احتضنت مدينة الدارالبيضاء معرضا جماعيا، يمثل شهادة لخمسين سنة من الفن التشكيلي المغربي. ويقام هذا المعرض في فترة تتميز بانفتاح الفن التشكيلي على الجمهور العريض، سواء من خلال ازدياد عدد المعارض التي تقام في المغرب أو من خلال تطور المتاحف وفضاءات العرض، أو من خلال الدعم الموجه لهذا المجال، وافتتاح متحف محمد السادس للفنون الحديثة والمعاصرة، و»هذا اعتراف بالدور المركزي للفن التشكيلي في الفضاء العمومي». اقيم هذا الحدث الفني الذي نظمته الجمعية المغربية للفنون التشكيلية بمشاركة النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين، الذي افتتح يوم السبت 10 ديسمبر الماضي، في لحظة تشرئب فيها أنظار عالم الفن نحو المشهد الفني في المغرب، وتحديداً نحو تنظيم معرض مغربي للفن الحديث والمعاصر في «معهد العالم العربي» في باريس، والافتتاح المهيب لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر في الرباط. ويمثل هذا المتحف حسب ما ورد في كلمة للفنانين التشكيليين التي قدمها محمد المليحي، رئيس الجمعية المغربية للفنون التشكيلية، وعبد الحي الملاخ، رئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين: «انعطافة مفصلية إذ يشي بوضوح للحدّ من مرحلة التخبط والارتباك في الاعتراف بالتجارب الإبداعية، والارتجال في القيم الفنية، للانفتاح على عصر أكثر وعيا وإدراكا لما يتعين أن تكون عليه الممارسة الفنية في المغرب». وفي شهادته قال الفنان التشكيلي الرائق عبد السلام أزدام: «تظاهرة اليوم حدث كبير في الفن التشكيلي المغربي. حيث تبيّن الغنى الإبداعي التشكيلي في المغرب على طول ال 50 سنة الأخيرة. أتاح لنا هذا المعرض النظر في أساليب إبداعية من حيث البحث وعلى مستوى الجودة مقارنة مع بلدان أخرى». أزيد من مئة اسم فني تشكيلي، كان للمكتبة الوسائطية، في الدارالبيضاء، وفي رواقها الخاص بالفن التشكيلي، سعادة الاحتفاء بهم واحتضان أعمالهم. أسماء أضاءت سماء التشكيل المغربي صباغة ونحتا وتركيبا، أسماء شابة وأخرى بلغ بها العمر عتيا، واشتعل القلب فنا، أسماء لا يسعنا هنا ذكرها بالكامل (محمد المليحي، شفيق الزكاري، عزيز أزغاي، عبد العزيز الشرقاوي، لحسن طلال، عبد الكريم بلمين، ريم اللعبي، طاهر بنجلون، عبد الحي الملاخ،بن يونس عميروش، وآخرين أتحفوا الفضاء الفني والثقافي والتشكيلي المغربي صباغة ونقدا أحيانا). عن أعمال واشتغال بعض من هذه الأسماء: محمد أمين المليحي يجعل من السند، حقلا رمزي (مليئا بالرموز)، مُسْكن بمواضيع متخمة بالمعاني. الرموز الآخذة إلى الجوهر وتنفلت في الفوضى، فوضى التخيل. في هارمونية مُسْعدة. مسقاة تُحفوية، لخصوبة في زمن الجفاف اللاأنطولوجي. لائق به أن يجعل لنفسه مصدرا وحيدا لتأملاته الجديرة بالثقة. حكيم غيلان: بتحالف متين، بين الحرث المتواصل وتحدي البساطة. حكيم غلان، في عمل دؤوب لإعادة إنتاج إيكونوغرافيا راسية بعمق في الانفعالية والذاكرة، العائلية، وأحيانا أنتيمية، وليست أبدا زائدة. شفيق الزكاري: يَنطلق اشتغال الفنان شفيق الزكاري داخل عمله الصباغي، من تلك المُحاولة المُخصَبَة ببَراءة لا أجد كيف أتحدت عنها- وهي مُحاولةُ اِلتِفافٍ للتَّحَكم بمَدلولات الواقع الحياتي، ومُحاوَلة فَهمِه وتَعَديه، عبر جَمالي لا يُخْضِع هذا الواقع بالضَرورة إلى مَوْضَعَتِه في غَير فِعله المعيشي، بفَنية تلتَفِت إلى نَفسها أكثر مما تَلتفِت إلى أي نَسَق إيديولوجي أو أسطوري . وهو ما يَهب لوحَته تلك القُدرة اللا بَأس بها على كسر أفق انتظار المتلقي دائما. غير أننا نطرح عدة أسئلة ذات أهمية بليغة الطرح، على اثر هذا المعرض، أسئلة من قبيل: لماذا هذا العدد المحدد من الفنانين رغم أن هناك كما هائلا من التشكيليين المحترفين في المغرب يضاعف هذا الرقم؟ وألن يكون هذا المعرض الذي ترعاه الوزارة، تحت الرعاية الملكية، تكريسا لأسماءٍ بعينها، على حساب أخرى؟ ومن أمكنه تحديد تاريخ التشكيل في هذا البلد في هذه الفترة التي لا تتجاوز نصف قرن؟ وألسنا في هذا التحديد نؤرخ انطلاقا من بزوغ إحدى الجماعات التشكيلية المشهورة؟ عن بعض هذه الأسئلة أجاب عبد السلام أزدام: «عندي ملاحظة أراها هامة. أولا ال 125 تشكيليا المشاركين في المعرض ليسوا الوحيدين الممثلين للفن التشكيلي المغربي. هناك عشرات من الفنانين الآخرين المحترفين والذين يمتلكون مواهب، ولم تتم دعوتهم سواء عبر التجاهل أو لسبب آخر. ومن جهة ثانية فالمكان المختار لا يمثل أبدا سينوغرافيا تصل لمستوى الحدث. أما الناقد والفنان التشكيلي عزيز أزغاي فيرى أنه على الرغم من أن هذا المعرض لا يقدم أعمال مجمل الفنانين المغاربة، وهذا حسب رأيه غير ممكن، إن لم يكن صعب التحقيق كما أردف، إلا ان ذلك في وجهة نظره لا يمنع من صورة قريبة من حقيقة الواقع الفني المغربي. إن في بعده الجلي، أو من خلال تنوع إبدالاته الجمالية واتجاهاته الفنية. أسئلة وغيرها.. لا يسعنا كتابتها، ولا الإجابة عنها.. غير أنه لابد من القول بكون هذا المعرض، يمثل سابقة من نوعه، على صعيد الحمولة التاريخية للحدث، ومن جهة ثانية على مستوى سعة السياق الفني الذي يشمله العرض. كما جاء في الكاتالوغ المصاحب له. * كاتب صحافي