يمكن للجلسات الشهرية التي تعقد في غرفتي البرلمان، تطبيقا لأحكام الدستور الجديد، لمساءلة رئيس الحكومة أن تشكل لحظات حوار سياسي عميق بين المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وتجعل المناسبة فرصة لتدارس وتحليل السياسات العمومية، وأيضا مقارعة أطروحات الحكومة ببدائل جدية يفرضها كذلك الدور المنوط بالمعارضة بموجب منطوق القانون الأسمى للمملكة. لكن، عندما تتحول الجلسات المذكورة إلى مناسبات للحروب الصغيرة، والسجالات العقيمة حول الحصص الزمنية للتدخلات، وإلى مناسبات للتلويح بكلمات وتعابير تقترب كثيرا من السباب والشتيمة، أكثر من اعتمادها على معاجم السياسة وجدية القول، فإن الخسارة تصيب الجميع، ويكون الكل قد ساهم في المزيد من الإحباط لشعبنا وشبابنا. ليس المقصود من الكلام هنا اختفاء المعارضة أو التضييق على نقدها للتدبير الحكومي، إنما المطروح اليوم على طبقتنا السياسية بكاملها هو أن تدرك حجم التحديات المطروحة على البلاد، في الاقتصاد والتنمية والاحتياجات الاجتماعية لشعبنا، وفي السياسة والتخليق ومحاربة الفساد وغيرها، ومن ثم أن تستثمر ما هو متاح من وقت بغاية كسب الرهان، وبالتالي إنجاح عبور بلادنا لكل الزوابع، والمواجهة الجماعية لكل المفسدين ولوبيات مناهضة الإصلاح. بدورها الحكومة مدعوة اليوم لتركيز الجهد والاهتمام على أولويات المرحلة، وعلى القضايا التي تحظى بانشغال واهتمام أوسع فئات شعبنا، والمستضعفة منها بالخصوص، وتدقيق مقاربات التدبير والتواصل، والحرص على أن تكتسب النفسية العامة في مجتمعنا طمأنينتها وتفاؤلها، وأن تستعيد الدينامية السياسية والاقتصادية حيويتها. ولهذا، فإن جلسات البرلمان مع رئيس الحكومة يجب أن تكون مناسبة لنقاش سياسي حقيقي وعميق، هدفه التقويم المستمر للتجربة التدبيرية، وطرح البدائل والبدائل المضادة في السياسات العمومية، وكل هذا من منطلق وحيد هو التقدم بهذه البلاد إلى الأمام. أول أمس في مجلس المستشارين، لم يتردد رئيس الحكومة في القول بأنه ليس له أية غضاضة في أن يعترف بأن هناك وضعا ليس على ما يرام، والحكومة تطرحه للنقاش، ويمثل هذا التأكيد دعوة لكل الأطراف الحزبية والبرلمانية للابتعاد عن لغة المزايدات والشعبويات العقيمة، والنظر للأمور بواقعية وعمق وجدية. المعطيات والأرقام والتفاصيل التي استعرضها رئيس الحكومة، وقبله بأيام وزير الاقتصاد والمالية، وزميله المكلف بالميزانية ومسؤولين آخرين، هي ليست وليدة الأسابيع الأخيرة، كما أن الصعاب لم يفرزها تدبير الحكومة الحالية لوحده، بل إن الأوضاع أنتجتها ممارسات وإجراءات تعود كذلك إلى ما قبل الحكومة الحالية، ونحن نرى اليوم قياديين في المعارضة يوزعون الاتهامات على وزير مالية سابق، وعلى قرارات سابقة، وكل هذا يقتضي، منطقيا، على الأقل التحلي بالتواضع، وتفادي تحميل كل التبعات والانعكاسات لتدبير حكومي لم يدم سوى شهور قليلة، وفي سياقات سياسية ومالية معروفة لدى الكل. إن إنجاح التجربة الديمقراطية المغربية مسؤولية الجميع إذن، والبداية من البرلمان ومن لدن الطبقة السياسية والحزبية. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته