الجريمة الجديدة التي اقترفتها عصابات"داعش"، بقتلها 21 عاملا مصريا قبطيا على الشاطئ في ليبيا، كانت وحشية، مرعبة وهمجية. بعد مجزرة"شارلي ايبدو"وسط العاصمة الفرنسية باريس، وبعد جريمة حرق الطيار الأردني الشاب معاذ الكساسبة، يرتكب القتلة المجرمون مجزرة أخرى في ليبيا، ولا يترددون في تصويرها وبث الشريط على العالم كله، وغالبية من أتيحت لهم فرصة مشاهدته عبر الانترنيت لم يستطيعوا إكمال المشاهدة أو تحمل بشاعة البربرية. ما هي هذه الرسالة التي يمكن لهؤلاء المخبولين أن يوجهوها"للغرب المسيحي"أو للجنرال السيسي من خلال تصوير جريمة قتل عمال بسطاء أبرياء بدم بارد؟ هذه ليست رسالة، وإنما هي تأكيد على الوحشية والهمجية و... الإجرام، ولا يمكن لكل ذي عقل أو حس إنساني إلا أن يدينها بقوة، ويقف إلى جانب مصر وشعبها معزيا ومتضامنا ومساندا... الضحايا هم عمال فقراء قادهم واقعهم الاقتصادي والاجتماعي إلى البحث عن لقمة العيش لهم ولأسرهم في الجارة ليبيا، وهم لا يمثلون عدوا مسلحا يخوض مع القتلة حربا في الميدان، وإنما هم أشخاص بسطاء يكدحون خارج وطنهم من أجل العيش الكريم... الضحايا هم مصريون أولا وقبل كل شيء، وقتلهم هو جريمة قبل أن يكون رسالة لأحد، وكل الشعب المصري الذي يعيش هذه الأيام الحداد اعتبر قتلهم استهدافا له بمختلف طوائفه وفئاته، مسلمين وأقباط وغيرهم، بل إن العالم برمته لا يمكنه اليوم إلا أن يصطف إلى جانب أسر الضحايا ويتقبل العزاء، ويقف إلى جانب مصر في الدفاع عن أمنها واستقرارها، وعن حياة مواطنيها وأمنهم. عصابات"داعش" تصر أيضا على تصوير جرائمها البشعة وتشيع مشاهد القتل الهمجية وسط الجمهور وبتقنيات ذات جودة مهنية عالية، وهذا أيضا جانب يفرض يقظة وسائل الإعلام، وخصوصا الإلكترونية منها، كي لا تتحول إلى مروج لإستراتيجية إجرامية تخدم أجندة التنظيم الإرهابي وترهيبه للدول والشعوب وترويعها وابتزازها، بالإضافة إلى أن ما وصلته جرائم"داعش"اليوم من بربرية تحتم تطوير أساليب المواجهة من لدن المجتمع الدولي والبلدان، سياسيا وأمنيا واستخباراتيا، ولكن أيضا فكريا وثقافيا ودينيا وتنمويا، أي عبر مقاربة شمولية واستباقية تسعى إلى هزم الإرهاب والقضاء على مسبباته... اليوم تخلف التعليم في البلدان العربية وضعف الوعي الثقافي والديني يعتبران سببا رئيسيا في تنامي جاذبية الأفكار المتطرفة وسط الشباب، وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وسيادة الاستبداد والهيمنة والتحكم والانغلاق يمثلان أيضا سببا لتفاقم التوتر والغضب داخل المجتمعات، ومن ثم يدفعان إلى البحث عن مخارج وحلول في التطرف وفي ... السماء، وهناك كذلك الفقر وانسداد الآفاق أمام الشباب واستشراء الفساد والريع، وهذا كله يعتبر منبتا لأفكار التطرف والانغلاق و... الإرهاب. هنا يجب أن تعمل الدول، داخليا وفي إطار التعاون الإقليمي والدولي، من أجل محاصرة أفكار التطرف وتجفيف منابعها، والحرص على تعزيز ثقافة الحوار والديمقراطية والانفتاح... الإرهاب يستهدف بالذات هذه القيم الكونية، ولهذا هو يهدد العالم كله، فبالأمس ضرب في فرنسا ثم في الأردن واليوم في ليبيا، وقبل ذلك ضرب المغرب وأمريكا وإسبانيا، وينشر جرائمه يوميا في سوريا والعراق وفلسطين ولبنان، وفي بلدان الساحل جنوب الصحراء، وفي إفريقيا، وفي غير هذه المناطق... هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته