للقاص المغربي أحمد بوزفور مجموعة قصصية بعنوان «النظر في الوجه العزيز»، ولا شك أن معظم المسؤولين عن تنظيم المهرجانات والملتقيات القصصية في مختلف ربوع البلاد، باتوا يحملون شعارا حسب الصيغة الشعبية المشهورة: «لا ينقصنا سوى النظر في وجهك العزيز يا بوزفور». حيث لا تكاد تخلو أي تظاهرة ذات صلة بالقصة القصيرة، دون أن تتم المناداة على أحمد بوزفور ذاته، والاحتفاء به، وإطلاق اسمه على دورات بعينها، أو على جائزة خاصة بفن القص، ومما يحفز هؤلاء المنظمين على استحضار اسم بوزفور بالذات وتوجيه دعوات إليه لتشريف ملتقياتهم، هو استجابته الدائمة لهذه الدعوات، حيث لم يحدث أن طلع اسمه ضمن قائمة المدعوين وخذل الجمهور بغيابه، كما يفعل عادة كثير من الكتاب. ومن الملاحظ أنه عندما يلزمه المنظمون بإلقاء محاضرة عوض قصة قصيرة؛ فإنه غالبا ما تثير هذه المحاضرة ضجة في الأوساط الإعلامية، كما حدث أخيرا في المحمدية حين استهلها بهذا المقطع اللاهب: «اسمحوا لي أن أخصص هذه الشهادة، ليس لما يمارس في القصة من التجريب، ولكن لما يمارس عليها من التخريب، والتخريب الذاتي أساسا، أي ما نمارسه على القصة، نحن كتابها من التخريب..». وقد خلقت له هذه المحاضرة الكثير من المتاعب، ولكي يلطف الأجواء، أقر بأنه هو كذلك يمارس التجريب، وأن محاضرته فهمت خطأ، وأعتقد أن هذه الصفحة طويت. مع ذلك هناك من المتتبعين، خاصة إخوته في حرفة القصة أو الأدب عموما، من يحسده على الحضور المتكرر في مختلف التظاهرات القصصية، وحرص المنظمين على تكريمه واعتباره ضيفا فوق العادة، وبالتالي ادعاء أنه مجرد طابع بريدي- تمبر- يضعه المنظمون على ملف طلبات دعم مهرجاناتهم ليحظوا بمنحة الدعم، سيما وأنه اسم معروف. غير أن الواقع هو أن الكاتب القصصي المغربي أحمد بوزفور إنسان متواضع، يحب لقاء من يقاسمونه الهم الإبداعي ولا يبخل في توجيه النصح لمن يخطون خطواتهم الأولى على درب الإبداع وكتابة مقدمات لباكوراتهم القصصية والشعرية كذلك، مرة اقترح علينا نحن ثلة من المبدعين (أنا وعبد الحميد شكيب وعائشة موقيظ ولطيفة باقا وأحمد علوة وحسن رياض ومحمد المالكي وآخرون..)، أيام العطالة عن العمل أواسط التسعينات من القرن الماضي، أن نقوم بتأسيس جمعية الأدباء المعطلين، غير أننا لم نعمل باقتراحه؛ فلو عملنا بهذا الاقتراح، لكنا لا نزال لحد الساعة في عطالة عن العمل. إنه كذلك عاشق كبير للعمل الجمعوي، خصوصا ما تعلق منه بالفن الذي يبدع فيه دون غيره، ألا وهو القصة القصيرة، التي ظل متشبثا بها طوال عقود من الزمن، دون أن يعتبرها فأرا أبيض، أو بار محطة، كما عبر عن ذلك بنفسه، وينتقل إلى كتابة الرواية، التي باتت تقليعة كل من فكر في الكتابة النثرية؛ فمن النظر إلى الوجه العزيز، مرورا بالغابر والظاهر، وصياد النعام، وققنص، وقالت نملة، وصولا إلى نافذة على الداخل، مجموعاته القصصية، لم يزغ بوزفور عن طريق القصة القصيرة، وهو إلى جانب ذلك من مؤسسي مجموعة البحث في القصة القصيرة التابعة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدارالبيضاء، والتي انبثقت عنها مجلة خاصة بالقصة، فريدة، تسمى قاف صاد، وعندما فكر في الكتابة في جنس آخر، ألا وهو النقد الأدبي، انصب هذا النقد على القصة مرة أخرى، في مؤلف يحمل عنوان الزرافة المشتعلة. أما دراسته الوحيدة حول الشاعر الجاهلي تأبط شرا؛ فتدخل ضمن عمله المهني الذي يعيش منه، حيث أن الدراسة في الأصل عبارة عن أطروحة نال بها دبلوم الدراسات العليا. لو قام أحمد بوزفور بحساب عدد الكيلومترات التي قطعها خلال شهر واحد فقط، لوجدها بمقدار الآلاف، من ملتقى قصصي إلى آخر: من الدارالبيضاء إلى المحمدية، وإلى خنيفرة، وإلى بركان، وإلى طنجة، وإلى الفقيه بنصالح، وإلى زاكورة، وإلى الصويرة، وإلى مشرع بلقصيري، وإلى غيرها من المدن التي تحتضن المهرجانات القصصية، وليس غريبا أن يضع في بروفايله على حائطه بصفحة التواصل الاجتماعي الفيسبوك، صورة السندباد المفترضة عوض صورته الشخصية، كما أنه حين جمع أعماله القصصية الكاملة في كتاب واحد، أصر على أن يطلق عليه اسم ديوان السندباد، وقد اختار أن يسمي هذه الأعمال بالديوان، ساخرا ممن يعتبرون قصصه القصيرة في واقع الأمر نصوصا شعرية.