يمكن التقاط الإشارات المجسدة لأهمية عرض رئيس الحكومة للحصيلة المرحلية في جلسة مشتركة بين مجلسي النواب والمستشارين طبقا للفصل 101 من الدستور، من خلال زوايا ثلاثة: الأولى تتمثل في الحرص على إعمال مقتضى دستوري، أي عقد هذه الجلسة البرلمانية نفسها ومثول رئيس السلطة التنفيذية أمام ممثلات وممثلي الأمة لتقديم حصيلة نصف الولاية، والتأسيس لحوار سياسي وبرلماني حول ذلك، بما من شأنه أن يشكل لحظة سياسية متميزة لتقييم السياسات العمومية الجاري تنفيذها، وربما أيضا لتدقيق بعض مهام المرحلة المتبقية. أما الزاوية الثانية فيمكن استخراجها من التأكيد الوارد في عرض رئيس الحكومة لما أشار إلى حرص الحكومة «على ترسيخ خيار الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة التي هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي»، وأضاف أن الحكومة حريصة، في السياق نفسه، «على ترسيخ المقاربة التشاركية في إعداد القانون التنظيمي للجهة والقوانين المتعلقة باللوائح الانتخابية والتقطيع الترابي...». وتكتسي هذه الإشارة أهميتها اعتبارا لما تؤكد عليه أولا من حرص على المبدأ الديمقراطي، وأيضا مما تحيل عليه من وعي لدى الحكومة بأهمية الإصرار على إعمال الدستور والإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وبالتالي ترسيخ ولوج البلاد مرحلة جديدة فعلا، كما أن تجديد هذا الالتزام من لدن رئيس الحكومة يعتبر جوابا عن كل السجال المثار مؤخرا من لدن قوى سياسية، وعمقه أن نزاهة الانتخابات تتحقق بالتزام حكومي واضح تحت إشراف رئيس الحكومة، وبانخراط الجميع، بما في ذلك الأحزاب المتنافسة نفسها، وببلورة اتفاقات واسعة حول القوانين والآليات والضوابط. وبالنسبة للزاوية الثالثة، فيمكن استنتاجها من خلال اعتبار رئيس الحكومة سنة 2014 بمثابة محطة مفصلية في عمل الحكومة على مختلف المستويات مما يتوجب معه ضبط أولويات العمل الحكومي للمرحلة القادمة، وتعبئة الإمكانات المتاحة لضمان حسن تنفيذها. وشدد رئيس الحكومة، في هذا الإطار، على أوراش وإصلاحات ذات أولوية من خلال أربعة محاور أساسية استعرض تفاصيلها أمام البرلمانيين. الآن، وبعد أن قدم رئيس الحكومة حصيلته المرحلية، من المؤكد أن قراءات مختلفة ومتباينة ستقدم بشأنها، وطبيعي أن تتعدد زوايا النظر والمعالجة والتحليل، ولكن الأساس سيبقى هو التطلع إلى الزمن الباقي من الولاية الحكومية. المغاربة يهمهم اليوم انكباب الحكومة باستعجال على تنفيذ الإصلاحات والمهام التي لم يتم إنجازها، أي إنجاح الأوراش الاجتماعية بالخصوص، والتقدم في الإصلاحات الإستراتيجية المهيكلة، وإخراج القوانين التنظيمية والنصوص المرتبطة بإعمال الدستور، وبالتالي إقامة ركائز فعلية وحقيقية لمرحلة سياسية ومجتمعية جديدة في بلادنا. من المؤكد أن المملكة نجحت في عبور زمن الحراكات والتوترات وأسست لمسار مختلف عما عاشته بلدان المحيط المغاربي والعربي، ولكن يبقى من المؤكد أيضا أنها لم تعبر الوادي ولم تجف الأقدام، على حد ما يعنيه القول الدارج عندنا، فهي لا زالت تحتاج إلى ترسيخ أسس تنموية ومؤسساتية فعلية وحقيقية لنموذجها الديمقراطي، وذلك بما يجعل المواطنات والمواطنين يحسون بالتغيير ويلمسونه في معيشهم اليومي. إن مناسبة تقديم الحصيلة المرحلية للحكومة تعتبر فرصة لتفعيل حوار حقيقي في البلاد حول المستقبل، وحول الأولويات الإصلاحية للمرحلة المقبلة، تنموية كانت أم سياسية وتشريعية وإجرائية...، وسيخسر الجميع الرهان إذا جرى مرة أخرى التركيز على الجوانب الشكلية والسجالية العقيمة، أو إذا اختزلت المناقشات كلها في سبيل تصفية الحسابات الصغيرة مع هذا الحزب أو ذاك. من أجل إيقاع جديد يكون أكثر سرعة وتركيزا في مسلسل الإصلاحات، إنه شعار المرحلة اليوم، ويجب أن ينخرط في السعي لربحه الجميع، وأولا الحكومة. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته