هل ما زال البعض يفكر في كيفية الاحتيال على الموت؟ لا أعني الموت المجاني في الشوارع العربية، بل الموت الطبيعي الذي ينتظرنا على أعتاب الشيخوخة. المفارقة تؤكد بأن خلايا جسدنا، شأنها شأن الأصدقاء، تبدأ بخيانتنا مع التقدم في السن، وسرعان ما يحدث انتحار جماعي في خلايا الأعضاء المسنة، بعد أن تكون تعرضت إلى الكثير من الإجهاد والتلف طيلة دورة حياتها، فمن المتعارف عليه بأن خلايا الكائنات الحية تعمل باستمرار تحت تأثير التلف حتى تتلاشى في مرحلة معينة، فينتهي كل شيء. ومع ذلك، يعتقد العلماء بأن متوسط عمر الإنسان مستمر بالازدياد، بسبب التحسن الكبير في الإجراءات الصحية العامة التي حدثت خلال القرن الماضي، كما أن معدل الوفيات في الأعمار الصغيرة والمتوسطة قد شهد انخفاضا جذريا مقارنة بما كان يحدث مع أسلافنا، الذين كانوا يموتون صغارا من قرصة بعوضة أو عطسة متوسطة السرعة، لكنهم على أي حال كانوا يموتون راضين مرضيين والابتسامة لا تفارق وجوههم. لكن، هل سيستمر معدل عمر الإنسان في الازدياد إلى ما لا نهاية، أم أن هذا التفاؤل في غير محله؟ وإذا كان الجواب: لا، فما هو الحل وكيف يمكن إبطاء زحف الشيخوخة على أرواح الناس قبل أجسادهم؟ طب مكافحة الشيخوخة هو الاختصاص الذي يعتني بهذا الاتجاه الحيوي، حيث تجمع وتصنف كافة العلوم والنظريات تحت مظلته هذه، أما النظريات فتسعى إلى دراسة سبل إبطاء الشيخوخة أو تبحث إمكانية إطالة العمر أو في الأقل تحسين نهاية حياة الأفراد، وغيرها من التعريفات التي تلامس جانبا حساسا من الرغبات البشرية وتعتني بالخلود، لتمثل التحدي الأكبر -ربما- الذي واجه العلوم الطبية حتى اللحظة. مؤخرا، اكتشف علماء الأحياء آلية معينة يمكنهم من خلالها إيقاف عملية التقدم في السن لبعض أنواع الديدان بواسطة التلاعب في عملية التحوّل الجيني وهي أمور علمية معقدة لا ينبغي للهواة، أمثالي، الخوض فيها. عموما، يقول الخبر بأن العلماء تمكنوا، في لحظة تجريبية معينة، من إيقاف التحول الجيني في الديدان الذي يعد المتهم الأول عن حدوث الإجهاد الخلوي وتدمير البروتين في جسد الكائن الحي، لذلك يأمل العلماء بإمكانية زيادة قدرة الخلايا على مقاومة الإجهاد مستقبلا عبر مساعدة مزيد من الأبحاث في هذا الإطار، وأصبح واضحا إمكانية إيقاف زحف الشيخوخة في البشر أيضا، كونهم يمتلكون نفس آلية "التحول الجيني" لدى الديدان. ويؤكد الباحثون أن التحول الجيني سيكون هدفا لبحوث المستقبل. على أي حال، هذه ليست الحادثة الأولى ولا الأخيرة التي يخفق فيها العلم في خدمة البشرية، فماذا يفعل إنسان هذا العصر يا ترى بطول العمر، هل هي محاولة لإطالة زمن خوفه بعد أن تنتهي مدة صلاحيته الافتراضية ويتحول إلى كائن مزعج، يكتفي بمتابعة نشرات الأخبار التي ترّوج لأحدث صيحات القتل؟ لكن هذه «الخدمة» العلمية ربما تكون موجهة للديدان وهذا وجه من وجوه العدالة، فأنا لم أشهد في حياتي عملية إعدام دودة وتقطيعها إربا من قبل مجاميع من الديدان، كما لم يسبق لي أن عثرت في كتاب عن أن دودة دفعت حياتها ثمنا بسبب خطأ ارتكبته دودة أخرى، أو أن إحدى الدودات استولت على المال العام وتسببت في سقوط الملايين من أبناء جلدتها تحت خط الفقر. نحمد الله على أن هذه المختبرات الغريبة لا تحمل الهوية العربية، فشعوبنا الرقيقة تكره الديدان، بطبعها، وتقضّي نصف حياتها في ابتكار طرق لمكافحتها وقتلها، وإلا لكانت الأمور خرجت عن نطاق السيطرة