الندوة الوطنية الثالثة لفضاء مهندس الحداثة والتقدم تقيم إمكانات المغرب في مجال البيئة والتنمية المستدامة أقر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بأن أحزاب اليسار بما فيها التقدم والاشتراكية، لم تكن تهتم بقضايا البيئة وبالاقتصاد الأخضر. لكنه عاد ليؤكد، في كلمة له، خلال الندوة الوطنية الثالثة لفضاء مهندس الحداثة والتقدم، حول موضوع الاقتصاد الأخضر، أول أمس بالرباط، على أن حزب التقدم والاشتراكية باتت لديه قناعة قوية باستحالة عدم الاهتمام بهذه الجوانب البيئية بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجهها بلادنا، والمرتبطة على وجه الخصوص بندرة الخيرات والقدرة على الحفاظ عليها واستغلالها بشكل عقلاني من خلال توظيفها بالشكل الأمثل في المسلسل التنموي. وأوضح نبيل بنعبد الله أنه أثناء الإعداد لمشروع الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ستعرض على المؤتمر الوطني التاسع، كان هناك حرص شديد على أن يشكل هذا المعطى المرتبط بالاقتصاد الأخضر مكانة خاصة داخل هذه الوثيقة، مؤكدا على أن النتائج التي ستتمخض عن هذا المنتدى من شأنها إغناء مشروع الوثيقة ومقاربة حزب التقدم والاشتراكية في هذا المجال. في هذا السياق، أكد مراد الغزالي منسق فضاء مهندس الحداثة والتقدم والذي أدار فعاليات هذا المنتدى، على أن موضوع هذا اللقاء يندرج في إطار مساهمة قطاع مهندسي حزب التقدم والاشتراكية في إيجاد أجوبة على تلك الإشكاليات التي طرحتها الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمرتبطة بموضوع التنمية المستدامة، ضمن رؤية للنموذج التنموي الذي يقترحه حزب التقدم والاشتراكية. من جانبه، طرح عبد الأحد الفاسي الفهري عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إشكالية النموذج التنموي المغربي، من خلال ما جاء في مشروع الوثيقة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الموجهة للمؤتمر الوطني التاسع، خاصة الشق المتعلق بالنموذج التنموي الجديد المرتبط بالاقتصاد الأخضر. وفي هذا السياق، قال عبد الأحد الفاسي إنه على الرغم من الأزمة التي عصفت ببلدان أوروبية، تبين أن المغرب له إمكانيات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حصنته من تداعيات الأزمة وذلك نتيجة الإصلاحات الكبرى التي كان قد باشرها منذ حكومة التناوب التوافقي، مضيفا أن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، منذ الاستقلال إلى اليوم، لم يستطع خلق إقلاع اقتصادي حقيقي ولم يتمكن من معالجة الإشكاليات الحقيقية المرتبطة بالتعليم والصحة ومحاربة الفقر والهشاشة والتقدم في مؤشر التنمية. وهو ما يفيد، بحسب عبد الأحد الفاسي، أن المغرب ظل يقوم، طيلة هذه المرحلة، بتدبير التخلف فقط ، وبتدبير الأزمة التي تظهر كل حوالي 10 سنوات، دون إيجاد أجوبة حقيقة للخروج مرحلة تدبير التخلف. وفي نظر القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، يتعين أن يولي النموذج التنموي الجديد في المغرب أهمية لمسألة التخطيط العصري والديمقراطي والتشاركي في السياسات العمومية بهدف إيجاد حلول للإشكالات التنموية الكبرى التي تطرح الآن وفي المستقبل. وأضاف عبد الأحد الفاسي، أن هذه المقاربة تنطلق من حاجيات الشعب المغربي في المجالات الصناعية و الفلاحيةالتي تفرض ضرورة إعادة قراءة ومراجعة المخططات القطاعية، ودور الدولة في القطاع العام، وذلك،في أفق بلورة ما أسماه المتحدث ب «التنمية الدامجة التي توفق بين النجاعة الاقتصادية والتنمية المستدامة ضمن مشروع الجهوية الموسعة». ودعا عبد الأحد الفاسي الفهري إلى إعمال المقاربة الاستباقية، بدل المقاربة التصحيحية، وذلك من أجل وضع القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في صلب السياسات العمومية، كما دعا إلى ضرورة إعادة الاعتبار لمسألة التخطيط باعتباره الحل الأمثل لالتقائيات السياسات القطاعية . من جانبها، أكدت حكيمة الحيطي على أهمية الموضوع الذي أثاره فضاء مهندس الحداثة والتقدم، على اعتبار أن الاقتصاد الأخضر من الموضوعات الحيوية على المستوى العالمي والتي ترهن مستقبل البشرية جمعاء. وأضحت الوزيرة أن النموذج التنموي الجديد، المرتكز على الاقتصاد الأخضر، لم يتم التفكير فيه من طرف الاقتصاديين وإنما من طرف مجموعة من أنصار البيئة عبر العالم بالنظر إلى الضغوط القوية التي تتعرض لها الموارد الطبيعية والتدهور البيئي الناجم أساسا عن الصناعات الملوثة. وأفادت حكيمة الحيطي أن المغرب يندرج ضمن الدول الطلائعية التي أدرجت البعد البيئي والتنمية المستدامة ضمن سياساتها العمومية من خلال إستراتجية الطاقة المتجددة والتي اعتمدها منذ سنة 2008، بهدف تنمية الطاقة البديلة، بالإضافة إلى مخطط المغرب الأخضر والمخططات القطاعية الأخرى والتي تهم الماء والبيئة والمناخ، إضافة إلى أن المغرب ،بحسب الوزيرة، يعد من بين الدول الأوائل التي أدرجت الحق في البيئة والتنمية المستدامة في الدستور. وبخصوص القطاع الذي تشرف عليه، قالت الوزيرة إنها أطلقت دراسة بهدف وضع إستراتيجية للتنمية المستدامة وصفتها ب «الطموحة»، تعتمد على نموذج إدماج التنمية المستدامة ضمن السياسات العمومية، وأعلنت أن هذه الإستراتيجية سيتم عرضها في غضون شهر شتنبر المقبل. وأوردت الوزيرة خلال مداخلتها، أنها أطلقت مجموعة من المشاريع التي تهم بالأساس تثمين العمل الذي يقوم به أزيد من 50 ألف عامل تدوير النفايات، بالإضافة إلى تلك المشاريع التي تهم النجاعة الطاقية بالمباني الجديدة في شراكة مع وزارة السكنى وسياسة المدينة، والمشروع الضخم الذي يهم الطاقة الشمسية بورزازات، والتي اعتمدها المغرب كمدينة خضراء سيتم تقديمها ضمن قمة نيويورك. وأضافت الوزير أن المغرب يعد من بين الدول التي ترافع من أجل اقتصاد أخضر يستهدف تنمية بشرية مستدامة انطلاقا من دعم الدول الصناعية الملوثة. وفي توضيحات إضافية لمداخلة الحيطي، توقف عبد الرحيم الحافظي الكاتب العام لوزارة الطاقة والمعادن والماء والبئية، عند تفاصيل النموذج المغربي في المجال الطاقي المستند إلى مفهوم الاقتصاد الأخضر، ليؤكد على أن المغرب يواجه مجموعة من التحديات الطاقية بدليل استيراده لحوالي 84 في المائة من حاجياته الطاقية والتي تهم بالأساس البترول والغاز والفحم الحجري، وبدليل أن المكتب الوطني للكهرباء يستورد الكهرباء من أسبانيا عبر الربط القاري. وأضاف عبد الرحيم الحافظي أن التبعية الطاقية للمغرب تكلفه 102 دولار سنويا، وأن حاجياته من الطاقة تتطور بنسبة 5 في المائة سنويا، وأن المكتب الوطني يخسر 32 ستنيم في الكيلواط من الكهرباء. وبخصوص الطاقة المتجددة أورد عبد الرحيم الحافظي، أن هناك بعض المشاكل خاصة في الجانب المتعلق بتصدير الفائض حيث أن اسبانيا وفرنسا لهما فائض في الإنتاج. وعلى الرغم من كل تلك الإكراهات، فإن المغرب يقول الكاتب العام «يتوفر على نموذج خاص بالطاقة المتجددة ويفتخر بذلك، وهو نموذج أسس انطلاقا من الواقع المغربي وبعقلانية بهدف ضمان الاستقلالية الطاقية للمغرب»، كما أن الرهان يضيف المتحدث، يكمن في قدرة المغرب على تصدير الطاقة إلى إفريقيا التي تعرف خصاصا كبير في هذا المجال. وأشار المتحدث أنه من غير الممكن في المغرب التوفر على رؤية واضحة بالنسبة للطاقة الكلاسيكية بالنظر إلى عدم استقرار الأسعار في السوق العالمية، لكنه لا يحتاج، بالنسبة للطاقة المتجددة سوى للاستثمار، مبرزا أن هذا النموذج الطاقي المغربي يحاول أن يجد حلا لمشكل الدروة في الاستهلاك. وشدد عبد الرحيم الحافظي على أن مشروع الطاقة الشمسية بوارزازات رغم أنه مكلف فيما يخص إنتاج الكهرباء، لكنه يندرج في إطار برنامج صناعي وأيضا في إطار البحث العلمي والتكوين المهني. من جانبه، حاول عبد الرحيم القصري عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن يؤصل لمفهوم التنمية المستدامة والسياقات التاريخية التي جعلت هذا المفهوم يحتل مكانة الصدارة في الاهتمام العالمي، منذ سنة 1992. وقال عبد الرحيم القصري إن الاقتصاد الأخضر هو الربط الخلاق بين ما هو اقتصادي واجتماعي وبيئي، أي التنمية المستدامة في كل أبعادها، مشيرا في هذا السياق، إلى أن هذا النموذج الاقتصادي أصبح يحتل الصدارة في مخططات الدول واقتصادياتها، وأعطى مثالا على ذلك بكل من كوريا الجنوبية التي وضعت نسبة 80 في المائة من ميزانياتها للاقتصاد الأخضر، والصين التي خصصت 38 في المائة من ميزانيتها لهذا النموذج، مما يعني، يقول المتحدث، إن هناك تسابق عالمي حول من يمتلك تكنولوجية الاقتصاد الأخضر. وبخصوص المغرب، أوضح القصري أن «بلادنا انطلقت مبكرا في هذا المجال، وبات لديها فرص متاحة يتعين الاستفادة منها، حتى تتدارك التأخير الحاصل في مجموعة من المجالات وعلى رأسها التطهير وقطاع الماء والفلاحة». فالامكانيات، يقول المتحدث، «متاحة يتعين استغلالها، وعلينا أن نعي أن أغلب الإشكاليات ستظل مطروحة إذا لم يشجع المغرب البحث العلمي، ويؤهل المقاولات الصغرى والمتوسطة لمواكبة ذلك عوض الشركات الأجنبية، مما يفرض وضع استرتيجية في مجال التكوين وربطها بسوق الشغل والتكوين المهني من أجل توفير الكفاءات الضرورية في هذا المجال الحيوي». وفي إطار تعقيبه على ما ورد من مداخلات، أكد إسماعيل العلوي رئيس جمعية تنمية عالم الأرياف ورئيس مجلس الرئاسة لحزب التقدم والاشتراكية، أن الدستور الجديد الذي أقره المغاربة في فاتح يوليوز 2011 فتح آفاقا مهمة فيما يخص إشراك المواطنين في وضع السياسات العمومية، ، لكنه أيضا أبان على أن المشكل كامن في عدم الاستثمار في العنصر البشري، خاصة في الجوانب الأساسية المتعلقة بالتعليم والتكوين. وأوضح إسماعيل العلوي، أن معطى ضعف التكوين يستحيل معه أي تقدم في أي مجال من المجالات والتي لها علاقة مباشرة بالتنمية المستدامة، داعيا إلى ضرورة الاستثمار في هذا المجال من أجل إفراز الطاقات الفكرية القادرة على مواكبة التحديات المستقبيلة، مشيرا إلى أن المغرب يعد من الدول الموجود في أسفل الترتيب بخصوص عدد الكفاءات العليا من أطباء مهندسين وغيرهم حيث لا يمثلون سوى ما بين 1 و3 في المائة في حين أن هذه النسبة ترتفع في بلد كتونس لتصل إلى 25 في المائة. وقال المتحدث «إن عموم هذه الأطر لا تتعدى 500 ألف نسمة وهو رقم هزيل، ويطرح مشكل مركزي حيث لا يمكن ربح رهان كل هذا التحديات في غياب كفاءات ملائمة لحاجيات شعبنا»، وأكد في المقابل على إمكانية تدارك هذا العجز وهذا التأخير من خلال عمل المجتمع المدني في مجال التكوين وفي مجال إشراك المواطنين. وتطرق في هذا الصدد إلى التجربة الرائدة لجمعية تنمية عالم الأرياف في مجال فك العزلة عن الأرياف عبر بناء 30 قنطرة بمواصفات علمية وتقنية عالية، تستحمل أزيد من 60 طن، بالإضافة إلى دورها في التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة من خلال المشروع النموذجي المتمثل في توزيع 150 فرن شمسي على 150 أسرة بمنطقة دادس.