في شهر رمضان، تناقلت وسائل الإعلام العربية والعالمية أخبار عن ممارسات غارقة في الجنون والتخلف والبشاعة تقترفها عصابات البغدادي في العراق وسوريا، ويتعمد مرتكبوها نسبها إلى أحكام دينية تصنعها عقولهم الإجرامية.. وفي هذا الشهر الفضيل أيضا نشاهد حوالينا من لا يتشبث إلا بالقشور في الدين ولا يقبل النفاذ إلى عمق المعاني وأنبل الدلالات... يحدث هذا رغم أن الإسلام انتصر دائما للعلم وللقراءة وللمعرفة، حتى أنه قرن عبادة الله بالعلم، ولكن اليوم يتذيل المسلمون قوائم القراءة بين كل شعوب وأمم الدنيا، وصار الجهل هو السائد، ليس فقط في أمور الدنيا والتطور والتنمية وإنما أيضا في أمور الدين والفهم الصحيح لتعاليمه. إن ما يجري داخل البلدان التي تدين شعوبها بالإسلام وحواليها يفرض اليوم ثورة ثقافية وفكرية حقيقية تقطع مع الجهل وسيادة الاستسهال، وتحارب الخرافة والدجل، وتنتصر للعقل ولقيم التقدم. عندما توقفنا من قبل عند موضوع مبادرة"كرامة" التي باشرتها وزارة الصحة واستغربنا لغياب تفاعل المثقفين والفنانين والباحثين معها، فذلك من منطلق الوعي بحاجة شعبنا إلى العمل الجماعي لإنقاذه من الجهل والشعوذة وتوعيته بأهمية العلم، وتمنينا لو جرى استثمار مبادرة كرامة مثلا لإقامة أنشطة تحسيسية مفتوحة في المدارس والثانويات والجامعات، ولعرض برامج وثائقية وحوارية عبر الإعلام السمعي البصري، ولكن مع الأسف ضيعنا الفرصة. شهر رمضان يمنح كذلك فرصة إشعاع حوارات عميقة وشجاعة حول قضايا دينية ومجتمعية غايتها الانتصار لقيم الانفتاح والاعتدال، ومحاربة التطرف والتعصب، وذلك بلا أي تكلس أو جمود أو لغة غارقة في العتاقة والصنمية والرتابة، لكن مرة أخرى نجد أننا لا نمتلك البرامج والمبادرات والعدد الكافي من علماء الدين المتشبعين بروح هذا العصر والمطلعين على اهتمامات جيل اليوم ولغته وانتظاراته، ومن ثم تضيع من جديد الفرصة. وعندما نولي وجوهنا نحو ما تعرضه قنواتنا التلفزيونية بمناسبة شهر رمضان، نجد أن فرصا كثيرة ضاعت على بلادنا وشعبنا، وأن الرداءة والابتذال طال بهما المقام عندنا. الثورة الثقافية التي نحن في حاجة إليها اليوم لا تتطلب فقط إصلاحا عميقا لمنظومة التعليم، أو فقط التحفيز على القراءة واقتناء الكتاب والصحيفة، وإنما تفرض أيضا تغييرا حقيقيا لما يقدم عبر الإذاعة والتلفزيون ولنموذجنا التدبيري والتأطيري للسمعي البصري، وتطويرا لخطابنا الديني في المساجد وخارجها، بالإضافة طبعا إلى انخراط مبدعي المسرح والسينما والموسيقى وباقي الفنون... رمضان لا يحث الأفراد وحدهم على تأمل الذات وامتلاك الصفاء، وإنما يفرض أن تنكب السلطات العمومية والدول على تأمل ذاتها وتدبيرها والسعي لإحداث التغيير في واقع المجتمع ومنظومته الفكرية والسلوكية والقيمية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته