من الناس من لا يعرف أن له ربا فرض عليه الصلاة والصيام والزكاة والجهاد وفعل الخيرات وإتيان المعروف واجتناب المنكر والإستعانة به عزوجل والتوكل عليه وغير ذلك كثير ، إلا في شهر رمضان الكريم ، فتراه إذا ما سطعت شمس أول يوم من هذا الشهر المبارك ، يغتسل الإغتسال الأكبر ويطلق الدنيا ثلاتا لا رجعة فيها ، فيسبق الكل نحو المساجد ولا يحيد عن الصف الأول في الصلاة أبدا ، ويختم القرآن أكثر من مرة في ثلاتين يوما ، ويذكر الله قبل طلوع الشمس وقبل المغيب ، ويستغفره آناء الليل وأطراف النهارو إدبار السجود ، ويغض من بصره ويحفظ لسانه من كل سوء وينأى بنفسه عن كل الخبائث ويتحلى بكل ما تهواه الأنفس من خصال حميدة وأخلاق رفيعة ، حتى إذا أفل نجم هذا الشهر الكريم ، وأدى صلاة العيد مع المصلين ، عاد إلى عادته القديمة فهجر الصلاة والمساجد ، وعزف عن سماع وتلاوة القرآن ، وأطلق ساقه نحو كل مكان محرم ، وأشهر لسانه بكل كلام بذيئ ، وبطش بيده التي كان يتصدق بها في رمضان ، وصار بخيلا كأن لم يعرف للجود إسما ولا للكرم رسما ، وائتمر بالمنكر واجتنب المعروف ، وأتبع الحسنة السيئة وخالط الناس بخلق الشياطين ، وخلع عنه ملا بس التقوى ليلبس بدلها ملابس الطيش والتيه والضلال ونسيان الواحد الديان ، فهذا من الناس الذين يستحقون أن نطلق عليهم لقب " مسلمي رمضان " .... نعم مسلموا رمضان هم أولئك الذين جعلوا العبادة موسمية ترتبط بشهر معين ولا تتعداه لسواه أبدا ... مسلموا رمضان هم أولئك الذين نسوا أن الشريعة الإسلامية بما فيها من صلاة وصيام وقيام وزكاة وذكر وصبر ومصابرة ومحاسبة للنفس وإيمان واحتساب وجهاد ومجاهدة وعلم وتعلم وتعليم لا يخصص لها زمان دون غيره لتحقيقها وتحقيق مقاصده وغاياتها ... مسلموا رمضان هم أولئك الذين يصومون ولا يصلون ... هم أولئك الذين يسرفون في الطعام ويسرفون في قيام الليل قياما لا يليق برب العزة والجلال حتى إذا أذن مؤذن " الصلاة خير من النوم " ناموا إلىأن يوقظهم آذان المغرب ظنا منهم أن هذا هو معنى ومغزى الصيام .... مسلموا رمضان هم أولئك الذين أصبحوايمثلون ظاهرة شاذة في مجتمعنا وجبت دراستها بعين ناقدة فاحصة معالجة لا مكفرة ولا جارحة ولا منفرة ... مفاهيم خاطئة وجب تصحيحها موسمية العبادة : " مسلموا رمضان " هذا التيار الذي سطع نجمه في السنوات الأخيرة وتزايد أنصاره بتزايد أرقام الأمية بصفة عامة والأمية الدينية بصفة خاصة ، منهم من يعتقد في قرارة نفسه أن ما أفْرِدَ به رمضان من عبادة وتسابق نحو الخيرات وتعظيم للحرمات ، وقهر للشهوات ، ما هو إلا عادة من العادات فالواحد منهم وجد أباه أو أمه أو فصيلته التي تؤيه يعظمون هذا الشهر ويوقرونه ويقدسونه ويبجلونه تبجيلا لا مثيل له فعظمه وبجله لتعظيمهم إياه ، ولأنه لم يجد من ينبهه لهذا الخطإ الفادح وهذه النظرة العمياء لهذا الشهر أصر على ما فعل إصرارا لا رجعة فيه فجعل من العبادة عادة ومن رمضان موسما للخير دون غيره وهذا خطأ مرده بالدرجة الأولى إلى ضعف الوازع الديني لهؤلاء لأن العبادة والتقرب إلى الله عزوجل وإعمار المساجد والتنافس حول الخيرات وما إلى ذلك من الطاعات المحببة المفروضة شرعا لا تقتصر على زمان معين ولا يختص بها شهر واحد ولا يخصص لها موسم محدد ، وإنما فرض صوم رمضان على المسلمين لتدارك ما فات ، واستغلال ماهو آت من أبواب الخيرات والإستعانة به على ما تبقى من أيام العمر ، فهو محطة لترويض النفس على الصبر على العبادة وإجبارها بعدما سلسلت الشياطين على السير بسير المتقين وبمصاحبة الصراط المستقيم ، حتى تتعود على مثل هكذا أمور في الشهور الأخرى المتبقية من عمر السنة ، ولو كان الأمر غير ذلك لنزل به القرآن الكريم ولبينه المصطفى الأمين ولكن الذي قرأنا هو أن الصيام كتب علينا كما كتب على الذين من قبلنا من أجل تحقيق التقوى ، والمتقون هم أولئك الذين يؤمنون بالتنزيل ويخافون من الجليل ويرضون بالقليل ، ويستعدون ليوم الرحيل ، ومن كان هكذا ومن كانت هذه صفاته فحرام أن يجعل لعبادة من خلقه فسواه فعدله في أي صورة ما شاء ركبه موسما خاصا يذكره فيه بكل ما هو جميل ويتقرب فيه إليه بكل ما هو مباح ، حتى إذا انتهى هذا الموسم نُسِيَ المذكور والمتقرب إليه كأن لم يكن هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم . أصوم ولا أصلي من المفاهيم الخاطئة أيضا والتي وجب تصحيحها هي تلك التي نجدها عند أناس يصومون هذا الشهر ولا يصلون ، ويتذرعون في حال مدارستك إياهم بأنهم لا يستطيعون الحفاظ على أوقات الصلاة وأن تركها خير من أدائها في غير الوقت المخصص لها ، وأن الصلاة تلعن من يضيعها ويضيع وقتها ويتهاون في أدائها على أتم وجه ، فهذا مفهوم خاطئ لأن الصلاة فريضة فرضت على الإنسان ، شأنها شأن الصيام ، وبها يعرف المسلم من الكافر ، وهي عمود الدين ، من تركها فقد كفر كما قال صلى الله عليه وسلم ، فمِن غيرها كل عمل باطل ومردود على صاحبه ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فترتيبها في أركان الإسلام الخمسة يسبق ترتيب الصيام وعليه فالصلاة يجب أن تحقق قبل أن يحقق الصيام ، أما تلك الحجج التي يستدل بها هؤلاء الناس فهي واهية لا أساس لها وإن دلت على شيئ فإنما تدل على ما وصل إليه هذا الإنسان من ضعف وجبن ومذلة أمام الشيطان الذي استحوذ على قلبه فأنساه ذكر ربه والقيام بفرائضه . << إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر >> ، والصيام بدونها يبقى ناقصا لا محالة لأن شرط الغفران فيه هو الإيمان والإحتساب ومن الإيمان والإحتساب إقامة الصلاة وهذا حق لا يزهقه باطل أبدا ، ولنتأمل في هذا الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من قام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " فهل يكون هنالك قيام بدون صلاة ؟؟؟؟ النوم طيلة النهار والسهر في غير طاعة الواحد القهار لا يعتبر صائما من لم يتذوق معنى الصوم ، ولن يتذوق معنى وطعم ومغزى وغاية الصوم من لزم الوسادة طوال النهار ، وأغمض عينيه في نوم عميق من الفجر إلى المغرب ، ليسهر بعده في غير مرضاة الله ، فهذا مفهوم خاطئ نجده عند العديد من الناس ، والحال أن السهر وكثرة النوم بالنهار أمور لن تعود على صحة الإنسان إلا بالضياع والخسران ، لذا وجب الإستنان بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر ، وقضاء النهار ما بين طاعة وطاعة واستغلال أوقات السهر في قيام تصفو معه النفس وتناجي فيه خالقها جل شأنه إن هي أرادت السعادة هنا وهناك . ... مفاهيم خاطئة ورثها " مسلموا رمضان " عن جهل منهم ، تحتاج منا ومنهم إلى تظافر الجهود ، وتشمير الهمم وتخطي كل عقبة كؤود لنرجع رمضان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولنرجع رمضان الصحابة والسلف الصالح إلى ظهرانينا ولنقتبس منه ذلك الخير الذي لمسه من عايشوه في ذلك الزمن المنير ، ذلك الخير الذي يجعل النفس تستعد لشهر رمضان ستة أشهر قبل حلوله وتسعى إلى العمل بروح رمضان ستة أشهر أخرى بعد رحيله ، وإنها لعقبة واقتحام حتى النصر فمن شاء فليجاهد نفسه وليتخذ من صالح الأعمال سفنا ، ومن شاء فليجعل من العبادة عادة وموسما ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين . بقلم : محمد ملوك الرباط المغرب