أكد السيد عبد السلام المصباحي كاتب الدولة لدى وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، المكلف بالتنمية الترابية أن الاجتماع الأول للفريق المختص بالنمو الأخضر والتنمية المجالية بالرباط ،يضطلع بأهمية قصوى في ضوء التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التنمية المجالية المستدامة،التي باتت في صلب انشغالاته الحيوية. وقال في هذا اللقاء ،الذي حضره السيد محمد سعد العلمي الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة والسيد توفيق احجيرة وزير الإسكان والتعمير والتنمية المجالية وعدد من الأطر الوطنية والأجنبية ،إن المملكة المغربية، وعلى غرار البلدان الموقعة على إعلان ريو في العام 1992، قد التزمت بتحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذها لمذكرة 21، وتصديقها أو انضمامها إلى العديد من الاتفاقيات الدولية التي تخص البيئة والمحافظة عليها، آخرها اتفاق كانكون الصادر عن الدورة السادسة عشر لمؤتمر الأممالمتحدة حول التغيرات المناخية. وذكر في هذا الصدد، بأن المغرب قام بمجهودات كبيرة وطموحة للحد من الأثر السلبي للنمو الاجتماعي والاقتصادي على البيئة والموارد الطبيعية؛ وذلك وعيا منه لما لهذا الأثر من تكلفة باهظة يدفع ثمنها المجتمع إن عاجلا أم آجلا، من، وعلى حساب تنميته البشرية عموما وتنميته الترابية المستديمة خصوصا؛ وهو الأمر الذي جعله، وعلى نحو متزايد، ينزل التنمية المجالية المستدامة ضمن الأولويات الوطنية، ومنها استعجاله بالأخذ بميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة. ومن جانب آخر،قال إن أهمية الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والتنظيمية والمالية التي أقدم عليها المغرب في السنوات الأخيرة لتعزيز تطوير الطاقة المتجددة والنجاعة الطاقية، تؤكد مدى حرصه على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية باحترام واع للمكتسبات البيئية ذات الصلة بمختلف القطاعات، مضيفا أن المغرب، واقتناعا منه بما يمكن أن يتولد عن النمو الأخضر من إمكانات وفرص جديدة للتنمية والشغل قمينة بمواجهة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، فضلا عن تداعيات التغيرات المناخية، فقد انخرط على جميع المستويات، في مسلسل جاد، يروم في جوهره، تعزيز التزامات المغرب الدولية والوطنية، من خلال التحول نحو «الاقتصاد الأخضر» كبديل تنموي منصف، كفيل بضمان استدامة النمو، عبر تنمية المبادرات الإنمائية الخضراء المبتكرة، والمهارات المبدعة بشأنها ولها، وذلك وفقا للتوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس. وأكد أن النمو الأخضر يعد نموذجا تنمويا جديدا، بإمكانه التأقلم مع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، في أفق الحد من عواقبها الوخيمة على اقتصاديات الشعوب، بل وعلى عيشها إن لم نقل حياتها. كما أن بمقدوره توفير كثير من الفرص الإنمائية للخروج، بأقل الأضرار، من الأزمة الاقتصادية الحالية، وذلك بما هو مدخل فعال لإرساء نظام اقتصادي متوازن ومتضامن مراع لتكلفة تدهور النظم البيئية والموارد الطبيعية التي من دونها لا يمكن تصور تنمية اقتصادية واجتماعية لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل. وأوضح أنه لقيام وتداخل وتماهي التنمية المجالية المستديمة بالتنمية البيئية الخضراء، فقد بذلت الحكومة من خلال وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية جهودا محمودة على الصعيد الوطني لتلبية المتطلبات البيئية، ومنها، وفي نفس الآن، وعبر تدخلاتها الميدانية والإستراتيجية، نشدان خلق وعي واسع لدى الفاعلين التنمويين الاقتصاديين والاجتماعيين، بالمسألة البيئية، اعتبارا لخطورة امتزاج التحديات البيئية والضغوط التنموية بثوابت التنمية المجالية المستدامة. وأضاف في هذا الصدد، أن الوزارة وضعت استراتيجية تروم، تدريجيا، تعزيز بعد «النمو الأخضر» في سياساتها وبرامجها، آخذة بعين الاعتبار تحقيق عدد من الأهداف، منها ضرورة تطوير الخبرة الوطنية في ترشيد استعمال الطاقة، والاستعانة بخدمات الطاقات المتجددة في قطاعي البناء، وتهيئة المدن الجديدة والقرى الريفية. وهنا، لا بد من الإشارة إلى مشروعي «المدينة الخضراء» و»مدن الطاقة النظيفة» كمشروعين مجاليين عمرانيين بيئيين أخضرين، يشكلان مبادرة جهوية رائدة، من شأنها إفراز وتعزيز الاستثمارات «الخضراء»، وتطوير دينامية نمو جديدة، وجعل التنمية المستدامة قيمة مشتركة لترسيخ وتعزيز التضامن الاجتماعي والمجالي. وذكر أن قطاع إعداد التراب الوطني بالوزارة، قام باعتماد مقاربة ترابية تضع المجال كفضاء مركب معقد، في صلب أي عملية تفكير استراتيجي، يكون هدفها الأساس، هو ضمان تناسق واندماجية العمليات التنموية المستدامة داخل نفس المجال، وعلى مختلف مستوياته وأيضا باعتبار لمحيطيه الوطني والدولي. كما تتبنى هذه المقاربة وتتوخى الشمولية بدلا عن المقاربة القطاعية، في التعاطي مع قضايا التنمية التي تباشر من خلال مشاريع ترابية مندمجة. ويمكن القول إن هذه المقاربة تلقى التجاوب الكبير من طرف الفاعلين الترابيين، بما يبرر فاعليتها وجدواها. وأشار إلى أن هذه المقاربة نفسها تعتمد، في إنجاز التصاميم الجهوية لإعداد التراب التي هي وثائق إستراتيجية تجسد رؤية متكاملة، ومتشاورا حولها، للتنمية الجهوية، والتخطيط على المدى المتوسط؛ وثائق تترجم، على المستوى التنفيذي، إلى برامج عمل تشكل أرضية متفاوضا عليها للتعاقد بين الدولة والجهة؛ وثائق تهدف إلى تجاوز تداعيات كل من التغيرات المناخية والأزمات الاقتصادية باعتبارها تحديات مشتركة بين كل المجالات والنطاقات الوطنية والدولية. وأضاف من ناحية أخرى،أن وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية،بلورت إستراتيجية خاصة بالتنمية القروية، تروم حماية البيئة، من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية بجميع أصنافها وبغاية تنويع مصادر الدخل للقرويين؛ وهي الإستراتيجية التي يتم تنفيذها عبر تحديد مجال المشاريع، وبناء وصياغة المشاريع الترابية التي يلعب فيها صندوق التنمية القروية دور الرافعة التمويلية. وأبرز أن الأخذ بعين الاعتبار البعد المجالي في إستراتيجية النمو الأخضر أضحى مطلبا ملحا وأمرا ضروريا بالنظر إلى أن المجال، ومهما يكن مستواه أو فضاؤه، هو نقطة التقاء الجهات الفاعلة في التنمية، وهو المحدد لأشكال التعاقد التي تتم فيما بينها، وقبل كل شيء، لأشكال التنظيمات الاجتماعية القائمة والمقيمة به؛ فالمجال هو الذي تنظم فيه، إراديا أو عفويا، مختلف أشكال التعاون بين الأفراد والجمعيات أو الشركات والأنشطة. هذا ويبقى تبني أهداف النمو الأخضر من قبل الفاعلين المحليين مسألة ذات أهمية عظمى، لمواجهة التحديات المستقبلية المتمثلة بالخصوص في تأثيرات التغيرات المناخية وندرة الموارد الطبيعية. وقال«إننا ندرك أن بناء وتبني النموذج التنموي الأخضر، والنجاح في رفع التحديات التي تواجهه، ليس بالأمر الهين، وإنما هي قضية تتطلب تظافر جهود كل الفاعلين، على الصعيدين الوطني والدولي، وتستلزم، من أجل ذلك، تعبئة سياسية واسعة هادفة تقنع بانخراط الجميع في الاقتصاد الأخضر بكل مسؤولية وجدية. ونتطلع إلى أن يكون الانخراط شاملا، ولكن بالأسبقية، متمركزا على المجالات ذات الأولوية كالنهوض بالتنمية القروية وخاصة الجبلية منها والواحية، وتطوير السياحة البيئية، ومحاربة السكن غير اللائق، وتحسين تدبير النفايات بمختلف أصنافها، واقتصاد الماء، وتدعيم المقاولات الخاصة المبتكرة في مجال الطاقات المتجددة أيا كان مجال استعمالها»... وهنا، وبالنظر إلى نوع وحجم هذه التحديات، فإننا نتوقع من شركائنا، ومن الدول الرائدة في مجال النمو الأخضر، كل الدعم، خاصة فيما يتعلق بالجانب التقني بهدف تقوية الابتكار، وتطوير النمو الأخضر، عبر نقل واستنساخ التجارب الناجحة. وعبر عن يقينه أن هذا الاجتماع حول «النمو الأخضر» سينجح في تحقيق الأهداف المتوخاة منه، ليس فقط على المستوى الفكري التأصيلي البنيوي والوظيفي، وإنما كذلك على مستوى العلاقات التي تجمعنا كدول وشعوب تواقة إلى النماء المستديم والتقدم الهادئ النظيف المؤمن الأمين من تغيرات المناخ، بأبعاده المختلفة الطبيعية والاقتصادية والاجتماعية...