«المدينة المحرمة».. مدينة حرمت على الصينيين ودخلها مغربي ( الحلقة4) عندما يستيقظ التنين يهتز العالم.. كذلك قال نابليون بونابارت، وكذلك اهتزت الأرض بعد استيقاظ تنين الصين. بيان اليوم تصطحبكم في رحلة طيلة شهر رمضان، عبر حيز ضيق من صفحاتها لا يتسع لبلد بحجم الصين، تضعكم في قلب مدنها وتتجول بكم في شوارعها، وتقربكم من أناسها. البداية ستكون بالعاصمة الروحية بيجين كما يتغنى بها الصينيون أو بكين كما وصلت العالم، والحكاية ستنتهي أيضا مع بيجين، لكن بين بيجين وبيجين هناك الكثير من المشاهد التي رصدتها بيان اليوم، بداية من مدينة البيفوانا مرورا بمدينة الماء والسماء، وصولا إلى عاصمة الصين قبل آلاف السنين ومركز الإسلام والمسلمين. الصينيون شعب ينام في دقيقة ويستيقظ في دقيقة، شعب يشتغل كثيرا ويأكل قليلا، يحسب خطواته، ويقيس حركاته.. ببساطة إنهم أناس ينافسون الحواسيب والهواتف الذكية في نظامها ودقتها ونجاعتها. بيان اليوم ترسم لكم صورة أخرى عن شعب تمكن من الجمع بين مجتمع محافظ ومتطور، عبر تمسكه بالهوية والتقاليد من جهة وانفتاحه على العلوم والمعرفة من جهة أخرى. هذه هي الصين.. بمحاسنها ومساوئها تبقى أول بلد في العالم اقتصاديا وبشريا وصناعيا. لا يمكن لأي من العالمين القادمين ل "بيجين"، أن يغادر الصين دون زيارة المدينة المحرمة. مساحتها رهيبة، وعدد غرفها يقترب من 10 آلاف غرفة، مسير ساعة لا يكفي للوصول إلى عمق قصر الإمبراطور. مدينة استغرق بناؤها 14 سنة، في مدخلها تماثيل عديدة، أهمها لأسد يقف وزئيره يسمع من حركة فمه، وبجانبه لبؤة تداعب صغارها، المشهد يلخص كل شيء، فالشجاعة والقوة تقابلها الخصوبة والحياة، هي بساطة معاني آمن بها الصينيون القدامى وآمن بها صينيو القرن 21 كما سيؤمن بها صينيو ما قبل القيامة. بمجرد مغادرة البوابة الكبيرة يستدرجك ضوء كثيف في آخر النفق، ليخرجك من الظلمات إلى النور، نور ساحة بحجم مدينة، تنتشر فيها الأشجار، والأحجار المزخرفة بكتابات صينية. تعتقد في بداية الأمر أن المدينة ستنتهي بمجرد الوصول للباب المقابل، لكن مع تجاوزه تصطدم بساحة أكبر منها أو مثلها. مدينة حرمت على الصينيين، وحتى على أقرب المقربين، فأكبر بوابة لا يدخلها إلا الإمبراطور، ويشاركه الدخول فقط زوجته يوم الزفاف، فتكون أول وآخر مرة تدخل فيها امرأة لأكبر بوابة بالقصر الإمبراطوري. لم يكن يعلم الإمبراطور الذي سهر على بناء مدينة بهذه المواصفات، أنه سيأتي يوم ويدخل بوابته الفلاح والنجار و...، فالتحريم رفع عن المدينة. يلفت انتباهك انتشار الأعلام الحاملة للونين الأصفر والأحمر، ألوان ظلت حكرا على العائلة الحاكمة، فالأصفر يرمز للعائلة والأحمر لحسن الطالع والحظ. قبل الوصول لغرفة العرش، التي كانت تتوسط المدينة، تبهرك 4 ساحات أعدت بعناية، وسهر على بنائها أزيد من مليون صيني. فالعروض العسكرية كانت تقام أمام الإمبراطور، في هذه الساحات، وكان يجلس وحيدا لا يقترب منه حتى أقرب المقربين. وتعاقب على الحكم 42 أسرة حاكمة، بداية من القرن 14 وحتى القرن 19 وسقوط آخر حاكم في عائلة تشينج. عند تجاوزك للساحات الأربع، تصل للحديقة، التي اختيرت فيها الأشجار بعناية فائقة، فمنها من وصفت بشجرة الحب وأخرى السعادة و... فقد صنع أول إمبراطور حكم الصين في المدينة المحرمة جنة صغيرة له، يتجول وحيدا فيها، أو تشاركه زوجته ذلك. حديقة تجمع أغلب أنواع الورود والأزهار، وتمتزج فيها الحضارة بالبداوة، في سيمفونية رهيبة. لم يكن يعتقد أي من الأباطرة الذين حكموا الصين، أن يأتي يوم يدخل فيه مغربي ويتجول في حديقتهم ويقطف أزهارهم ويصلي في معابدهم ويسيح في ساحاتهم، بمدينة حرموها على الصينيين فكيف بالأجانب. لها أبواب كثيرة، يصعب عليك التجول فيها دون مرشد، أو صديق أو قريب، فكثرة أبوابها يدخلك في متاهة، قد تجد نفسك غارقا في غرفة من غرفها دون أن تعرف ذلك. للنهر مكانة مهمة عند الصينيين، فهو مرتبط بالحياة، ولهذا تم تشييد المدينة المحرمة قرب أكبر الأنهار في الصين، فبمجرد مغادرتك للمدينة من بابها الخلفي يستهويك منظر النهر يحاصر القصر. فتحت المدينة للعموم بعد سقوط آخر أمبراطور حكم الصين، فالبداية بالعام 1911، حيث تمت الإطاحة بحكم أسرة "تشينغ حسب اتفاقية "تفضيلية لعائلة تشينغ الملكية" التي وقعتها الحكومة الوطنية وديوان أسرة تشينغ، تم السماح للإمبراطور الأخير "بو يي" بالإقامة في الجزء الداخلي من القصر الإمبراطوري. وبعد ثلاث سنوات، أصبح الجزء الأمامي من القصر الإمبراطوري مفتوحا أمام الجماهير. وفى عام 1924 طرد آخر الأباطرة بو يى من القصر الإمبراطوري نهائيا، ثم فتح الجزء الداخلي للجماهير عام 1925، وتمت تسميته ب "متحف القصر الإمبراطورى"، قبل أن يتم دمج الجزأين الأمامي والداخلي تحت نفس المسمى دائما "متحف القصر الإمبراطوري".