ساحة كبرى للصراعات الإستراتيجية الإيرانية والإسرائيلية والدولية يفرض البحر الأحمر نفسه ساحة كبرى للصراعات الإستراتيجية الإيرانية والإسرائيلية والدولية الباحثة عن موطئ قدم في قلب منطقة الأمن العربي. وأهمية هذا الممر المائي وموقعه الاستراتيجي يكشفان الكثير من أسرار الصراعات الدائرة اليوم في المنطقة، وخصوصا الدعم الإيراني الكبير للحوثيين في اليمن، للسيطرة على باب المندب، والتقارب الإريتري الإسرائيلي، فضلا عن الجهود الأميركية والأوروبية لفرض مبدأ التدويل على البحر الأحمر. ويحتلّ البحر الأحمر أهمية استراتيجية كبيرة، في منظومة عدد من الدول العربية، ولم يكن محل تهديد خطير في كثير من المراحل التاريخية، لأنه كان بحرا شبه عربي بامتياز، حيث غالبية الدول المطلة عليه من الجانبين تنتمي للقومية العربية، باستثناء إريتريا. عملية التهديد القوية، برزت عقب زرع إسرائيل في المنطقة، وجريها وراء توسيع البقعة الصغيرة المطلة عليه "ميناء إيلات"، والسعي لزيادة نفوذها، بعد حرب يونيو 1967، حيث خاضت ضد مصر سلسلة من المعارك، لتمديد طموحاتها في البحر الأحمر، سواء من خلال محاولات فاشلة لتكريس احتلال مناطق في جنوب سيناء، أو عبر التفاهم مع دول غير عربية، لتقليص المزايا التي يكسبها هذا البحر لمصر، خاصة عندما أجادت استثماره بالتعاون والتنسيق مع دول عربية، وأغلقته من مضيق باب المندب في حرب أكتوبر، الأمر الذي أثّر على موازين القوى الإقليمية والدولية آنذاك. الحرب الدائرة الآن في اليمن، جددت الهواجس الأمنية العربية، القادمة من البحر الأحمر، خاصة عندما تصاعدت وتيرة المعلومات التي حذّرت من تحركات إيرانية مريبة عند مضيق باب المندب، الذي يتحكّم في المدخل الجنوبي لهذا البحر، ودعمها لجماعة الحوثيين، التي نجحت في السيطرة على مفاصل أمور كثيرة في اليمن، بصورة جددت المخاوف العربية، وعلى رأسها مخاوف مصرية وسعودية، بشأن محاولات إيران للهيمنة على البحر، الذي يعتبره كثير من خبراء الاستراتيجيا العسكرية، بحيرة عربية. وكانت مصادر مصرية، كشفت ل"العرب" أنه تم بالفعل رصد تواجد قطعتين بحريتين تابعتين لإيران في منطقة عدن، بالقرب من باب المندب، لكن المصادر استبعدت أن تشكل هاتان الوحدتان، نواة لقاعدة عسكرية إيرانية باليمن في الوقت الراهن. وأوضحت المصادر، أن القوات المسلّحة، عمدت في الآونة الأخيرة إلى تعظيم قدراتها البحرية للإبقاء على مصر كأكبر قوة بحرية في منطقة الشرق الأوسط، عبر إدخال عدد من القطع العسكرية البحرية إلى أسطولها، مشيرة إلى أن من بين التحركات المصرية، إدخال غواصتين في سلاح البحرية سبق التعاقد مع الجانب الألماني على بنائهما، وأن مصر بالفعل تسلمت الغواصتين، وفي طريقها لاستلام أخريين من ألمانيا أيضا. وكانت القاهرة قد تعاقدت مع فرنسا على بناء 5 مدمرات بحرية (فرقاطات)، سوف يتم بناء إحداهما في فرنسا ذاتها، على أن يتم بناء ال4 الباقين في الترسانة البحرية المصرية، بالقاعدة البحرية الموجودة في مدينة الإسكندرية. وأوضحت مصادر مصرية ل"العرب" أن ما يجري عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، لا يزال في طور المناوشات الإيرانية، أو بمعنى أدق جس النبض، غرضها قياس رد الفعل المصري والسعودي، واختبار لمدى صلابة موقف بعض القوى الدولية، التي في أحد أوجه حساباتها، قد تكون "قابلة" بالمضايقات الإيرانية، لخلق بؤرة توتر جديدة، في خاصرة مصر، يمكن أن تشغلها عن مد بصرها إلى كل من العراق وسوريا والخليج العربي. هلال بحري قالت نفس المصادر ل"العرب"، إن التحركات المصرية الأخيرة بشأن سلاحها البحري، تمت على خلفية تحركات إسرائيلية مريبة، تتسلح ب4 غواصات ألمانية متقدمة، ومزودة بأسلحة نووية، إلى جانب مواجهة البحرية الإيرانية.. وأضافت أن طهران تعتمد في قوتها العسكرية على سلاحين، الأول الصواريخ، لتمكنها من الوصول لعمق إسرائيل، وأي دولة تتصور أنها يمكن أن تكون معادية لها، والثانية البحرية للتواجد بقوة في منطقة الخليج العربي، والبحر الأحمر، والبحر المتوسط مستقبلا، في ظل تنامي علاقاتها العسكرية مع حزب الله اللبناني، فهي ترمي إلى السيطرة على هذا الهلال البحري. تحاول إيران التواجد في منطقة عدن قرابة باب المندب، الذي يقع مضيق على بعد ثلاثة كيلومترات من إريتريا واليمن، وتشكل أقرب نقطة إلى خليج عدن، الذي يربط بين قناة السويسوالبحر الأحمر إلى المحيط الهندي، وممر لناقلات النفط وسفن الشحن في المناطق الأفريقية وجنوب غرب آسيا. وأكّد علي حفظي، الخبير العسكري المصري، أن القوى الدولية لن تسمح بتمركز نفوذ عسكري لطهران في مدخل البحر الأحمر، الذي توجد على مسافة قريبة منه جملة من الأساطيل الدولية العملاقة. وقال حفظي، في تصريحات خاصة ل"العرب"، إن هناك تقديرات موقف استراتيجي يقوم بها جهاز المخابرات العامة والمخابرات الحربية والجيش المصري، حول التحركات الإقليمية للقوى الفاعلة في المجال الحيوي والأمن القومي، موضحا أن سياسة مصر الاستراتيجية مبنية على ثلاث ركائز ومحدّدات متمثلة في "التوازن والتقارب والتواجد"، وتعمل حاليا على تحقيق هذه الركائز في سياساتها الخارجية، والتي يحددها الأمن القومي المصري. وأضاف اللواء حفظي، أن مصر بدأت مؤخرا تعمل على إحداث التوازن في علاقاتها الاستراتيجية بالقوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي. وشرعت مصر في إحداث عملية تقارب مع عدد من الدول العربية والتنسيق في مجالات الأمن القومي، ومكافحة الإرهاب، خاصة التعاون مع السعودية والإمارات والبحرين والكويت، لافتا إلى أن عملية التقارب الاستراتيجي العربيتحتل أولوية عن السياسة الصدامية، التي يمكن أن تكون فادحة لجميع الأطراف. إريتريا وسياسة الكيل بمكيالين إلى جانب علاقاتها مع إيران تقيم إريتريا علاقات جيدة مع إسرائيل. وكشفت تقارير أن اسرائيل تمتلك وحدات بحرية في مجموعة جزر «دحلك»، ومحطة للتنصت فوق قمة الجبل الأعلى في إريتريا. وبحسب صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، فإن «حكومة إريتريا الصغيرة، تقيم علاقات مع، إيران واسرائيل، من أجل الحفاظ على وضع إقليمي جيد ضد الجارة الكبيرة إثيوبيا، التي استقلت عنها عام 1991»، وأيضا تقيم الدولتان "العدوتان" علاقات مع الدولة الصغيرة، لموقعها الاستراتيجي الهام، بسبب سواحلها على البحر الأحمر، وإطلالها على مضيق باب المندب، الذي يمثل البوابة الجنوبية للبحر الأحمر. وكشفت تقارير استخباراتية أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت فى تحويل ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة إيرانية. في سياق متصل، يرى طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن إيران تتحرك كدولة إقليمية متغطرسة، وتقوم بمد نفوذها حول مناطق النفوذ التقليدية، التي تشكل أحد الركائز الاستراتيجية العسكرية لمصر. ونوّه إلى أن طهران نجحت في التواجد بقطاع غزة، من خلال علاقاتها بحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتسعى إلى ترسيخ تواجدها في البحر الأحمر، عبر الحوثيين، كما نجحت في التواجد بلبنان عن طريق حزب الله، وشيدت علاقات قوية لها في دول حوض نهر النيل، من خلال استثماراتها السخية، ومحاولة تكوين بؤر شيعية، مستفيدة من حالة الفقر فيها. وشرح فهمي، ل"العرب"، تكتيكات إيران لتوسيع نفوذها، قائلا إنها اعتمدت على تقديم المساعدات الاقتصادية، والنفط والمساعدات العسكرية لمنطقة الأحزمة الاستراتيجية. وأوضح أن طهران تستهدف بسط نفوذها على الممرات المائية العربية، لاسيما الخليج العربي والبحر الأحمر، كما أن تحركاتها في منطقة القرن الأفريقي، تؤثر بشكل كبير على التواجد المصري والسعودي، منوها إلى أن هناك تعاونا قويا بين القاهرةوالرياض للحد من هذه التحركات، قبل استفحالها. ولفت أستاذ العلوم السياسية، إلى أن الدعم الإيراني القوي للحوثيين، أصبح يشكل خطرا على منطقة قناة السويس، خاصة أن دور القناة يتعاظم كمحور تنموي اقتصادي واستراتيجي لمصر، وأن أهمية منطقة باب المندب لمصر غير خافية على أحد نظرا للدور البارز لهذا المضيق في حرب أكتوبر. وكانت مصادر مصرية، قالت ل"العرب" إن الدوائر الأمنية في القاهرة، بدأت تحذر من التهديدات الإيرانية على وحدة الأراضي السعودية، عقب نجاح طهران في التواجد كلاعب رئيسي في اليمن، صاحبة الحدود الكبيرة مع المملكة، مؤكدة أن التحذيرات أخذتها الرياض محمل الجد، وضاعفت من تعاونها مع القاهرة في هذا الشأن. تدويل البحر الأحمر يمثّل البحر الأحمر حلقة الوصل بين أوروبا والشرق الأدنى والأقصى فهو يصل البحر المتوسط بالمحيط الهندي، لذلك فهو يعتبر شريان التجارة العالمية وفي مقدمتها النفط. لذلك تنبهت الدول الواعية لمصالحها وتحركت منذ وقت مبكر لاستغلال ذلك الموقع الاستراتيجي المهم وفي مقدمة ذلك الولاياتالمتحدة، وقبلها القوة الاستعمارية الأوروبية، بريطانياوفرنسا وإيطاليا، فأقامت القواعد وأرسلت الأساطيل، التي تضاعف عددها تحت حجّة محاربة القرصنة. وتشكل عمليات القرصنة خطرا على الملاحة الدولية في المنطقة نظرا لكون عشرات الآلاف من السفن تعبر سنويا خليج عدن ومضيق باب المندب. لذلك ترى الدول الكبرى في مكافحة القرصنة داعما قويا لمطالبتها بتدويل البحر الأحمر، وهكذا تتمكن سفنها الحربية من الحركة في مياهه دون قيود. وتراقب سواحل البحر الأحمر، التي يناهز طولها 3700 كلم حاليا، نحو 12 سفينة تابعة للتحالف البحري الذي تشارك فيه الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الأوروبية، وذلك، كما تدّعي تلك الدول، لمكافحة القراصنة. إلا أن هذه الإجراءات تثير القلق لدى عدد من الدول العربية في المنطقة. وحذّر الخبير العسكري طلعت مسلم من تدويل البحر الأحمر، مشيرا إلى أن أي قوة دولية ستتواجد في المنطقة ستكتسب حقوقا قد تستغلها في أمور أخرى بخلاف تأمين الملاحة. قوى إقليمية متصارعة شدد طارق فهمي على أن التحركات المصرية لتحجيم الطموحات الخارجية، وخصوصا الإيرانية، في البحر الأحمر، أصبحت متسارعة، ولا تغيب على صانع القرار الذي وضع جميع الخيارات، بما فيها التلويح بالخيار العسكري، إذا استدعى الأمر، لأن أمن هذا البحر مسألة إستراتيجية لا يمكن التهاون معها، وإذا استمرت طهران في استفزازاتها مرجح أن تتولد نتائج سياسية، يصعب توقع مداها وعواقبها الإقليمية. في هذا المضمار، قال محمد سعيد إدريس، الخبير في شؤون إيران والخليج، إن إيران تنظر لنفسها على أنها قوة إقليمية، وأن حصيلة مفاوضات مجموعة دول "5 + 1′′، منحتها الفرصة لتكون مؤثرة في جميع القرارات والقضايا المتعلقة بإقليم الشرق الأوسط، وبينها قضايا عربية مهمة. وأشار إدريس إلى أن المد الإيراني في منطقة البحر الأحمر، يعدّ بمثابة نجاح لإيران لفرض نفسها على الأساطيل البحرية الدولية، وعلى رأسها الأساطيل الأميركية. وحذّرت المصادر من محاولات تكرار اللعبة السابقة إبان عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والتي أفضت على توريطه في مستنقع اليمن، مع الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، وتشتيت قواته المسلحة، التي أصبحت واحدة من الركائز العربية المهمة، خاصة لدول الخليج العربي، ومحاولة تقليص طموحاته الإقليمية، الأمر الذي تعيه جيدا القيادة المصرية، لذلك تعطي أولوية للأدوات الدبلوماسية مع إيران في اليمن، وفي مناطق أخرى، خشية التورط في مستنقع يؤثر على الأمة العربية بأسرها.