صنع الظاهرة الغنائية بول فان هافر، المعروف باسم ستروماي، الاثنين، في حفل استثنائي بمنصة السويسي بالرباط، توليفة فنية فريدة جمعت بين شجن الكلمة وصخب الإيقاع. واستمتع الجمهور، الذي قدره المنظمون بحوالي 183ألف متفرج، بأسلوب فني فريد، لا يتردد في توظيف الإيقاعات الصاخبة التي تتيحها الموسيقى الإلكترونية، من أجل تذكير الجميع وهم في غمرة الانتشاء بصخب الموسيقى بمآسي فراق الأحبة، وآلام المصابين بالسرطان، وكثير من الظواهر السلبية التي تنخر بنية المجتمع من قبيل النفاق الاجتماعي والتمييز ضد النساء وفشل الآباء في تحمل مسؤولياتهم تجاه أبنائهم. ففي رابع ليالي الدورة 13 لمهرجان «موازين .. إيقاعات العالم»، ظهر جاك بريل الجديد بعد أداء أغنية «باطاغ»، مخاطبا جمهوره بالعامية المغربية «الرباطيات الرباطيين» قبل أن يستطرد بالفرنسية «المغربيات والمغاربة .. السلام عليكم». وبما أن كيمياء الحميمية مرت بسرعة منذ الأغنية الأولى، واصل ستروماي دردشته مع الجمهور، متفقدا أحوالهم، بل وسائلا حتى عن حال عائلاتهم وأصدقائهم. وتساءل النجم البلجيكي رفقة الجمهور تارة عن معنى إشارة النصر التي يرفعها المتحاربون في أغنية «بيس أور فايلنس»، تراها ترمز إلى السلام أم تشير إلى الحرف الأول من مقابل كلمة «عنف» بالفرنسية «فيولونس «، وتارة أخرى كرر السؤال على داء العصر، السرطان، من يكون الضحية القادمة . «الصحن الهوائي الذي يلتقط انطلاقا من برج مراقبته ببروكسيل الأزمة، والسيدا، والبيئة، وكراهية النساء، والتويتر، والغنى الوهمي»، كما كتبت جريدة (لوموند) الفرنسية يوما واصفة هذا الفنان الاستثنائي، لم يتوان في رصد أوهام الغنى مع أغنية «سوماي»، وتسليط الضوء على بعض الصور النمطية التي يحملها الرجال والنساء عن بعضهما البعض في أغنية «توس لي ميم»، وتصوير أوجه الشبه بين الحب والمنتجات الاستهلاكية وتغريدات التويتر في أغنية «كارمين». نبرات الشجن لم تبق طوال الحفل مرتفعة، فتراجعت حدتها أكثر من مرة فاسحة المجال أمام درجات أعلى من المرح، لاسيما مع أداء ستروماي لأغنيته الشهيرة «ألوغ أون دونس»، أو «ألوغ أون نشطح» كما نطقها بمزيج بين الدراجة المغربية والفرنسية، و»طا فيط»، و»لي مول فريت»، وإيقاعات الفلامينغو التي زادت أداؤه جمالية وهو يؤدي «أفي سيزاريا». وعندما جاء الدور على أغنية «فورميدابل»، تخلى المغني عن أناقته المتفردة ونزع ربطة العنق وحكى بصوت مكلوم، كممثل مسرحي متمرس، قصة شاب مكسر الفؤاد بعد فراق حبيبته. زيادة في جمالية الحبكة، سقط الممثل على الخشبة ولم يستطع إكمال رواية قصته ليحمل خارجها ويكمل فصولها الجمهور الذي ظهر على شاشات المنصة وهو يؤدي المقاطع الأخيرة من الأغنية، مثبتا أنه لا يقل روعة عن المغني والأغنية. وفي مشهد لاحق من التشخيص المسرحي الناجح، لبس البطل سروماي قميصا وسروالا قصيرين وغير من ملامح وجهه لتنحو نحو الطفولية، راويا حرقة طفل على غياب والده مع رائعته «بابا أوتي»، التي أعاد أدائها أكثر من مرة بحكم التفاعل الرهيب الذي أبداه الجمهور معها، قبل أن ينهي الحفل بإهداء الجمهور أداء بدون موسيقى، هذه المرة، لأغنية «توس لي ميم». وقال النجم البلجيكي، خلال ندوة صحفية عقدها الأحد الماضي بدار الفنون، إن العزلة تشكل ملجأ له لتفادي السقوط في أوهام الشهرة. واعتبر الشهرة أمرا «لا إنسانيا»، موضحا أن الوحدة تساهم بشكل أساسي في المحافظة على توازنه النفسي من أجل التعبير بصدق عن ما يختلج في قرارة نفسه. وشدد المغني، البالغ من العمر 28 سنة، على أن الأعمال الفنية التي ينجزها نابعة بالدرجة الأولى من الرغبة في التعبير عن الذات وتضع الجهور وانتظاراته في المرتبة الثانية، موضحا أن جمالية الموسيقى تنبع من أنه بمجرد أداءها تصبح ملكا للجميع ومن حق كل شخص تفسيرها كما يحب. وأوضح الشاب المنحدر من أصول رواندية أن الجانب الأخلاقي الملتزم الذي يطبع الأغاني التي ينجزها راجع إلى عدد من المحددات الشخصية والتربية الدينية التي تلقاها، مبرزا أن حادث وفاة والده خلال الإبادة الجماعية التي عرفتها رواندا كان لها تأثير بالغ على الأغاني التي يؤديها. وشكلت أغنية «ألوغ نو دونس» (هيا لنرقص) الصادرة سنة 2010 الصعود الباهر للمغني البلجيكي في سماء الأغنية الفركوفونية، حيث حققت رقم مبيعات وصل إلى ثلاثة ملايين نسخة، قبل أن تتلوها النجاحات الأكبر لألبومه الأخير «راسين كاري»، الذي حطمت فيه أغنيتيا «فورميدابل»و»بابا أوتي» كل الأرقام القياسية.