نشرت بعض الجرائد الورقية والإلكترونية مقالات بشأن تفعيل جزاءات في حق أعضاء مجلس النواب المتغيبين عن الجلسات العامة للمجلس، والجلسة الشهرية التي يسائل فيها المجلس رئيس الحكومة بمقتضى المادة 100 من الدستور. وقد تقاطعت هذه المقالات، أو بالأحرى اتفقت في الافتراء على الفريق الاشتراكي بمجلس النواب واتهامه دون موجب حق، وقلبا للحقيقة، بعرقلة عقد الجلسة الثالثة لمساءلة رئيس الحكومة، وعدم الامتثال لإجراء تسجيل أعضاء المجلس المتغيبين عن الجلسات العامة. ويستغرب الفريق عدم مراجعة هيئاته، باعتبارها أحد المصادر التي كان من المتعين الرجوع اليها عند كتابة أخبار هو موضوعها، أو على الاقل طرف أساسي فيها. وإذ يوضح الفريق الاشتراكي أن ما نشرته هذه الجرائد لا أساس له من الصحة وغير مطابق لوقائع الأمور، وإذ يدرك الأهداف المبيتة لهذه الحملة الإعلامية المتناسقة والمحبوكة، المجانبة لأخلاقيات مهنة الصحافة، فإنه يقدم التوضيحات التالية إلى الرأي العام الوطني. I- في شأن تفعيل ضبط غياب أعضاء المجلس عن الجلسات العامة: 1 - يؤكد الفريق الاشتراكي أن رؤيته لمعضلة غياب البرلمانيين وضعف الأداء البرلماني، لا يمكن اختزال أسبابهما ومعالجتهما في مجرد تسجيل الغياب والحضور، وإشهار أسماء المتغيبين والاقتطاع من تعويضاتهم، بل تتعدى ذلك إلى الإشكال المزمن والمتمثل في ضعف النخب ومسؤولية الأحزاب السياسية في اختيار من ترشحهم للمسؤولية التمثيلية، وفي مدى توفرهم على الوازع الأخلاقي وبراءة الذمة من عدمه، ومدى الإيمان بضرورة أداء الواجب العمومي والوفاء بالأمانة. وتسجل المعارضة الاتحادية أن استمرار غياب أعضاء الحكومة عن جلسات مجلس النواب، يزيد من تكريس هذا الضعف كما ينم عن استخفاف حكومي بالسلطة التشريعية. فعلى سبيل المثال لم يتجاوز عدد الوزراء الحاضرين في جلسة 23 يوليوز التي حضرها أكثر من مائتي برلماني، أربعة وزراء بمن فيهم وزير العلاقة مع البرلمان. ولا تخفى أهمية حضور الحكومة الى البرلمان في المساءلة والمحاسبة وطرح قضايا المواطنين للنقاش العمومي، فضلا عن أنه واجب دستوري. 2 - يذكر بأن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان السباق خلال الولايتين من 1997 إلى 2007 ،وهو يتولى رئاسة مجلس النواب، إلى تفعيل مسطرة إعمال الجزاءات في حق المتغيبين، وهو الإجراء الذي قوبل آنذاك بحملة رفض واسعة على الرغم من توفير كافة الآليات العصرية لحصر الغياب والحضور . وقد انطلق الاتحاد من رؤية شاملة ومن إرادة في تخليق الحياة العامة، وإثارة انتباه الأحزاب السياسية إلى مسؤولياتها في هذا الهدف النبيل، ودق ناقوس الخطر إلى ما كان ينتظر العمل السياسي من تراجع. لقد انبرت وقتها ذات الأحزاب وذات الأقلام التي تفتري اليوم على الفريق الاشتراكي، رافضة أن ينضبط البرلمانيون إلى تسجيل حضورهم الإلكتروني، ونفس الرفض قوبل به إجراء التصويت في الجلسات العامة بالوسائل الالكترونية. وعليه، فإنه لا مجال للمزايدة على الفريق الاشتراكي في هذا الباب؛ 3 - وفي الحالة الراهنة يود الفريق الاشتراكي أن يوضح للرأي العام أنه، وخلافا لما نشر في بعض المنابر الورقية والإلكترونية، فإن إجراء تسجيل الحضور والغياب من بين أعضائه أمر معمول به داخليا في الفريق الاشتراكي منذ عدة ولايات تشريعية، حيث يتم ضبط حضور النواب الاتحاديين سواء في اجتماعات الفريق وفعالياته أو في أشغال اللجان النيابية الدائمة أو في الجلسات العامة، وهو إجراء يعتد به في المساءلة الداخلية والمحاسبة الحزبية للمتغيبين، ولا يحتاج إلى تدبيج في الصحف أو ما شابه ذلك؛ 4 - وفي الحالةالراهنة أيضا يؤكد الفريق الاشتراكي أنه وفي اليوم الأول لبدء تفعيل تسجيل الحضور والغياب في الجلسات العامة (جلسة 23 يوليوز 2012)، حرص رئيس الفريق على موافاة رئاسة المجلس شخصيا بلائحة النواب الاتحاديين الحاضرين والغائبين، وكذا لائحة النواب المتغيبين لعذر يعتبر مقبولا وفق المذكرة التي وافت بها رئاسة المجلس الفرق النيابية. ويعكس هذا الحرص من المعارضة الاتحادية في التعامل على أعلى مستويات أجهزة المجلس، إعطاء مصداقية أكبر لهذه العملية التي يتعين إحاطتها بكل أسباب الشفافية وتطويقها بوازع المسؤولية المؤسساتية باعتبارها أحد المداخل ، وأحدها فقط، للتحفيز على الحضور وعلى اعتبار أن الأمر يعني في نهاية المطاف أعضاء في المؤسسة التشريعية مع ما تقتضيه مكانتها من صرامة وجدية . إن انضباط الفريق الاشتراكي لهذا القرار الذي اتخذ على مستوى مكتب مجلس النواب لم يكن ليعفيه من تسجيل ملاحظات على كيفية تفعيله من جهة، وضرورة اتخاذ إجراءات مواكبة لضمان نجاح تفعيله. لقد رأى الفريق أنه كان من الأجدى إشراك رؤساء الفرق النيابية في اتخاذ هذا القرار لأنهم هم الذين أوكل لهم تنفيذه وسيوكل لهم طيلة الولاية. وقد كان حريا الأخذ برأيهم وباقتراحاتهم. 5 - ورأى الفريق الاشتراكي من جهة أخرى أن تفعيل الجزاءات في حق النواب المتغيبين عن الجلسات العامة، ليس إلا جزءا أو حلقة من حزمة إجراءات قانونية وسياسية وإجرائية وجب اتخاذها لضمان تحقيق الهدف المتوخى من ضبط الحضور والغياب. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: ضبط الحضور في اجتماعات اللجان وهو أمر يتم في عدة ولايات، ويتعين ترتيب الجزاءات عليه، ونوعية الإنتاج البرلماني ومدى الانضباط بهدف الرقي بالنقاش العمومي في مجلس النواب من الأمور والقضايا المحلية إلى نقاش سياسي واقتصادي حول قضايا ومواضيع مركزية كبرى، وتطبيق الدستور في ما يخص مكانة وأدوار المعارضة البرلمانية، وفي ما يخص مناقشة مقترحات القوانين المتراكمة والتي لم تتجاوب معها الحكومة وأغلبيتها، وكلها، في حالة مقترحات الفريق الاشتراكي، لا تتطلب لا التزامات ولا أعباء مالية؛ 6 - إن تجويد الأداء والإنتاج البرلماني بعيد عن أن يختزل في عملية تسجيل الغياب والحضور، إذ أنه رهين بفرز نخب سياسية برلمانية مؤمنة بفكرة تحمل أعباء ممارسة الشأن العام دون مقابل مادي، أو ريعي، وتلك مسؤولية الأحزاب السياسية بدءا من التزكية إلى التأطير اليومي في إطار الفرق البرلمانية، والحرص على المساهمة النوعية ليس فقط بالحضور الجسدي الشكلي ولكن الحضور الذي يغني النقاش العمومي ويسهم في إعادة الثقة للعمل السياسي والمصداقية إلى المؤسسات المنتخبة، ويطور آليات الوساطة بين النخب والمواطنين. -7 ومن جهة أخرى يرى الفريق الاشتراكي أن تفعيل فرض الجزاءات عن الغياب عن جلسات مجلس النواب يتطلب اعتماد مقتضيات قانونية إضافية تؤطر على الخصوص، وتجيز الاقتطاعات وتحدد مصيرها ولأي أغراض سترصد، وإن كنا نعتبر أن هذه العملية لا يجب ان تختزل في الاقتطاع المالي. II- في شأن جلسة مساءلة رئيس الحكومة لا حاجة إلى التذكير بأن حضور رئيس الحكومة إلى مجلسي البرلمان لمناقشة السياسات العمومية، هو تطبيق لمنطوق المادة 100 من الدستور، وبالتالي فإنه ليس منة من أي طرف ولا يمكن لأي كان أن يمن به على المغاربة؛ ولا حاجة للتذكير أيضا بأن رئيس الحكومة رغم هذا المقتضى الدستوري لم يحضر إلى البرلمان إلا تحت ضغط المعارضة، وفي مقدمتها الفريق الاشتراكي الذي تشبث بضرورة تفعيل الدستور في هذا الشأن. وفي ظرف ستة أشهر من توليه تدبير الشأن العام، لم يحضر رئيس الحكومة إلى مجلس النواب إلا في جلستين في حين تنص الفقرة الثالثة المادة 100 من الدستور على ما يلي: «تقدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعينه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة على رئيس الحكومة». لقد أجرى الفريق الاشتراكي تقييما للجلستين اللتين أجاب فيهما رئيس الحكومة عن أسئلة الفرق النيابية، وارتأى أنه لا بد من تطوير هذه الجلسة لمنحها النجاعة والفعالية والجاذبية الضرورية، إذ يتعلق الأمر بلحظة وجب أن تخلق نقاشا عموميا يفيد في تطوير السياسة في المغرب. وفي هذا الصدد لا يختلف المراقبون في أن هذه الجلسة تحولت إلى منبر للحكومة والأغلبية تحتكر فيها الكلام بنسبة ثلاثة أرباع (؟) من الزمن المخصص للجلسة، فيما لا يخصص للمعارضة بكل أطيافها سوى الربع من الزمن المحدد لكل جلسة، ما جعلها عبارة عن «مونولوغ» رتيب، فضلا عن كونها لا تستجيب لمقتضيات الدستور في ما يخص دور المعارضة البرلمانية (الفصل العاشر من الدستور وهي مادة مفصلة وهو تفصيل لم يتعمده المشرع بدون غاية خاصة، ثم الفصول 60 و69 و82 من الدستور). ويرى الفريق الاشتراكي، الذي كان صاحب المبادرة في اقتراح المواضيع التي شكلت موضوع جلستي مساءلة رئيس الحكومة، أن المناقشة على النحو الذي جرى في الجلستين السابقتين، قد استنفدت المتوخى منها، إذ يتعين أن تكون الجلسة مناسبة للمساءلة السياسية الحقيقية حول قضايا ذات راهنية ومتنوعة، وتترك فيها للفرق حرية اختيار المواضيع. ومن جهة أخرى يذكر الفريق أن الصيغة التي اعتمدت في الجلستين الاولى والثانية كانت مؤقتة باتفاق جميع الاطراف الحكومة والاغلبية والمعارضة. ذلك أنه عندما تشبث الفريق الاشتراكي في ندوة الرؤساء بضرورة أن تكون هذه الجلسة للمحاورة والمساءلة، وأن تخرج عن الصيغة المعمول بها في جلسة الاسئلة الشفوية، بناء على الدستور وانسجاما مع روحه ومع الدينامية التي ضخها في المؤسسات، في ذلك الوقت، طلب منه أن يتنازل مؤقتا واستثناء عن مقترحاته التي وصفتها الاطراف المذكورة بالمعقولة والجدية على أن يتم الاتفاق على صيغة خلاقة تتناسب وأهمية هذه الجلسة. واستعدادا لعقد الجلسة الثالثة تشبثت الحكومة وأغلبيتها بنفس الصيغة السابقة فتحول المؤقت الى دائم والاستثناء الى قاعدة. ومن جهة أخرى رأى الفريق ضرورة إعمال مبدأ الإنصاف في تناول الكلمة، وتحويل الجلسة إلى إطار لمحاورة حقيقية عوض سؤال عام يليه عرض مطول لرئيس الحكومة. يتناول فيه ما يريد هو، وفي ذلك مجانبة لروح المساءلة. لقد رفض الفريق الاشتراكي منطق التحكم الذي تريد الحكومة والأغلبية الاستمرار في نهجه: التحكم في الزمن والجدولة والمواضيع، وهو ما يفرغ المساءلة من معناها وجدواها. مقابل ذلك تشبثت الحكومة وأغلبيتها بنفس المنهجية السابقة لذات غايات التحكم، وبنفس الرغبة في الانفراد في مقاربة وتدبير الملفات والقضايا الكبرى للبلاد مع ما يترتب عن ذلك من إقصاء للمعارضة وجعلها ذيلية. وأكثر من ذلك حاولت الحكومة والاغلبية إعطاء تفسير غريب للدستور بهدف تجنب مساءلة رئيس الحكومة في البرلمان عندما اعتبرت أن الحضور مرة في الشهر يكون إلى أحد مجلسي البرلمان فقط. والحال أن منطوق الفصل 100 من الدستور واضح ولا يحتمل أي تأويل. وفي تأويل آخر قالت نفس الحكومة ومعها الاغلبية إن الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة وجب أن تعوض جلسة الاسئلة الشفوية في الاسبوع الذي تصادف فيها انعقادها الشهري، في الوقت الذي يقيم الدستور على مستوى التبويب والسياق والهدف، حدا فاصلا بين الجلستين. وفضلا عن أن هذه المقاربة مناقضة لروح الدستور ولفلسفة الشراكة السياسية التي يتوخاها، فإنها مقاربة اختزالية تتوخى توفير فرصة منبرية دعائية للحكومة وهو ما يتناقض مع حاجات الأمة الموضوعية إلى كل طاقاتها الحيوية والمواطنة والنظيفة وذات المشروعية من أجل حل المعضلات الكبرى التي تواجهها البلاد: التشغيل ومحاربة الفساد وتحقيق التنمية وترسيخ الممارسة الديموقراطية، وإرجاع الثقة إلى المؤسسات. هكذا كان الفريق الاشتراكي في موضوعين أساسيين صاحب اقتراحات وصيغ مجددة للنقاش البرلماني في إطار رؤية أوسع وأشمل، منطلقا ليس من موقعه في المعارضة ولكن من حرصه على تطوير أداء وإنتاج المؤسسات وتقييم الاداء الحكومي، ومن حرصه أيضا على ترسيخ تقاليد جديدة في العمل البرلماني تتلاءم وتساير أفق الاصلاح الذي فتحه الدستور الجديد أمام المغاربة.