بين إعلانات متتالية هذه الأيام عن إضراب وطني عام تخوضه مركزيات نقابية وتصريحات ساخنة تخرج عن هذا الحزب المعارض أو ذاك، ثم تصريحات مضادة تصدر عن الحكومة أو عن أغلبيتها، وأيضا أخبار عن ندوة داخلية يقيمها الوزراء لتمتين التنسيق والمناقشة، يبدو الدخول السياسي غير خال من الإثارة، فضلا عما يعلقه عليه طبعا المغاربة من آمال. بعد أسابيع قليلة سيجري افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية وستستأنف المؤسسة التشريعية عملها بدراسة وإقرار الميزانية الجديدة، علاوة على ما سيتضمنه جدول أعمالها من نقاط ومشاريع ونصوص، وهنا لن يكون المطلوب هو التراشق الكلامي بين الأطراف الحزبية، وإنما الأطراف السياسية والبرلمانية كلها مجتمعة مطالبة باستنفار إمكاناتها لإخراج القوانين التنظيمية وصياغة مختلف التشريعات المقترنة بتطبيق مضامين الدستور الجديد. أما دراسة قانون المالية والتصويت عليه، فيجب أن يمثل مناسبة لتفعيل حوار سياسي واقتصادي عميق وجدي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لشعبنا، وخصوصا فئاته الفقيرة والمتوسطة. إن الأوضاع الاقتصادية للبلاد والتحديات المفروضة عليها معروفة لدى الجميع، وأيضا هوامش المناورة المتاحة بارتباط مع السياقات الإقليمية والدولية الواضحة، وبالتالي فلا مجال هنا لأي مزايدات أو"تقطار الشمع"على الحكومة أو على سياستها الاقتصادية. دراسة الميزانية مناسبة لإنتاج جدل اقتصادي وفكري وسياسي منتج، وأيضا لبلورة صراع بين الأفكار والسياسات العمومية، أما تحويل المداخلات في البرلمان إلى مقالات مستنسخة من الصحف أو مزايدات لفضية بلا اجتهاد، فهذا ببساطة سلوك غير جدي. فعلا، قد يكون هذا العام عاما انتخابيا أو العام الذي سيليه، وهذا له أثره السلبي أيضا على ممارستنا السياسية والحزبية والبرلمانية، حيث سيزيد من حدة السجال والتراشق، وإذا سمحنا لهذا أن يطغى على مناقشاتنا البرلمانية والإعلامية والسياسية، فسنكون قد أضعنا على بلادنا فعلا فرصة ثمينة. البلاد مطالبة بإنجاز كثير إصلاحات تشريعية وتنموية وسياسية، والوقت حاسم على هذا المستوى ولا يسمح بتضييعه، ولهذا فالعلاقات بين الفرقاء الحزبيين تحتاج إلى كثير جدية واحترام و...مصداقية للدفع بهذه الأوراش إلى الأمام والى التحقق على أرض الواقع. فعندما يتحدث الكثيرون اليوم عن اختلالات منظومة التعليم، أو عن التشغيل وتوسع البطالة، أو عن ضرورة الإصلاح المستعجل لأنظمة وصناديق التقاعد والمقاصة، أو أيضا عن الإصلاح الجبائي، فكل هذا يتطلب انكبابا فعليا عليه، وبالتالي إنجاز الإصلاح وليس فقط الكلام عنه. هنا الحكومة مطالبة بتحمل المسؤولية والتحلي بشجاعة المبادرة والتنفيذ، ولكن أيضا المعارضة والنقابات مطالبة بتطوير مقارباتها وانخراطها الوطني في إنجاز هذه الإصلاحات الإستراتيجية لأن مستقبل البلاد مرتبط بها وبإنجاحها، والجميع يدرك أن الإصلاح هنا لا مفر منه، ولابد من الإقدام عليه. الدخول السياسي الجديد يجب أن يرتبط بالجدية وبعلاقات الاحترام بين الفرقاء والمؤسسات، وبتقوية الاستقرار في بلادنا وتعزيز الانخراط الجماعي في مسلسل الإصلاح. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته