عقدت رابطة المهندسين الاستقلاليين السبت الماضي يوما دراسيا حول الرهانات العلمية والاقتصادية للميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة أطره عدد من الخبراء المغاربة. وقبل انطلاق الجلسات أوضح حسن الشرقاوي رئيس رابطة المهندسين الاستقلاليين أن الأطر والخبراء بالهيئة وبحكم انتمائهم لعدد من التخصصات العلمية في القطاعين العام والخاص يودون المساهمة في هذا المشروع المجتمعي وذلك من منطلق الانشغال بالمستقبل البيئي والتنموي للمغرب. وأكد عبد الواحد الفاسي منسق الروابط المهنية بحزب الاستقلال أن هذا اللقاء يعكس المواكبة الدؤوبة للمهنيين الاستقلاليين لكل ما يتصل بقضايا المجتمع المغربي بغية تقديم الآراء والتحاليل والمقترحات التي تغني الملفات المطروحة للدرس، وأضاف أن لقاء رابطة المهندسين سيخرج بتوصيات تمثل قيمة مضافة للميثاق الوطني للبيئة. وأكد محمد فقيري كاتب عام فرع الرباط لرابطة المهندسين أن هذا اللقاء العلمي يروم المساهمة بفعالية في مشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وصياغة خلاصات تغني هذا الورش المصيري في حياة المغاربة خاصة وأنه يرتبط بالوسط الذي يحتوي عددا من مصادر الحياة المهددة بفعل تداخل عدة عوامل. وأبرز عبد الكبير زهود كاتب الدولة المكلف بالماء والبيئة أن كل الفئات حسب موقعها تقدم آراءها وتصوراتها حول الغابة والتربة والماء، وبدأ تجميع تلك المعطيات والأفكار توضح الصورة التي ينبغي أن يكون عليها الميثاق، مشيدا بدور التشاور والحوار في هذا المجال الذي يهم كل المغاربة بدون استثناء، مما يحتم الخروج بمنظومة في متناول المغاربة، قابلة للتطبيق ومتوفرة على أدوات وآليات تضمن تنفيذ مضامين الميثاق. وأكد كاتب الدولة في الماء والبيئة أن دراسات عالمية تشدد على أننا آخر جيل يجب أن يحافظ على البيئة وإلا سيكون الوقت قد فات وسيستحيل معالجة المعضلات في المستقبل القريب مهما كانت الإمكانيات. وأشار إلى أن رابطة المهندسين الاستقلاليين وباقي روابط حزب الاستقلال مدعوة لصياغة وثيقة تتضمن تصورات حول حماية الغابة والتربة والبحر وتدبير النفايات والتشريعات الضرورية في هذا الباب، ومقاومة الضغوط على الساحل، مضيفا أن المطلوب هو أن ينتج المغاربة مشروعا متكاملا. بعد ذلك تطرق لمجالات تدخل كتابة الدولة وفي مقدمة ذلك التطهير السائل وتدبير النفايات وإغلاق المطارح العشوائية واستبدالها بمطارح مراقبة، وكذا العمل على إنشاء مراصد جهوية مهمتها تقديم تقارير وافية عن الوضع البيئي. وقدم محمد نبو مدير الدراسات والتخطيط قراءة في مسودة مشروع الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، حيث تضمنت ديباجته البعد الديني والتضامن الاجتماعي الذي يطبع المجتمع المغربي، وأهمية الحفاظ على الموروث البيئ والثقافي في إطار من المسؤولية والواجب. واستعرض بعد ذلك تفصيلا في المبادئ والقيم الواردة في المسودة بما في ذلك التضامن بين الأجيال ومراعاة تنوع وغنى البيئة المغربية والتكوين في مجال التنمية المستدامة وإدراج البعد البيئي في البرامج والسياسات الوطنية. وفيما يخص الحقوق والواجبات توضح المسودة أنه يقع على عاتق كل شخص طبيعي أو معنوي واجب الحماية والمحافظة على وحدة البيئة، وكذا اعتماد مقاربة الاحتياط إزاء الأخطار الإيكولوجية، أما ما يتصل بالمسؤولية فتفيد المسودة أنه يتعين على أي شخص يلحق ضرراً بالبيئة أن يقوم بإصلاح الضرر الذي ارتكبه كما عليه عند الاقتضاء أن يعيد الأماكن المتضررة إلى حالتها الأولى. وأوضحت ثورية العفطي مهندسة عامة لكتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة خلال ترؤسها الجلسة الأولى أن الميثاق سيمثل خارطة طريق للتدبير البيئي بالمغرب سواء من حيث السلوكيات أو الالتزامات، وبالتالي فإن المغاربة ينتظرون منه حل الإشكاليات المطروحة، وفي هذا السياق يندرج اللقاء الدراسي للرابطة قصد بلورة توصيات تدعم مضامين الميثاق. وتناول محمد الحقاوي مدير المراقبة والوقاية من المخاطر في عرضه التنوع الذي يزخربه المغرب على المستوى المعدني وفي مقدمة ذلك الفوسفاط حيث يتوفر المغرب على نصف الاحتياطي العالمي، واستعرض أرقام المعاملات والإحصائيات المتعلقة بالفوسفاط وأبرز الزبناء مشيدا بمساهمة الفوسفاط في الاقتصاد الوطني خلال السنتين الأخيرتين اللتين طبعتهما تقلبات في الأسواق العالمية. وأضاف أن الفاتورة الطاقية بلغت 70 مليار درهم في سنة 2008 بينما سجلت 54 مليار في السنة الماضية وسجل فيها البترول 47 مليار درهم، كل هذه الأرقام تجعل نسبة التبعية الطاقية تصل 95 في المائة، الأمر الذي جعل المغرب ينهج سياسة الطاقات المتجددة من أجل التخفيض من آثار المصادر الملوثة على البيئة والحكم في معدل التبعية. وفي نفس الاتجاه تحدثت أمال قنديل مستشارة بوزارة الطاقة والمعادن عن تصاعد الطلب والاستهلاك الطاقي في المغرب حيث يسجل ارتفاع على طلب البترول سنويا ب 5 في المائة، مبرزة أن الاستراتيجية الطاقية للمغرب تعتمد على ضمان التموين والولوج المعمم والتحكم في الطلب واعتماد التكنولوجيات المتقدمة في مجال الطاقة وتطوير استغلال الطاقات المتجددة والاندماج الجهوي. كما تناولت الآثار الإيجابية المرتقبة على الاقتصاد الوطني من خلال توسيع محطة الفحم بالجرف الأصفر وتأسيس محطة جديدة بآسفي واستغلال الحظيرة الريحية في طرفاية وإنشاء محطة الطاقة الشمسية في ورزازات، معتبرة أن المغرب خطا خطوات كبيرة إثر تعزيز التشريعات الوطنية بقوانين متصلة بالطاقة. وفيما يخص سياسة ترشيد الطاقة فتطرقت إلى تشجيع استعمال المصابيح ذات الجهد المنخفض مما سيساهم في توفير 20 في المائة من الاستهلاك ورفع نسبة الطاقة الشمسية من 2 في المائة إلى 8 في المائة سنة 2012 ثم 14 في المائة في أفق 2019. وتمحورت مداخلة عبد الواحد السقاط مهندس خبير لدى برنامج الأممالمتحدة للتنمية حول خصائص نبتة vetiver (نجيل الهند) حيث تتميز هذه البنتة بجذور تصل خمسة أمتار وتنمو في المناطق الجافة وشبه الجافة والجبلية، ولها قدرة على البقاء بمحاذاة المياه العادمة أو امتصاص غاز الكربون والمبيدات ومقذوفات المصانع، وباستطاعتها العيش حتى 60 سنة. وأضاف أن عددا ممن البلدان تخصص مساحات شاسعة لهذا النظام الفريد إيكولوجيا وفزيولوجيا من أجل مقاومة التعرية والتصحر ومواجهة الفيضان أو زرعها في محيط المناجم بعد الاستغلال فضلا عن إمكانية استخدام جذورها في الطب التقليدي والتجميل، وأثبتت جدارتها في تخفيض عمق المياه الجوفية إلى متر أو مترين. وقد دخلت مدينة فاس في تجربة مزايا هذه النبتة لمعالجة أحد الأحواض ويوجد حاليا مشتل في عين عودة لاستنبات هذه النبتة. وترأس الجلسة الثانية عزيز هيلالي نائب رئيس رابطة المهندسين الاستقلاليين الذي أشاد بمبادرة التشاور والنقاش التي تنهجها كتابة الدولة المكلفة بالماء والبيئة مع مختلف الفئات المجتمعية، وفي هذا الإطار ارتأت رابطة المهندسين الاستقلاليين في بادرة غير مسبوقة الانكباب على الرهانات العلمية والاقتصادية للميثاق وتطارح الأفكار بين أطر الرابطة قصد بلورتها إلى توصيات ومقترحات تدعم مسار الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، حيث رفع المغرب تحدي الحفاظ على البيئة رغم محدودية معدل التلويث، لكنه يظل بفعل التأثيرات العالمية وطموحاته الاقتصادية والصناعية معنيا بحماية الوسط البيئي والأجناس المعمرة لهذا الوسط. لذلك فإن دور المهندس مركزي في إرساء ميكانزمات كسب هذا التحدي. وارتكزت مداخلة أحمد الابراهيمي مفتش عام بالمندوبية السامية للتخطيط حول عدد من الاستفسارات. واعتبر في البداية أن السياسات الاقتصادية كانت تعطي للقضايا البيئية مكانة ثانوية ترتب عنها تدهور الوسط البيئي وتعرض عدد من الموارد البيئية للاستنزاف فضلا عن فشل الجماعات في تدبير مشاكل النفايات، وفيما يخص الاستفسارات فتساءل من خلالها عن سبل تفعيل مضامين الميثاق سواء تعلق الأمر بالواجبات أو الحقوق أو الالتزام، كما تساءل عن سبل المواكبة ومجالات التدخل والتمويل الذي هو أساس فيما يخص شق التنفيذ وإنجاز الدراسات والتقارير وتجميع المعلومات المتصلة بالبيئة قصد ضمان نجاعة التقييم وتصحيح الإجراءات. وفي إطار مداخلة تقنية صرفة تحدث حسن بناني مهندس رئيس بوزارة الصحة عن دور المعايير في إنجاح الميثاق حيث من الضروري التقيد على غرار العديد من الدول بمعايير لكسب رهان الحفاظ على البيئة في إطار من العلمية والتقنية، ومضى بعد ذلك في سرد مفاهيم المعيار ومحدداته وأدواره المتمثلة في اختيار المنتوجات ودعم السياسة العمومية وحماية المستهلك وعقلنة الإنتاج وتطوير الأسواق مؤكدا مثلا أن معيار إيزو تشتغل عليه 148 دولة حيث يعطي للحكومات قواعد علمية وتكنولوجية في مجال الأمن والصحة. وقدم توضيحات حول معيار إيزو 14001 و14004 المتعلق بالبيئة ليؤكد في الختام أنه يتم حاليا بلورة إيزو 26000 لاعتماده سنة 2010 في المجال البيئي وينبغي على المؤسسات المغربية أن تعمل به قصد إنجاح التدخلات في المجال البيئي. وتحدث خالد سبيع رئيس قسم التجهيزات الأساسية بوزارة الاقتصاد والمالية في موضوع تمويل البرامج البيئية قائلا إن كل القطاعات العمومية معنية بالمجال البيئي مؤكدا أن تكلفة الأضرار البيئية تفوق 3 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فيما تهم هذه الأضرار ملوحة الأراضي والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتلوث الساحل والتصحر. وأشار إلى أن الاعتمادات المخصصة للقطاع قفزت من 40 مليون درهم سنة 2005 إلى مليار و 32 مليون درهم في سنة 2010 إضافة إلى ثلاثة حسابات خصوصية للبيئة ومحاربة التلوث ومحاربة الكوارث الطبيعية. وأضاف أن المغرب خطا خطوات هامة على مستوى التطهير السائل وتدبير النفايات والتطهير والماء الشروب في مؤسسات التعليم بالوسط القروي والذي سيستفيد منه 2 مليون متمدرس. ودعت المناقشات التي ساهم بها الحاضرون في هذا اللقاء الدراسي إلى ضرورة تفعيل المراقبة في الأحواض المائية وضمان الالتقائية بين الأفكار والمنهجيات وتدخلات الفاعلين في المجال البيئي ورصد ما يكفي من الأطر لتنفيذ مضامين الميثاق مع الحرص على أن يكون الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة من المواطن إلى المواطن، وإدراج البعد البيئي في كل المشاريع مهما كان حجمها وتفعيل مفهوم «الملوث يؤدي» بالنسبة للمقاولات التي تساهم في تدهور البيئة. وفي نهاية اللقاء قدم أحمد بخري المقرر العام المسودة الأولى للتوصيات المنبثقة عن اليوم الدراسي ومن ضمنها استكمال الترسانة القانونية المتعلقة بالبيئة والمراسيم التطبيقية، والقيام بدورات تحسيسية خاصة بالفاعلين في المجال البيئي، وتحسين تفاعل المواطن مع الوسط البيئي وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع الطاقة المتجددة، والتركيز على الوسائل المحلية من أجل المحافظة على المحيط، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتنفيذ الإجراءات المتعلقة بالبيئة، وتشجيع البحوث العلمية المتصلة بالبيئة، واعتبار المساحات الخضراء في تصاميم التهيئة.