقطاع الطرق. طبعا أنا عضو في الحكومة، غير أنه لا يمكن أن يطلب من وزارة الصحة توفير الموارد البشرية والمستشفيات والأجهزة البيوطيبية، وأن تتكلف أيضا بالطرق والمروحيات وغيرها. أين هي التقائية السياسات العمومية؟ الوزير يجب أن يهتم بما هو استراتيجي وأيضا بالحالات المستعجلة التي تطرح. الوزراء يجتمعون وهناك تنسيق بين القطاعات، ومن ثم يتم وضع إجراءات عملية على أرض الواقع. صحيح أن الوزير يجب أن يضع الاستراتيجيات على المدى المتوسط والبعيد لكنه يجب أن يهتم أيضا ببعض الحالات من قبيل وفاة سيدة حامل، فهذه الأمور لن أقبلها، ويجب علي أن أبحث في الموضوع لأعرف الأسباب. هناك معضلة أساسية يشتكي منها المغاربة مرتبطة بالأمن الخاص في مداخل المستشفيات، الذين أصبحت لهم سلطة أكبر من الطبيب، بل هناك مرضى يشتكون من الابتزاز. هل لديك إجراءات لمعالجة هذه الإشكالية؟ هؤلاء ليسوا برجال أمن أو "بوليس"، بل مهمتهم هي الاستقبال وتوجيه المواطنين داخل المستشفيات. في كل مؤسسة صحية هناك دفتر تحملات، لكن الإشكال مرتبط بالبديل وليس فقط باتخاذ قرار إبعادهم عن المستشفيات. الأطباء الداخليون والمقيمون وعموم الأطباء يشتكون من الاعتداءات التي يتعرضون لها في المستعجلات، بل إنه يتم إتلاف الأجهزة البيوطبية مرتفعة التكلفة بشكل يومي. هؤلاء الأعوان مهامهم هي التوجيه وإرشاد المواطنين وليس تلقي الرشوة، غير أنه لا يجب التعميم فهناك الشرفاء والنزهاء، وإذا ضبطنا أي حالة نتعامل معها، إلى جانب تدقيق دفاتر التحملات ومعالجة جميع الاختلالات. ماذا فعلت كوزير لمحاربة الرشوة داخل لمستشفيات، خاصة أنه يمكنكم تثبيت كاميرات مراقبة في النقط التي يمكن أن يتم فيها ابتزاز المواطنين وأيضا وضع مسؤول أمني في الهيكل التنظيمي للمؤسسة الصحية؟ هذه الفكرة المتعلقة بالكاميرات بدأنا في تفعيلها، فقبل أن أصبح وزيرا تم تثبيت عدد منها في مستعجلات ابن رشد ولازالت تشتغل لحد الآن. كما بدأنا في بعض التجارب المماثلة كما هو الشأن بالنسبة لفاس ومراكش، إلا أن المغاربة يشتكون أولا من الشخص الذي يستقبلهم في بوابة المستشفى فبالأحرى من الوصول إلى قلب المؤسسة الصحية. ولا أخفيكم في هذا السياق بأنني ضد وجود رجال الأمن داخل المستشفيات. هناك أطباء متهمون بابتزاز المواطنين من خلال نقلهم إلى المصحات الخاصة. أليس هناك تراجع فيما يخص منع الأطباء من الاشتغال في القطاع الخاص؟ ليس هناك أي تراجع. في سنة 2013 صرحت بأن الحكومة اتخذت قرارا، باقتراح من وزارة الصحة، يتأسس على وقف فوضى الاشتغال في القطاع الخاص فورا على أساس تقنين الأمر. طبعا أؤكد بأن جل الأطباء شرفاء نزهاء، إذ أن عددا من العمليات النوعية قام بها أساتذة مغاربة. وبالتالي أوقفنا تلك الممارسة، وقمنا بعمليات 300 تفتيش للمصحات. ما هي نتائج عمليات التفتيش؟ هناك نتائج، لكن لا أحب أن أقوم بالتشهير. فقد تم إغلاق مجموعة من المصحات في تمارة ومكناس وأكادير. وكيف ترد على من يقول بأنكم لا تتخذون أي إجراء ضد المصحات "القوية"؟ القرارات التي اتخذت كانت بناء على عمليات التفتيش، ولا وجود لأي مصحة رصدنا فيها اختلالات ولم نتخذ في حقها الإجراءات الضرورية بسبب وجود لوبيات قوية. لقد قمنا بإغلاق مجموعة من المصحات وأوقفنا عددا من الأطباء، ومنهم من تعرض للطرد، غير أن هذه الفئة قليلة مقارنة مع النزهاء والشرفاء الذي يقودون هذه المهنة، والإجراءات تبقى صارمة. بالنسبة لنظام الزمن الكامل المعدل الخاص بالأساتذة الأطباء، فقد كان هناك نقاش طويل معهم إلى آخر اجتماع حضرته نقابة التعليم العالي والهيأة الوطنية للأطباء والطبيبات ونقابة القطاع الخاص والجمعية المغربية للمصحات الخاصة، وخلصنا إلى اتفاق توازيه عملية تتبع وإجراءات صارمة ضد المخالفين. غير أنه مع الأسف خرج بعض الإخوان، رغم التوقيع على الاتفاق من طرفي ومن طرف وزير التعليم العالي ونقابة التعليم العالي وهيأة الأطباء، ليطرحوا بعض الإشكالات الخاصة بهم. رغم ذلك فأنا متشبث بهذا الاتفاق، ومن خرج عن نطاق القانون فستتخذ في حقه الإجراءات اللازمة سواء فيما يتعلق بالمصحات أو الأطباء. هل صحيح أن بعض الأساتذة قدموا لك استقالتهم؟ الأساتذة تابعون لوزارة التعليم العالي، ولا يمكن أن يقدموا لي استقالتهم. بالحديث عن واقع المستشفيات، ما رأيك في من يقول إن الخدمات الصحية موجودة فقط في المناطق الكبرى؟ نحن نشتغل بتدرج، وأقول ذلك بوضوح للمغاربة. لا يوجد وزير يمكن أن يعالج في خمس سنوات مختلف المشاكل ويحدث المستشفيات في جميع المناطق، في حين أن هناك اختلالات عميقة منذ الاستقلال. جميع دول العالم، ومنها تركيا والبرازيل والمكسيك، تطلب تحقيق التغطية الصحية الشاملة لديها حوالي 25 سنة، وبالتالي لا يمكن أن يعول على الوردي وكأن لديه العصا السحرية. هل هذا يعني أن بطاقة راميد لا تصلح لشيء؟ أنا لا أتحدث عن راميد، بل عن التغطية الصحية الشاملة والفئات التي لا تتوفر عليها من قبيل الأطباء العاملين في القطاع الخاص والمحامين والصناع التقليديين والفلاحين. لكن لماذا تركزون الاستثمار في القطاع الصحي بالمناطق الكبرى؟ هذه الحكومة هي الأولى في المغرب منذ الاستقلال التي كانت لديها الشجاعة لإخراج القانون الذي يفتح الباب أمام غير الأطباء للاستثمار في المصحات، وذلك بعد أن تم تعميم نظام التغطية الصحية، ووضعنا السياسة الدوائية التي لم يكن المغرب يتوفر عليها والتي تضم تخفيض ثمن الأدوية، إلى جانب المخطط الوطني للطب الاستعجالي. وضعنا أيضا المخطط الوطني للصحة العقلية وتتذكرون عملية "كرامة"... "فمابقاتش فالشفوي"، لأن المغاربة يعرفون أنه كان هناك مواطنون معتقلون بالسلاسل. وفيما يخص البنيات التحتية، فقد قمنا بتشييد وتشغيل وتجهيز 74 مؤسسة صحية صغيرة وكبيرة، ووفرنا 1600 سريرا مع تشييد مستشفى متنقل لأول مرة في بلادنا. كما أن سياستنا شفافة وجريئة في تدبير الموارد البشرية، حيث اعتمدنا الجهوية ورفعنا من المناصب المالية، ناهيك عن اعتماد نظام الإجازة الماستر الدكتوراه الذي كان يطالب به الطلبة الممرضون، وتحولت معاهد تكوين الممرضين إلى معاهد للتكوين العالي غير تابعة للجامعات. وفيما يخص الممرضات والممرضين، فهناك أربعة قوانين داخل البرلمان تنظم المهنة علما أنه منذ الاستقلال لم تكن هذه الفئة تتوفر على قوانين خاصة. ماذا عن راميد؟ بالنسبة لهذا النظام، فإنه تم إنجاز عمليات جراحية نوعية تهم مرضى القلب وزرع القوقعة وزرع الكبد التي لم تكن تتم في المغرب، وإنجاز أكثر من 600 ألف من عمليات تصفية الدم، وزرع الأعضاء والكلي بدون أي مقابل بالنسبة للمرضى المتوفرين على "راميد". كما أنه لأول مرة في تاريخ المغرب قمنا بتصنيع دواء الالتهاب الكبدي "س"، الذي يصل سعره الأصلي لحوالي مليون درهما، وسيتم بيعه بأقل من 3000 درهما، بل إننا في إطار نقاش مع الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ليتم تعويض المؤمنين. المشكل اليوم ليس مرتبطا بعدد المتوفرين على بطاقة "راميد"، لكن في تحقيق توازن بين التغطية الصحية والعرض الصحي، ناهيك عن إشكالية تدبير النظام وغياب الفوترة. كما سبق أن أكدت فمشاكل الصحة هيكلية وبنيوية وعميقة، وليست مرتبطة بنظام "راميد". وعندما يكون جهاز "السكانير" معطلا فإنه لن يستفيد من خدمته أصحاب بطاقة "راميد" وأيضا باقي المرضى. إذن المشكل يرتبط باختلالات قطاع الصحة من موارد بشرية وبنيات وأجهزة، لكن الحلول تتمثل في توفير الحكومة لمليار درهم خاصة بالأجهزة ووضع مؤسسة مستقلة لتدبير "راميد"، التي تم المصادقة عليها في المجلس الإداري للوكالة الوطنية للتأمين الصحي، والنقطة الثالثة ترتبط بتوفير نظام معلوماتي لامركزي لتدبير الفوترة، وهو الأمر الذي بدأنا في إعماله في فاسووجدة و11 مؤسسة استشفائية عمومية. هل من المعقول أن يمنح أطباء وصفات مرتفعة التكلفة مقابل انخفاض استعمال الأدوية الجنيسة، مع ما يطرحه البعض من وجود علاقات مشبوهة بين بعض الأطباء وشركات صناعة الأدوية؟ أعتقد أن سبب تقديم أطباء لوصفات مرتفعة التكلفة لا يرتبط دائما بما تتحدثون عنه بشأن وجود لوبيات أو بعض الممارسات، لكن في الحقيقة هناك أطباء غير مقتنعين مع الأسف بالدواء الجنيس. أما بخصوص اللوبيات، فمنذ الاستقلال لم يستطع أحد الاقتراب من عدد من الملفات، بل أقول إن هذه اللوبيات أقوى من شركات الأسلحة. عندما طرح السؤال بشأن مدى رضاي عن نسبة تخفيض الأدوية قلت بأنني غير راض لأننا نستحق أكثر من ذلك، لكن هناك طرق مختلفة لمعالجة إشكالية أسعار الأدوية، علما أن هذه المختبرات تشغل 42 ألف من مهنيي القطاع. بيد أن ما يجب أن نعرفه اليوم هو أننا تجاوزنا 2000 دواء تم تخفيض سعره. لماذا لم تمنحوا الصيادلة حق استبدال الأدوية؟ نحن نمضي في معالجة مختلف الملفات، لكن حق الاستبدال ليس بالأمر السهل. أتذكر أن آخر اجتماع حول هذا الموضوع كان بكلية الطب والصيدلة بالدارالبيضاء، والذي حضره الصيادلة والأطباء، وكان هناك نقاش حاد. الأطباء الذين أخذوا الكلمة أكدوا أنهم ضد حق الاستبدال وبأنهم متشبثون بالوصفة التي تمنح للمريض. نحن نحاول تقريب وجهات النظر وشرح مختلف الأمور. قلت بأنك غير راض، لكن الحكومة احتفلت كثيرا بهذا الموضوع. أليس في ذلك تناقض؟ هناك دواء خاص بالسكري كان يباع ب 180 درهما وأصبح ب 84 درهما علما أنه يستعمل بشكل كبير، وهناك دواء خاص بالضغط الدموي انتقل من 139 درهما إلى 29 درهما، ولدي أمثلة كثيرة تؤكد أن الأدوية انخفضت على أرض الواقع. ماذا عن الصفقات العمومية لشراء الأدوية، حيث يمكن لوزارة الصحة أن تقتني دواء ب 4 دراهم في حين أنه يعرض في الصيدليات بحوالي 200 درهما؟ المختبرات لها أرباح، ولا يمكن أن تبيع الأدوية بنسبة تحمل خسارة. طبعا هذه الأمور ليست موجودة في المغرب لوحده، بل موجودة في فرنسا أيضا على سبيل المثال. لكن نسبة الفرق بين ثمن البيع لوزارة الصحة والبيع في الصيدلية تقدر أحيانا ب 2000 في المائة، أضف إلى ذلك أن هناك حديثا عن عدم اقتناء الوزارة للأدوية برسم سنة 2014. هل من توضيحات؟ الشق الأول من السؤال موجود، لكن بالنسبة لعدم اقتناء الوزارة للأدوية فهذا غير صحيح وإلا لما وجدت المؤسسات الصحية الأدوية التي تشتغل بها في سنة 2014. ألا تقر بأن ملف الصحة لا نملك فيه الإرادة، وبأن هناك أطرافا أخرى تملك القرار؟ بالعكس هناك إرادة الوزير والحكومة، بل إننا "كلينا العصا" في معالجة عدد من الملفات، ولو لم تكن هناك إرادة لما دخلنا في صراع مع المصنعين. نحن نريد الإصلاح الذي يساعد المواطنين، فمثلا قضية الاستثمار في المصحات الخاصة كان فيها النقاش و"العصا". هل هؤلاء هم تماسيح الاقتصاد؟ أنا أسمي الأشياء بمسمياتها، كما أننا لا نستسلم. نحن نقول الصراحة للمواطن، فرغم الإرادة والخدمات التي أصبحت واقعا لكن في نفس الآن تبقى هذه الإجراءات غير كافية. في 2010 و2009 وقبلها لم تكن وزارة الصحة تقتني أزيد من 675 مليون درهما من الأدوية، أما اليوم فوصلنا إلى 2 مليار درهما، بيد أن المواطن المغربي لا يرى الفرق. طبعا الإشكال ليس مرتبطا بتوفير الميزانيات، بل هناك إشكالات مرتبطة بالتدبير حتى إننا وجدنا أطنانا من الأدوية الفاسدة التي قمنا بإتلافها ب 12 مليون درهما. ليس هناك وزير يتوفر على عصا سحرية تمكنه من معالجة مختلف الإشكالات وتخفيض الأدوية وغيرها، لكننا نشتغل وأعتقد أن معالجة مختلف الاختلالات تتطلب بين 10 و15 سنة. هل ذهبتم نحو التدبير المفوض لقطاع الأدوية؟ لا، لم نتخذ أي قرار بشأن التدبير المفوض للقطاع. طبعا كانت لدي فكرة بشأن إمكانية تفويض عمليات نقل وتخزين الأدوية وقدمت عرضا حول الموضوع في البرلمان، لكننا لازلنا في مرحلة التفكير ونستشير مع البرلمانيين ومختلف المعنيين. فإذا كان الأمر مفيدا بالنسبة لبلادنا فهذا أمر جيد، أما إذا كنا سنفتح الباب أمام إشكالات جديدة فلا حاجة لنا بذلك. اليوم هناك تخوف كبير من مقترحك الرامي إلى إقرار الخدمة الصحية الوطنية. ما هي توضيحاتك حول هذا الموضوع المثير للجدل؟ مختلف دول العالم، ومنها تونسوفرنسا، لا تقوم بتوظيف جميع الأطباء المتخرجين من الكليات في المستشفيات العمومية. بيت القصيد هو أننا في حاجة إلى حوالي 17 ألف منصبا، لكنني أعرف بأن الحكومة لا يمكن أن توفر هذه المناصب ولم يسبق لوزارة أن حصلت عليها، ولهذا الغرض جاءت فكرة الخدمة الصحية الوطنية. في المغرب لدينا نقص حاد في الموارد البشرية، إذ نتوفر على 1،51 مهني الصحة لكل 1000 نسمة، في حين أن المنظمة العالمية للصحة تؤكد ضرورة توفر 2،5 على الأقل. لدينا إشكال آخر يرتبط بالتوزيع غير العادل لهذه الموارد، إذ يوجد 45 في المائة من الأطباء في محور الرباط – الدارالبيضاء، وهناك فقط 24 في المائة منهم في العالم القروي. الأمر يتعلق اليوم بمسودة وليس بمشروع قانون أو كما يقال بأنه سيتم تمريرها قريبا، بل إننا لم نتلق لحد الآن جواب النقابات والهيأة الوطنية للطبيبات والأطباء. بعض النقابات أعلنت رفضها لهذه المسودة. الرفض ليس حلا، وأنا أتناقش مع من يريد الحوار وهو ما وقع فيما يخص تحرير رأسمال المصحات. هذا مجرد اقتراح، وإلا فليغلقوا فمي! الاختلالات التي تحدثت عنها دفعتنا إلى التفكير في حل لهذه المعضلة المرتبطة بالموارد البشرية. اعتمدنا لهذا الغرض ثلاثة محاور أولها تركيز الجهود للرفع من المناصب المالية، فالحكومة تقوم بمجهود لكنه غير كاف. المحور الثاني يهم التجهيزات الطبية، إذ لا يعقل أن نوجه الأطباء إلى المناطق النائية فقط ب "الستيلو"، علما أن الطبيب المشتغل في العالم القروي لن يحتاج إلى جهاز السكانير، بل فقط بعض الأجهزة التي يتم اعتمادها للكشف عن الأمراض. ألن يسقطنا هذا المنطق في مقولة "الطبيب يمكن أن يعالج المريض بدون سكانير أو دواء" كما صرح بذلك رئيس الحكومة؟ لا لم أقل ذلك، فأنا طبيب وأعرف أن الذي يشتغل في المناطق القروية لابد أن يقوم بعدد من الإجراءات للكشف عما يعانيه المريض كأخذ دقات القلب وغيرها. قبل الذهاب إلى طرح هذه الفكرة الخاصة بالخدمة الوطنية، توجهت نحو رئيس الحكومة لمناقشة إشكالية الأجهزة البيوطبية في المناطق النائية، ووجدنا أنها ستكلف حوالي مليار درهما وهو ما استجاب له. بعد ذلك جاءت هذه الفكرة أو المقترح المتعلق بالخدمة المدنية، "ومازال مادرنا في الطاجين ما يتحرق". لكن لماذا استثنيتم الأطباء العسكريين وخريجي القطاع الخاص؟ جميع البنود الواردة في هذه المسودة الأولية يمكن مناقشتها، وإذا كان هناك بديل فأنا مستعد لاعتماده. هل أنت مستعد لاستقبال المعنيين ومناقشة مختلف النقط؟ نعم مستعد لذلك، وربما اليوم (الاثنين الماضي) سيكون هناك لقاء حول هذا الموضوع مع الطلبة. هذا يعني أن المشروع لن يخرج إلا بتوافق مع الطلبة والأطباء؟ بكل تأكيد لن يخرج إلا بتوافق معهم. وأعود هنا إلى مسألة استثناء الأطباء العسكريين لأقول بأنهم يخضعون لنظام خاص بهم، فلا يمكن أن أقوم بنقل طبيب عسكري معين في تزنيت مثلا إلى منطقة أخرى. وبشكل عام فالمسودة عبارة عن مجموعة من الأفكار، ولم يتم الحسم في أي شيء. إذا كانت هناك أفكار أخرى سنعتمدها، وإذا أراد الجميع أن نلغي هذا المشروع "غادي نحيدو باباه"، وليس هناك مشكل. أليس لي الحق في التعبير عن أفكار لحل معضلة الموارد البشرية؟ مزايا هذا المشروع هو أنه سيخلق تكافؤ الفرص، وهو ما لا يعرفه أبنائي الأطباء. اليوم يجب على الطبيب أن يقضي سنتين في المناطق القروية، لكن عند مرافقتي لصاحب الجلالة في منطقة تبعد عن ورزازات بحوالي 60 كلم، وجدت طبيبة شابة تتابع مرضى القصور الكلوي وقد قضت 5 سنوات، والسبب هو أن الأطباء يرفضون التوجه لتلك المنطقة. إذن تكافؤ الفرص هو أن يتم تعويض الأطباء الخاضعين للخدمة الإجبارية بشكل أوتوماتيكي في المناطق النائية، ولن تكون هناك المحسوبية. كما أنها ستوفر لهم تجربة وفرصة للعمل، وليس كما يقع اليوم حيث ينتظر الخريج الذي لا يتوفر على الإمكانيات لفتح عيادة، فرصة اجتياز المباريات ويمكث في بيته بدون أي مدخول. ماذا عن إشكالية الوضع المادي للطبيب، خاصة أنه يقضي زهاء تسع سنوات في الدراسة، في حين أن التحفيزات والأجور غير مغرية؟ تكوين طبيب عام يتطلب 8 سنوات و6 أشهر، ويتقاضى في بداية مشواره حوالي 10 آلاف درهما، ويمكن بعد ذلك أن يصل الأجر إلى 25 ألف درهما. كما أن الطالب يكلف الدولة سنويا 28 مليون درهما. أنا لست ضد التحفيزات، وإذا كان المشكل مرتبطا فقط بهذا الأمر فسأدافع عنه، لكن لا يمكن أن تثار مختلف الإشكاليات بعد طرحنا لفكرة الخدمة الوطنية، وهي اختلالات لم تطرح منذ الاستقلال. على كل، نحن لسنا ضد مناقشة مختلف الملفات، ولهذا أدعو المعنيين للجلوس إلى طاولة الحوار، ويمكن أن نشكل لجنة ثنائية تضم أيضا وزارة التعليم العالي لمناقشة المطالب المرتبطة بها. وهنا أدلي بمجموعة من الأرقام بشأن المباريات الجهوية التي نظمتها الوزارة، حيث فتحنا باب التباري حول 225 منصبا ماليا لفائدة المناطق النائية. المباراة الأولى نظمت يوم 31 غشت 2014، وبعد استدعائهم للالتحاق بعملهم في هذه المناطق لم يلتحق الجميع، وبقي لدينا 150 منصبا. في هذه المباراة أردنا توظيف 14 طبيبا في الحسيمة، غير أن 10 من الناجحين رفضوا الالتحاق بعملهم، وفي جهة كلميم - السمارة التحق طبيبان ورفض 17 طبيبا الالتحاق. في 18 يناير 2015 فتحنا مباراة أخرى للاستفادة من المناصب المتبقية، فوقع نفس الإشكال إذ التحق طبيبان بميدلت ولم يلتحق 7 منهم، وفي سوس ماسة التحق طبيب واحد وتخلف 20 طبيبا آخر، ووقعنا في نفس الإشكال حيث بقي لدينا 104 منصبا. هذا الأمر اضطرنا إلى مراسلة وزارة المالية للترخيص لنا لتحويل هذه المناصب إلى قطاع التمريض. أنا لست هنا في إطار الصراع، لكنني أطلب منهم فقط أن نجلس للنقاش ويجب أن نتعاون لأنه لا يمكن أن أطلب من الحكومة الرفع من عدد المناصب والحال أننا لم نستطع استكمال التوظيف في المناصب المتوفرة. من هذا المنبر أقول بأن هؤلاء الطلبة والأطباء هم أبنائي وأدعوهم مرة أخرى إلى طاولة الحوار، وجميع الأسئلة والاقتراحات والانتقادات والبدائل مرحب بها، وسنأخذ وقتنا الكافي لاعتماد المشروع في إطار من التوافق سواء كلف الأمر ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو أكثر، فأنا لست متسرعا لتمرير المشروع فقط لأنني وزير اليوم. ألا تؤسسون من خلال هذا المشروع لتجربة أساتذة سد الخصاص؟ لا يمكن تسمية هذه الفكرة بسد الخصاص. هؤلاء المواطنون الذي يقطنون في المناطق النائية والجبال هم مغاربة، ولا يمكن لكم أن تنتقدوا واقع قطاع الصحة وفي نفس الآن تعترضون على هذه الفكرة. ارتباطا بهذا الموضوع، هل فتح باب الاستثمار أمام غير الأطباء سيكون مرتبطا بالخصاص الوارد في الخريطة الصحية؟ هناك حوالي 68 في المائة من دول العالم تعتمد هذا النظام الذي له ميزتان. اليوم لدي بعض الطلبات على مكتبي، لكن لا يمكن أن أعالجها لأننا ننتظر المراسيم التطبيقية الموضوعة لدى الأمانة العامة للحكومة. هذا النظام سيمكننا من تطوير وتعزيز الخدمات الصحية خاصة في المناطق النائية. هل سيتوجه هؤلاء المستثمرون نحو المناطق النائية؟ لدينا خريطة صحية، ولن تكون هناك فوضى. أيضا ستكون هناك تنافسية وهو ما سيحقق الجودة وانخفاض أسعار الخدمات الصحية، إلى جانب توفير فرص الشغل. هذه المصحات ستكون مجبرة على إشهار أسماء الأطباء والأسعار وما إذا كانت تعتمد التغطية الصحية الإجبارية، إلى جانب أن فتح الاستثمار لغير الأطباء سيحقق الجاذبية لبلادنا. فيما يخص الأطباء الذين أبدوا تخوفهم من تدخل أصحاب رؤوس الأموال في عملهم، فقد أكد القانون على أن مدير المصحة يجب أن يكون طبيبا وتم التنصيص على وضع لجنة طبية للمصحة التي تضم الأطباء فقط لاتخاذ القرارات التي تهم عملهم، وأيضا لجنة الأخلاقيات التي تضم الأطباء والممرضين فقط، إلى جانب لجنة التدبير. وبالتالي حاولنا التمييز بين العمل الطبي الذي سيبقى حكرا بيد الأطباء، وبين المستثمرين والمدبرين. هناك شركات للتأمين قامت بعمليات شراء للمصحات خارج القانون، أليس كذلك؟ هذا غير صحيح. فقد توصلت بمراسلات من طرف بعض الأطباء، ولما قمنا بالبحث رفقة الهيأة الوطنية للطبيبات والأطباء اكتشفنا أنه تم شراؤها بالفعل لكن من طرف أطباء مغاربة وليس من طرف شركات التأمين. أما إذا كان هناك طبيب قام بعملية الشراء ولديه عقد سري مع طرف آخر فليتحمل مسؤوليته. ما هو متوفر لدي هو أن الشراء تم من طرف طبيب وهذا من حقه. ماذا عن مصحات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟ ما يهمني كوزير هو مصلحة المرضى، إذ لا يمكن لي، رغم وجود القانون، أن أغلق تلك المصحات ويتم طرد هؤلاء المرضى. أليس قرار فتح باب الاستثمار في المصحات أمام المستثمرين غير الأطباء بداية لخوصصة للقطاع؟ ليست هناك أي خوصصة. القطاع العام سيظل يقدم خدماته وقد قام جلالة الملك مؤخرا بإعطاء انطلاقة أشغال بناء مستشفى جامعي بمدينة طنجة. كما قمنا بتوفير 1600 سريرا إضافيا وبناء 74 مؤسسة صحية وتوفير مليار درهما لشراء الأجهزة البيوطبية. أما بخصوص فتح باب الاستثمار أمام غير الأطباء، فيجب أن أؤكد بأن المصحات هي خاصة في الأصل لكن نريد تنظيم هذا القطاع لندبر الأمر حسب الخصاص الوارد في الخريطة الصحية. مثلا من يريد أن يشيد في الدارالبيضاء مصحة كبيرة متخصصة في إنعاش الخدج والأطفال حديثي الولادة فسأقبل رأسه. هل المستثمر هو الذي سيحدد المنطقة التي يريد أن يشيد فيها المصحة أم أن الوزارة ستكون متوفرة على خريطة صحية توضح الخصاص بناء على دراسة الجدوى؟ ستكون هناك دراسة، لكن الخريطة الصحية لا تهم فقط ما هو جغرافي بل أيضا ما يهم الخصاص في قطاعات معينة. من أبرز القرارات التي اتخذتها كانت عملية "كرامة". كيف ترد على من يقول بأن الوزارة أخرجت المرضى العقليين من بويا عمر وقامت بتشريدهم؟ من يقول ذلك كان عليه أن يزور بويا عمر. لما شاهدت هؤلاء المرضى بكيت، وربما كانت المرة الثانية التي أبكي فيها بعد وفاة والدي. هناك مواطن مغربي ظل محتجزا لمدة 30 سنة بالسلاسل وداخل براكة، ناهيك عن سوء المعاملة وتعريضهم للضرب والتجويع، بل إن بعضهم توفوا بسبب الظروف التي كانوا يعيشون فيها. طبعا نحن نعلن حالات الوفيات، في حين أنه في بويا عمر كان الأمر يمر بشكل سري. غير أنني أقول بأن الصحة العقلية والنفسية لم تكن ضمن أولويات الوزارة منذ الاستقلال. ما يعاب على عملية "كرامة" هو استقبال المرضى في بنيات غير مؤهلة، وبالتالي كان مصيرهم التشرد. أنفي نفيا قاطعا هذا الأمر، بل إنني أتابع بشكل شخصي وضعية هؤلاء المرضى. كما أن أي مريض يتم إخراجه من المستشفى يكون ذلك بطلب من عائلته. غير أنه كلما شوهد أحد المرضى في الشارع فإنه يتم الحديث عن عملية "كرامة"، بل إن أحدهم قام بعملية قتل فقالوا بأنه كان نزيلا في بويا عمر. لا أدري إن كان من يروجون لهذه الإشاعات لا يحبون بلدهم، أم أنهم لا يريدوننا أن نعالج أي ملف. هؤلاء المرضى يأخذون أدويتهم وقمنا بتوظيف، لفائدتهم، مجموعة من الأطباء الأخصائيين في الصحة النفسية، إلى جانب مجموعة من الممرضين، ورفعنا من ميزانية الأدوية لتصل إلى 2.5 في المائة من ميزانية الوزارة. كما أننا قمنا بإصدار القانون الخاص بالصحة العقلية ولم يسبق لأي وزارة أن قامت بتغييره، وهو النص الذي بني على مبادئ حقوق الإنسان ويؤسس لوضع لجنة وطنية ولجان جهوية لمراقبة المستشفيات، ويعالج مسألة الاستشفاء الإرادي واللاإرادي، وأيضا عمل وكلاء جلالة الملك. في المحصلة، لقد قمنا عقب عملية كرامة بإدخال 822 مواطنا مغربيا، كانوا يحتضرون ويعانون من الاحتجاز بالسلاسل في بويا عمر، إلى المستشفيات. ماذا عن باقي الأضرحة؟ اجتماعي في بويا عمر لتأهيل المحتضنين. لماذا لم تتحرك الحكومة التي ترأس النيابة العامة فيما يخص الجرائم التي كانت تقع في بويا عمر؟ هل تريدون أن أكون وزيرا وقاضيا في الآن ذاته؟ لقد كان هناك نقاش مع الوالي والبرلمانيين ومسؤولي الأمن ووكيل الملك، والاتفاق الذي كان هو أن يقوم كل طرف بدوره. أين وصل عملكم في محاربة الممارسة غير الشرعية لطب الأسنان؟ طبعا هناك ضجة وصراع لأن وزارة الصحة أخذت بزمام الأمور، أما لو بقي الوضع كما في السابق فلن يحدث أي شيء. أولا قررنا وقف هذه الممارسة، لأن هناك مجموعة من الأمراض التي تنتقل من قبيل السيدا وفيروس الالتهاب الكبدي وهذا ليس معقولا، ناهيك عن المنافسة غير الشريفة. أول شيء قمنا به هو معالجة الجانب القانوني الخاص بالتقنيين، وهو ما فجر الصراع. هذا القانون تطرق لما يمكن للتقني القيام به وما يمنع عليه، لأن التقني لن يحتاج إلى كرسي العمليات الجراحية ومواد التخدير. لهذا الأمر كانت هناك وقفات احتجاجية أمام الوزارة، والتي لم يسبق تنظيمها إلا عندما وضعت الوزارة يدها في هذا الموضوع. طبعا لابد أن ننصف الأطباء، لكن لن ننسى 60 ألف من صناع الأسنان. الآن سيأتي قانون آخر بشأن مزاولة مهنة طب الأسنان، وسنتطرق لهذا الملف أيضا ونضع آليات المراقبة. وعليه قررنا أن نجد حلا وسطا أولا بتوقيف هذه الممارسة وعدم منح أي رخصة جديدة، وهو أمر يحسب لهذه الحكومة، وأيضا بوضع قانون لمزاولة صناعة ترميم الأسنان لتعرف هذه الفئة ما هو مسموح به وما هو ممنوع. والآن نحن نشتغل على قانون مزاولة مهنة الطب.