بداية القوس والسهام.. الفتوحات.. أنواع الأسلحة وخاصيتها... الحلقة2 بعد الحلقات التي خصصناها للحديث عن تاريخ الرياضات والألعاب التقليدية بالمغرب، وقدمنا حكاياتها، قوانينها، أنواعها، وطرائف وصور من هذا الموروث الثقافي والرياضي الغني، نعود في إطار نفس السلسلة الرمضانية لتقديم كتاب في حلقات للدكتور عدنان درويش عبد الغني جلّون بتصرف، خصصه لتاريخ الرماية والمسايفة والقوس، والدور الذي لعبه الإسلام في إغناء هذا الموروث الضارب في جذور التاريخ. ويقول عنان درويش في كتابه أن بعض الدارسين يقررون أن الرماية بالقوس والسهام قديمة جداً ويرجعها بعضهم إلى آدم ونوح عليهما السلام، بينما ينسبها بعضهم إلى أمم وأفراد جاؤوا من بعد، يقول العلامة الدينوري في السهام (ت 733ه): وأما مبدأ عملها وأول من رمى بها، اختلف الناس في القوس ومبدأ من رمى عنها، فقال بعض أهل العلم: إن القوس جاء بها جبريل إلى آدم عليه السلام، وعلمه الرمي عنها، وتوارثه ولده إلى زمن نوح عليه السلام، وذكرت الفرس في كتاب الطبقات الأربع: أن أول من رمى عنها جمشيد الملك الفارسي، وقيل إنه كان في زمن نوح عليه السلام، وتوارثه بعده ولده طبقة بعد طبقة. وقال آخرون: )إن أول من رمى عنها النّمرود، وخبره مشهور في رميه نحو السماء وعَوْد سهمه إليه وقد غُمس في الدم.، ورمى عنها بعد النمرود سامن اليماني ثم كند بن سامن ثم رستم من المجوس ثم اسفنديار وغيرهم، وقيل إن أول من وضعها بَهرام جور بن سابور ذي الأكتاف، وهو من الملوك الساسانية، وإنه عملها من الحديد والنحاس والذهب، ولم يكن رآها من قبل ذلك فلم تطاوعه في المدّ فعمله من القرون والخشب والعَقب. وهذا القول مردود على مقاله، لأن القوس الأول لم تزل تفتخر بالرمي في الحروب والصيد، ولم يُنقل أن الرمي انقطع في دولة منهم، والله أعلم). ويذكر الأستاذ مصطفى الفرحاني: أن «أول هدف رمي فيه بعد رمي أهل الحجاز الهدف الذي بدمشق في باب شرقي، وكان أنشأه أبو عبيدة بن الجرَّاح ورمى فيه جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أخبرني بذلك جماعة من أهل الشام، وبعده أو قريب منه أهداف مصر وملوك حلوان وآثار الصحابة في هذه المواضع كثيرة. فأما أهل العراق من أهل الكوفة والبصرة وغيرهم فأول رميهم الذي يأتي إلينا كان في أيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فقد حكى لنا أنه لما اتسع الإسلام وخالطت الفُرس العرب ورموا معهم، رأى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فقد حكي أن يعمل لهم قوساً وسطى يعني بين العَربي والفَارسي، فعمل القوس المعروفة بالواسطية، وإنما اسمُها من الوسطية إلى الواسطية. 2 تطور الرماية عند العرب اهتم عرب الجزيرة العربية بالرماية بالسهام وأدواتها، فتناقلوا تعلمها وتعليمها جيلاً بعد جيل، وقد تنوعت السهام في الجزيرة العربية كالآتي : أ قوس وسهم الجُمَّاح بقوس وسهم الجُمَّاح كانت بداية مرحلة تعليم صبيان البادية الرماية بالسهام، ثم ينتقل الصغار إلى مرحلة التعليم والرماية عن الأقواس الأكبر أو الأقوى حَيْلاً. يقول الشيخ أحمد الدينوري رحمه الله: "والجُمَّاحُ سهام يرمي بها الصبيان وواحدها الجُمَّاح، يريش الصبي الجُمَّاح بريشتين وهو من أدنى شجرة يجدها، وأكثرها من الثُّمام، وبها يتعلم صبيان أهل البادية الرمي أوّل شيء. وقوسُ الجُمَّاح عودُ يثنّيه ثم يوتّره مثل قوس النَّداف إلا أنها أصغر، فإذا شَبَّ الغلام وأطاق الرمي ترك الجُمَّاح وقوس الجُمَّاح وأخذ في النبل". وقيل: "الجُمَّاحُ سهمٌ الصبي تجعل في طرفه تمراً معلوكاً بقدر عِفاص القارورة ليكون أهدى له، وقال غيره لئلا يعقر به قال: وليس له ريش وربّما لم يكن له أيضاً فُوق يرمي به عن قوسه"). ب القوس الحجازية قضيب واحد، فرع قضيب واحد. قضيب واحدٌ فَلقٌ، قضيبان فِلقان. مُعَقّبة. وهذه الأنواع الثلاثة يصنعونها من: عُود النبع. عود الشَوحط. عود الشِريان. الشَريج: وجمعها شَرائج والقوس التي تُصنع منها قضَيبين فلقَين. القوس المُعَقَّبة: هي التي يجعلون ببطنها قرون المَعِز ويُعَقِّبونها ولا تكون هذه إلا عند الماهر منهم، أو من قرب منهم من الحاضرة. القوس الواسطية: "قال بعض علماء هذه الصناعة: إنما سميت واسطية لأنها مُتوسطة بين قسي العرب والحجازية". ج القوس النبوية الشريفة يحتفظ متحف توب كابي في استانبول بقوس تنسب إلى رسول الله نقلت من الحجاز إلى تركيا في أواخر العهد العثماني ورغم عدم وجود دليل قطعي على صحة هذه النسبة فإن دراسة هذه القوس تفيد في معرفة نوع قديم على أقل تقدير وقد زرت المتحف وصوّرت القوس وسعيت على الحصول على مقاييسها واستعنت بسعادة الأستاذ/ ناجي صادق مفتي سفير خادم الحرمين الشريفين بتركيا، الذي تفضل بالكتابة إلى الجهات المعنية، وتم الحصول على هذه المقاييس لأول مرة منذ أن عرفت هذه القوس النبوية الشريفة بقصرها وسُمْك وسطها عن سائر الأجزاء الأخرى، وقد تمّ التعاون مع السيد إدورد مِكِّوِن Edwerd McEwen حيث قام بصنع نموذج للقوس من خامة شرائح الخيزران، وقمنا بعرض نموذج القوس والرماية عنها في مدينة إرنهام ببريطانيا عام 1978م. 1 صورة حَيَّة للقوس النبوية الشريفة د- القوس السعدية: قوس سعد بن أبي وقاص هو: سعد بن أبي وقاص بن مالك بن وَهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، ويكنى: أبا إسحاق، وأمُّه: حَمْنَةُ بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قُصّي( )، أسلم وهو ابن سبع عشرة، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وأول من رمى في الإسلام بسهم). تعتبر قوس سيدنا سعد بن أبي وقاس رضي الله عنه، القوس الشريفة الثانية التي احتفظت بها بالمدينة المنورة لعدة قرون وتوارثها الأجيالُ بعد الأجيال لدى آل أبي الجود الأنصاري بالمدينة المنورة، وقد شاهدت القوس بنفسي في دار الشيخ علي أبي الجود الأنصاري رحمه الله، في زقاق حبش، جنوب شرق المسجد النبوي الشريف.