انتقد الرئيس الأميركي باراك أوباما وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي" واتهمها مجلس الشيوخ بالكذب بشأن عمليات تعذيب معتقلين على صلة بتنظيم القاعدة في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وذلك وسط انتقادات ومطالبات بمعاقبة المسؤولين عن عمليات التعذيب. وقال تقرير أعدته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ إن تصرفات عملاء وكالة الاستخبارات المركزية عقب أحداث 11 شتنبر كانت أكثر قسوة مما كان معروفا من قبل. ومن أهم ما توصل إليه التقرير أن التقنيات التي استخدمتها "سي آي أي" أثناء الاستجواب لم تكن وسيلة فعالة للحصول على معلومات، وأن تبرير الوكالة لهذه التقنيات كانت تستند إلى تأكيدات غير دقيقة. وأشار التقرير أيضا إلى أن التحقيقات وظروف اعتقال المحتجزين كانت أقسى مما أقرت به الوكالة. وتوصل تقرير مجلس الشيوخ إلى أن الوكالة أعاقت إشراف الكونغرس على برنامجها، وعرقلت عملية اتخاذ القرار في البيت الأبيض ومراقبته الأمور، كما عرقلت مراقبة مكتب المفتش العام لأعمالها. وفي أول رد فعل له على فحوى التقرير ندد الرئيس باراك أوباما بما عده وسائل "مخالفة" لقيم الولاياتالمتحدة، وذلك في إشارة إلى تقنيات الاستجواب العنيفة التي استخدمتها "سي آي أي" بحق معتقلين متهمين بالعلاقة مع القاعدة. وأصدر أوباما بيانا مكتوبا تعهد فيه بألا يتكرر استخدام وسائل التحقيق القاسية ما دام موجودا، مشيرا إلى أن تلك الأساليب أحدثت أضرارا بالغة بالمصالح الأميركية في الخارج، ولم تخدم الجهود العامة لمحاربة ما يسمى الإرهاب. وقد أكد المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آرنست أن الولاياتالمتحدة مستعدة لمواجهة التهديدات الأمنية المحتملة بعد نشر تقرير الكونغرس. وقد دافع العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي جون ماكين عن قرار رفع السرية عن أجزاء من تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بشأن أساليب التعذيب التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مع المعتقلين في ما تسميها "الحرب على الإرهاب". وقلل ماكين خلال جلسة لمجلس الشيوخ من أهمية التحذيرات من نشر التقرير واحتمال استخدامه ذريعة من قبل الجماعات المتطرفة لشن هجمات وارتكاب أعمال عنف. وكانت الحكومة الأميركية حذرت قبل أيام مجلس الشيوخ من نشر تقرير حول أساليب التعذيب التي انتهجتها "سي آي أي" أثناء الحرب على ما يسمى الإرهاب في عهد الرئيس السابق جورج بوش (2001-2009). وخلص التقرير الاستثنائي لمجلس الشيوخ الأميركي -والذي اعترضت عليه فورا وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية- إلى أن استخدام تقنيات الاستجواب "المشددة" التي اعتمدتها الوكالة بعد أحداث شتنبر لم يسمح بإحباط تهديدات وشيكة بتنفيذ اعتداءات. ويتهم التقرير في عشرين خلاصة ال"سي آي أي" بأنها أخضعت 39 معتقلا لتقنيات وحشية طوال سنوات عدة وبينها تقنيات لم تسمح بها الحكومة الأميركية، وتم تعدادها بالتفصيل في التقرير الذي يتألف من 525 صفحة قامت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ التي يسيطر عليها الديمقراطيون باختصاره ونشره. وفي متابعته لتداعيات التقرير قالت مصادر، إن الأصداء كانت مدوية منذ اللحظات الأولى من نشر ملخص بنحو 480 صفحة عن التقرير الأصلي الذي يتكون من ستة آلاف صفحة. وقد أدان وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني أساليب الاستخبارات الأميركية المتعلقة باستخدام التعذيب لاستجواب مشتبه بهم، ووصفها ب"غير المقبولة" ولا تتوافق مع ديمقراطية وقيم الولاياتالمتحدة. وفي كراكوف (جنوب بولندا) أعلنت النيابة العامة التي تحقق في ملف السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بولندا مساء الثلاثاء أنها ستطلب الحصول على نسخة من تقرير مجلس الشيوخ الأميركي حول أساليب التعذيب التي استخدمتها الوكالة. وقال المتحدث باسم النيابة العامة بيوتر كوزماتي بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية "سنطلب من الجانب الأميركي أن يرسل إلينا النسخة الأصلية من هذه الوثيقة. وأضاف أن "هذه أول وثيقة من مؤسسة تابعة للدولة الأميركية بهذا المستوى، وبالتأكيد فإن النيابة العامة في كراكوف تريد الاستفادة منها في تحقيقاتها". وفي الإجمال، فإن 119 معتقلا أسروا وسجنوا في إطار هذا البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مواقع أطلق عليها اسم "المواقع السوداء" في دول لم يتم تحديدها، ولكنها تشمل على ما يبدو تايلند وأفغانستان ورومانيا وبولندا وليتوانيا. ولم تعترف بولندا رسميا أبدا باستضافة سجون سرية ل"سي آي أي"، غير أنها أدينت في يوليوز الماضي أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتهمة "التواطؤ" في تعذيب فلسطيني وسعودي على أراضيها. وكانت الدعاوى التي رفعت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ كشفت عن تورط عدة دول أوروبية في قضية السجون السرية التي استخدمت للتحقيق وتعذيب مشتبه فيهم بعد أحداث ال11 من شتنبر.