غريب أمر هذا النحس وسوء الحظ الذي يلازم المسرح ويلازم رواده.. والأغرب منه هذا العداء المحدق به وبأهله دون جرم أو إثم يرتكبه أبو الفنون، سوى أنه فن ومتعة وفكر وثقافة، وحمالة قيم الحب والخير والجمال.. لكن حظ المسرح التعيس يقوده في هذا البلد الأمين إلى أيادي الشر وألسنة السوء وحضن العداء.. مناسبة هذا الكلام، ما بلغني عن رئيس جماعة حضرية، أو لنقل رئيس مقاطعة مادامت المنطقة في قلب العاصمة الاقتصادية، الذي استفاق باكرا قبل الانتخابات ليمارس تسخيناته، ويفعّل أخطبوطية الفساد التي يسبح فيها ويتمنطق بها في مواجهة كل طارئ أو مستجد حتى يظل ممسكا بتلابيب الواجهة والمقعد.. تفتقت عبقرية هذا الرئيس المتعدد بأن يتبنى شرذمة من "الصبيان" المتسلقين والانتهازيين الجدد، ممن ارتأوا في المسرح سُلّما لامتطاء كل ما تجود به المرحلة من عطايا ومنح، وجعل لهم مهرجانا بئيسا يحرص على حضور اختتامه لعرض منجزاته الوهمية، وليفضح أيضا تطفله على المسرح ورجالاته في كلمات الاختتام البئيسة وحفلات التكريم المفتعلة، وهو لا يرغب من ذلك إلا ما في أفواه "الجماهير" الحاضرة من "أصوات" للانتخابات القادمة.. هذه السنة تفتقت عبقريته على ابتداع ما يجعل الأصوات كثيرة، وجحافل لا تنتهي من الأميين والانتهازيين والأبرياء أيضا ممن يعتقدون كونه صاحب اليد البيضاء على المنطقة والمحسن الطاعم الكاسي.. فأبدع مهرجانا قبيل الانتخابات مسخرا بيادق كثر تنمو كالطفيليات، والغريب أن هناك من الوجوه المعروفة ممن تزكي هذا الوضع البئيس بالحضور والتكريم والتنويه.. لكن نجمة هذا المهرجان ليست ممثلة مسرحية، ولا عرضا متميزا، ولا تجربة لها حضورها واستثنائيتها، ولا المسرح أصلا.. إن النجمة هي صاحبة الصاك والماكياج القادرة على "تسخين الطرح" وجعل الجميع "يدردك" حتى صناديق الاقتراع.. وفي اجتماع رسمي، وبحضور فاعلين وقطاعات وصية على الثقافة والفن، لا يتورع هذا الرئيس الأخطبوط على إعلان حقيقة رؤيته للمسرح، وعلى استهجانه وعدائه لأبي الفنون، حين صرح وبكل ثقة وقناعة، أن المهرجان لا يكون ولا يستقيم إلا بصاحبة الصاك والماكياج لأنها حسب قوله قادرة على جلب أكثر ما تأتي به مائة مسرحية، وأن "زينة حْسَنْ من مَيْتين مسرحي".. بعد كل هذا الحضيض في الرؤية لأبي الفنون، مازال الكثير من الانتهازيين الذين يحسبون على المسرح وعلى العمل الجمعوي، يتمسحون به كالقطط اليتيمة طمعا في "منحة" بئيسة تأتي من جيوب الفساد، وتحمل كل ألوان الذل والمهانة.. ماذا بعد؟.. وماذا نرجوه من رؤساء البلديات والمنتخبين من دور في التنمية الثقافية والتشجيع الفني والارتقاء بالممارسة المسرحية؟؟.. هل بقي كلام بعد تصريح صريح لمسؤول يسير مقاطعة ومتغلغل في مجلس المدينة يرى "زينة حسن من ميتين مسرحي"؟؟.. كل عام واليوم الوطني للمسرح بألف انتهازي وألف مسرحي ذليل يتمسح بغرور مسير ومنتخب وقح، يخفي أميته ونقصه بالانتقاص من أبي الفنون، ولا يتورع على استخدامه من خلال الشرذمة التي تزكيه وتتمسح به حملة انتخابية قبل الأوان..