إطار مؤسساتي استثنائي في خدمة الشراكة بين المغرب والولاياتالمتحدة تنعقد الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي بين المملكة المغربية والولاياتالمتحدة يومه الخميس بواشنطن، برئاسة مشتركة لوزير الشؤون الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، وكاتب الدولة الأمريكي، جون كيري. ويندرج هذا الموعد في إطار المسلسل الذي انطلق في شتنبر 2012، عقب توقيع مذكرة تفاهم بين المملكة المغربية والولاياتالمتحدة، والتي تترجم إرادتهما لتعزيز وإثراء وتعميق العلاقات الثنائية من خلال شراكة متجددة ومفيدة للطرفين، مع الأخذ بعين الاعتبار أولويات البلدين الصديقين والشريكين. وقد توصل الطرفان، في هذا الصدد، إلى عقد اجتماع سنوي يترأسه وزيرا خارجية البلدين، بالتناوب بعاصمتي البلدين. انعقدت الدورة الأولى لهذا الحوار في 13 شتنبر 2012 بواشنطن، فيما جرت الدورة الثانية بالرباط في رابع أبريل 2014، على أن تنعقد الدورة الثالثة بواشنطن في التاسع من أبريل الجاري. ويتطرق الحوار الاستراتيجي إلى أربعة محاور أساسية ستتم مناقشتها في أربع مجموعات عمل، ويتعلق الأمر بالمجموعة السياسية، والمجموعة الأمنية، والمجموعة الاقتصادية والتجارية والمالية، والمجموعة الثقافية والتربوية. وتعززت الشراكة الاستراتيجية بالزيارة الرسمية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، في 22 نونبر 2013 إلى واشنطن، بدعوة من الرئيس الأمريكي، باراك أوباما. وكرس البيان المشترك الصادر عقب هذه الزيارة العلاقات الاستثنائية التي تجمع البلدين، كما سمح برسم خارطة طريق جديدة وطموحة للشراكة الثنائية، وأعطى زخما ملموسا للعلاقات العريقة، معبدا السبيل أمام تعاون أكبر. وستكون الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي بواشنطن مناسبة لاستعراض المبادرات المنجزة، وتقييم التعاون الثنائي، والوقوف عند التقدم الذي تم تحقيقه بكافة المجالات السالفة الذكر. كما ستسمح برسم التوجهات المستقبلية من أجل النهوض وتعزيز هذا التعاون من خلال استهداف إجراءات محددة لتنفيذها. وأكد السفير الأمريكي السابق، إدوارد غابرييل، أن الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولاياتالمتحدة، تمثل "التزاما على المدى البعيد بين الرباطوواشنطن، يندرج في إطار شراكة عريقة استثنائية". وأبرز غابرييل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الشراكة المغربية الأمريكية أضحت ضرورية وهامة أكثر من أي وقت مضى بالنظر إلى الوضع الخطير الذي يسود حاليا بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، موضحا أن "المغرب يعد حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة بالنظر إلى موقعه كمركز اقتصادي ومالي نحو القارة الإفريقية، وكذا لالتزامه الراسخ بمكافحة الإرهاب". ولاحظ أن الشرعية الدينية التي تتمتع بها الملكية المغربية تجعل المقاربة المغربية لمكافحة الإرهاب متفردة على مستوى التأثير والإقناع، بل أصبحت تتمتع بمصداقية لا مثيل لها بالعالم الإسلامي، مضيفا أن المملكة تتقدم الجهود المبذولة في مجال مكافحة التطرف الديني بالمنطقة. وتابع الدبلوماسي الأمريكي السابق أن مفهوم القدرة على الإقناع الذي يمثل قوة المقاربة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب حظي بالإشادة والاعتراف خلال قمة مكافحة التطرف العنيف التي احتضنتها واشنطن في نونبر الماضي، مبرزا أن الطابع المتعدد الأبعاد لهذه المقاربة برز من خلال المبادرة الملكية لتكوين الأئمة بالعديد من البلدان الإفريقية على مبادئ الإسلام المتسامح. وأشار غابرييل إلى أن دينامية المقاربة المغربية التي تتابعها واشنطن باهتمام أفضت إلى تنظيم القمة العالمية لريادة الأعمال بمراكش في نونبر الماضي، التي قاد خلالها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن وفدا أمريكيا هاما، وهو خير دليل على قوة الشراكة القائمة بين محور الرباطواشنطن. وفي الشق الاقتصادي للحوار الاستراتيجي بين المغرب والولاياتالمتحدة، اعتبر إدوارد غابرييل أنه "من الحكمة أن تفتح اتفاقية التبادل الحر، التي دخلت حيز التنفيذ سنة 2006، الطريق أمام بلدان إفريقية أخرى من أجل تصدير منتجاتها عبر المغرب". ودعا، من جهة أخرى، في إطار الحوار الاستراتيجي، إلى استكشاف فرص التعاون في قطاع النسيج في الوقت الذي يسجل فيه عدم التزام وتراجع الصين، والذي تتوفر فيه المملكة على الوسائل الكفيلة بتلبية حاجيات السوق الأمريكية في هذا المجال. من جانبه، أكد مدير مركز "إفريكا سانتر" التابع لمجموعة التفكير الأمريكية المرموقة (أطلانتيك كاونسل)، بيتر فام، أن الحوار الاستراتيجي بين المغرب والولاياتالمتحدة، ، يشكل "إطارا مؤسساتيا استثنائيا" في سبيل تعزيز المصالح الاستراتيجية لمحور الرباطواشنطن. واعتبر هذا الخبير في القضايا الإفريقية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن "الأمر يتعلق بمؤسسة استثنائية إذا علمنا أن الولاياتالمتحدة لم تعقد سوى 20 حوارا استراتيجيا على المستوى الدولي مع بلدان تعتبرها واشنطن بمثابة شركاء أساسيين"، مضيفا أن هذا الإطار المؤسساتي يسعى لأن يكون أرضية لتعزيز علاقات التعاون الثنائية الاستراتيجية التي تحظى بأولوية كبيرة. وأشار إلى أنه بالنظر إلى "أن الولاياتالمتحدة والمملكة المغربية تعقدان هذه السنة الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي، فهذا دليل على أهمية الشراكة الاستراتيجية التي تجمع العاصمتين". من جانبه، أكد سفير المغرب بالولاياتالمتحدة، رشاد بوهلال، أن الحوار الاستراتيجي يعكس الإرادة المشتركة لجلالة الملك محمد السادس والرئيس باراك أوباما لجعل هذا الإطار المؤسساتي "آلية للتشاور المتواصل والمنتظم". وقال بوهلال إن "هذا الحوار الاستراتيجي، الذي انطلق سنة 2012، يعكس الإرادة السامية لجلالة الملك والرئيس باراك أوباما، لجعل هذا الإطار آلية للتشاور المتواصل والمنتظم". وأضاف أنه بعد مرحلة الانطلاق، فإن الحوار الاستراتيجي بلغ ذروته، على اعتبار أن مختلف مجموعات العمل عززت روح التعاون، وتمكنت من نسج روابط مباشرة، والعمل سويا على القضايا المشتركة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية. وأوضح الدبلوماسي المغربي أن الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي، التي سيترأسها بشكل مشترك كاتب الدولة الأمريكي، جون كيري، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون، صلاح الدين مزوار، "ستشكل فرصة لبحث التطورات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتنسيق مواقف بلدينا في مختلف المحافل المتعددة الأطراف". ولاحظ بوهلال أن هذه الدورة تأتي أيضا في ظرفية إقليمية ودولية خاصة تشهد تنامي بؤر التوتر، مشيرا في هذا الصدد إلى الأوضاع في ليبيا ومالي واليمن وسورية، وكذا تهديدات الجماعات الإرهابية من قبيل "داعش" و"بوكو حرام".