في جنازة الإعلامي والسياسي محمد العربي المساري، ظُهر أول أمس الأحد بمقبرة الشهداء بالرباط، كان العنوان البارز والجامع لكل التعليقات والشهادات هو طيبة الرجل و... الأناقة في كل شيء. لم يكن سي العربي طيلة حياته حريصا فقط على الأناقة في ملبسه، ولكن الأناقة لازمت دائما حديثه وعلاقاته الاجتماعية والمهنية والسياسية وتفاعله مع آراء الآخرين، وخصوصا المختلفين معه..، وبغيابه اليوم تفقد الصحافة الوطنية واحدا من كبارها، وتخسر أحد المدافعين المواظبين عن أخلاقياتها ومصداقيتها... في المهنة واكب سي العربي الكثيرين ودرب أجيالا من الصحفيين واحتضن وأطر ونصح العديدين، وحتى عندما كانت بعض الصحف الحزبية في زمن سابق تتمترس وراء وداخل منغلقاتها التنظيمية والإيديولوجية، كان هو يجد المنافذ ليفتح الصفحات والملاحق والأعمدة لكثير أدباء ومثقفين وصحفيين من توجهات سياسية وفكرية مختلفة، بل ويرتبط بصداقات متينة مع العديدين منهم، ولهذا كان المشيعون أول أمس من حساسيات متباينة، وكان غير الاستقلاليين أكثر من إخوان الحزب... لقد صان محمد العربي المساري انفتاح فكره وعلاقاته وسلوكه طيلة حياته، كما صان بهاء لكنته التطوانية وفصاحته وحسه الفكاهي التلقائي ودفئ إقباله على الناس، ولم تعرف عنه توترات في علاقاته بالزملاء والإخوان والأصدقاء، بل عندما كانت تتلبد الغيوم، كان يفضل الانزواء إلى ذاته وكتبه وقراءاته التي أغنى بها المكتبة الوطنية في التاريخ والسياسة والديبلوماسية والإعلام. الفقيد المساري خسرته مهنة الصحافة وفقدت فيه الضمير وأحد حراس الالتزام المهني والوطني والسياسي فيها وواحدا من كبار المعلمين، وخسره حقلنا الحزبي والسياسي لأن أمثاله باتوا قليلين اليوم من حيث نزاهة الفكر والسلوك والخطاب والعلاقات، وخسرته البلاد برمتها لكونه كان صاحب قناعات ورؤية واضحتين ومن أبرز المدافعين، خطابا وكتابة، عن القضايا الوطنية الكبرى... سي العربي يشهد له الجميع بمقدراته المهنية وبثراء مساره، ولكن أيضا بمكانة التقدير التي حضي بها دائما وسط أجيال مختلفة من الصحفيين، حيث كان نقيبا لهم وحريصا على صداقته لأغلبهم ومتضامنا معهم في كثير من المواقف والمحطات، وبادله الجميع ذات المودة وتقدير الوقار والأستاذية ورصانة السلوك وأناقته. الأستاذ محمد العربي المساري يجسد نموذج الصحفي المواطن، الذي يصر على مهنيته وأيضا على الانخراط في قضايا البلاد والتعبير عن الموقف والابتعاد بالكتابة وبالصحيفة على تكون بلا هوية أو مذاق أو... مصداقية ووضوح نظر، وهذا درس جوهري على حقلنا المهني الوطني أن يتمثله اليوم من تجربة ومسار الفقيد. الأستاذ محمد العربي المساري تولى مهام قيادية في حزبه ثم كان برلمانيا فوزيرا، ولكن لم يسجل عنه أي حقد لأطراف حزبية ومجتمعية أخرى أو تنابز بالكلمات معها، ولهذا بقي يحضى بالكثير من الاحترام لدى مختلف القوى الوطنية الديمقراطية ووسط منظمات المجتمع المدني، ورحيله اليوم يجب أن يكون محفزا لكثير من سياسيينا للعمل من أجل تكريس وتقوية نماذج عديدة من هذا "البروفيل"... الرحمة للسي العربي. العزاء لأرملته وأبنائه. العزاء لنا كلنا في هذا الرزي الكبير. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته