«كنا نطالب بإصدار أحكام الإعدام..و الحمد لله صدرت العديد منها واليوم نطالب بالإسراع بتنفيذ تلك الأحكام..» هذا ما جاء في خطاب ألقاه مؤخرا السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني في تجمع جماهيري إحياء للذكرى الرابعة لحرب تموز التي شنها العدو الصهيوني على لبنان.. الخطاب الذي استغرق أزيد من ساعة وتناول عدة قضايا حظي بتغطية إعلامية واسعة ونقلته على الهواء المباشر عدة قنوات تلفزية.. وبالتالي فإن الموقف من الإعدام المشار إليه أعلاه سيكون هو الآخر بالتأكيد حظي بنفس الانتشار... لا يهمنا هنا السياقات والحيثيات التي استند إليها حسن نصر الله في موقفه ومطالبه بالإسراع بتنفيذ أحكام الإعدام.. بقدر ما يهمنا أساسا تسجيل تعارض هذا الموقف/المطلب مع: - مبادئ حقوق الإنسان وما تنص عليه الإعلانات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان. - نضال المنظمات الحقوقية عبر العالم من أجل إلغاء عقوبة الإعدام باعتبار أنها تصادر الحق في الحياة وأنها عقوبة لا إنسانية وحاطة بالكرامة الإنسانية، علاوة على اعتبارات أخرى لكونها غير رادعة، بل وأخطر من ذلك لكونها قد تصدر في حق أشخاص أبرياء وحين تنفيذ حكم الإعدام في حقهم لا يمكن بعد ذلك تصحيح الخطأ ونصبح آنذاك أمام جريمة فظيعة ارتكبت باسم القانون.. - التوجه العام لدول العالم نحو إلغاء عقوبة الإعدام أو تجميد العمل بهذه العقوبة أو تعليق تنفيذ الأحكام الصادرة بالإعدام في إشارة إلى الموافقة من حيث المبدأ على إلغائها.. (مع استثناء بعض الدول المصرة على معاكسة هذا التوجه العام وتصدر وتنفذ أحكام الإعدام كإيران والولايات المتحدة الأميركية والعراق والسعودية..) هذا دون الحديث عن شروط المحاكمة العادلة وطبيعة الأجهزة الأمنية و»تحقيقاتها» وتبعية الفضاء للسلطة التنفيذية وخصوصا في الدول العربية و الإسلامية.. إن العديد من القضايا والتحاليل الواردة في خطاب حسن نصر الله لا يمكن إلا الاتفاق معها.. ولكن في هذه النقطة بالذات على المنظمات الحقوقية المغربية والعربية والدولية أن تعبر بصراحة عن موقفها إزاء مثل هذه المواقف والتصريحات وخاصة إذا صدرت من زعيم حزب مثل حزب الله.. قد تجد المنظمات الحقوقية وخصوصا منها المغربية والعربية حرجا في التعبير العلني عن موقف منتقد أو رافض لتصريحات حسن نصر الله بخصوص عقوبة الإعدام لاعتبارات سياسية أو شعبية أو مخافة أن تفهم مواقفها على أنها قد تصب في خانة مصالح العدو الصهيوني، بل وقد تعتبر أن الأمر غير مطروح على الأقل في الظروف العصيبة التي يجتازها لبنان حاليا ..إلا أنه في جميع الأحوال ستبقى كل هذه التبريرات وغيرها التي يمكن سوقها مرفوضة، نظرا أولا لتعارض موقف حسن نصر الله مع عناصر عديدة تم ذكر بعضها أعلاه، وثانيا لأن مبادئ حقوق الإنسان في مفهوميها الكوني والشمولي لا تخضع للظرفية أو الانتقائية، وثالثا لأنه لا يمكن التستر تحت أية ظروف أو مصالح أو انتماءات.. للقبول بانتهاكات لحقوق الإنسان وخصوصا الجسيمة منها (أي الانتهاكات) ورابعا لأن مواجهة العدو الصهيوني ككيان عنصري ضد حقوق الإنسان وحقوق الشعوب تفرض على المنظمات الحقوقية وكافة القوى السياسية في البلدان العربية كحكومات وأحزاب..التمسك بمنظومة حقوق الإنسان والعمل بها في كونيتها وشموليتها إن هي أرادت في المستقبل أن تضمن الانتصار.. في الختام نقول للسيد حسن نصر الله ..نعترف لك بقدراتك البلاغية في التعبير والتواصل، بل وفي الإقناع والتأثير على من يستمع إليك ولو كان مخالفا لتحليلاتك وآرائك.. ولكن فيما يخص تصريحاتك أمام العالم حول عقوبة الإعدام ومطالبك بإصدار أحكام بالإعدام بل والإسراع بتنفيذها فقد أثارت ذهولي واستغرابي، بل وذهبت بي الظنون إلى تخيل ما أنت فاعله لو كنت حاكما وحيدا في لبنان.. السيد حسن نصر الله ..نأمل أن تستدرك موقفك من عقوبة الإعدام وتصححه بما يعزز أنصار حقوق الإنسان ومناهضي عقوبة الإعدام، وفي ذلك سيكون أيضا تعزيزا لنضال وكفاح المقاومة ولقضايا لبنان وفلسطين العادلة..