عند نهاية عام ميلادي وبداية آخر، تقام الاحتفالات ويجري تبادل التهاني والهدايا، وهذا لم يعد اليوم حكرا على الشعوب المسيحية والبلدان الغربية، أي أن المناسبة لم تعد، مع توالي السنين، مرتبطة فقط بالطقوس والخلفيات الدينية المسيحية، بل صارت موعدا سنويا يجسد فرح الناس واحتفالهم، وأيضاً تطلعهم الجماعي لغد أفضل. في بلادنا كذلك، لم تعد احتفالات رأس السنة الميلادية محصورة بين المسيحيين المقيمين بالمملكة، أوروبيين وأفارقة وغيرهم، وإنما تخليدها يشهد أيضاً إقبال أسر مغربية عديدة لا تبالي بالبعد الديني لهذا الطقس السنوي المسيحي، وصار عاديا اليوم انتشار مظاهر الاحتفال بالنويل في فضاءات كثيرة من مدننا.. أشجار"السابان" معروضة في عشرات المحلات، وأيضاً الهدايا والحلويات والشوكولاطة وكعكة العيد، والأطفال يتحلقون حول بابا نويل يلتقطون الصور معه ويتطلعون إلى هداياه وإلى المغارة... الأضواء مشتعلة في أكثر من مكان، المطاعم والفنادق والمقاهي تعلن برمجة خاصة بالمناسبة، وتقدم عروضا خاصة... لا يمكن طبعا إغفال السعي التجاري والربحي في كل هذه المظاهر السائدة، وحرص التجار على استغلال المناسبة لجني الأرباح، ولكن أيضا لا يمكن عدم الانتباه، في نفس الوقت، إلى إقبال عدد من المغاربة على الاحتفال والفرح بمناسبة.. النويل. المغاربة، وعلى غرار كثير شعوب أخرى ليست بالضرورة مسيحية، عندما تحتفي بقدوم عام ميلادي جديد، فهي لا تهتم أساسا بالطبيعة الدينية للمناسبة، وإنما هي تصر أولا على الفرح... النويل اكتسب داخل مجتمعنا مع توالي الأعوام معنى الاحتفال، وبات مناسبة أيضاً لاجتماع الأسر والعائلات والأقارب والأصدقاء، وتبادل الزيارات والتهاني فيما بينهم، وتقديم الهدايا للأبناء والأزواج والأحبة، ويمكن لهذا السلوك الاجتماعي أن يكرس كذلك مشاعر إيجابية وسط شعبنا ويقوي ثقافة الانفتاح تجاه بقية الشعوب والثقافات والديانات والتفاعل المنتج معها... من جهة أخرى، تابعنا، بمناسبة النويل، في أكثر من مدينة مغربية، إقامة احتفالات دينية مسيحية بعدد من الكنائس شارك فيها أوروبيون وأفارقة مقيمون بيننا، ولم يخفوا ارتياحهم للتمكن من تخليد عيدهم بكامل الحرية خارج أوطانهم، وهذا أيضاً يبعث صورة إيجابية عن المملكة في كل العالم... وتتيح هذه المناسبة واحتفالاتها تجديد النقاش الحقوقي بشأن ضرورة اهتمام السلطات المغربية اليوم بالحاجيات الدينية والروحية للأجانب الذين اختاروا العيش بين ظهرانينا، وأيضاً لمئات اللاجئين، وأساسا ما يتعلق بتوفير أماكن العبادة، كما اقترح مؤخراً المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أهمية استثمار الانفتاح المجتمعي تجاه المظاهر الاحتفالية بالمناسبات والأعياد المرتبطة بالديانات الأخرى من أجل تقوية ثقافة الانفتاح في المقررات الدراسية وبرامج الإعلام، وذلك بغاية تعزيز ثقافة وقيم الحرية وحقوق الإنسان وسط شعبنا وشبابنا... احتفالات المسيحيين المتواجدين في بلادنا بأعيادهم وطقوسهم وممارسة عباداتهم بكامل الحرية، وأيضاً توافد عشرات اليهود المغاربة القادمين من كل قارات العالم على المملكة لزيارة أضرحتهم وتخليد أعيادهم الدينية كل سنة في كامل الأمن والطمأنينة، ثم ترحيب المغاربة المسلمين بهذا التنوع والثراء، وانخراطهم أحيانا في بعض هذه الاحتفالات وتهنئة المؤمنين بها، كل هذا يجسد الهوية الحقيقية للمغرب والمغاربة، ويقدم المعني الفعلي لتميز النموذج الحضاري والثقافي المغربي، ولفرادته. المغاربة يصرون على الفرح والاحتفال وعلى... التنوع. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته