مفهوم الاقتصاد الأخضر لا يحل محل التنمية المستدامة، ولكنه نتيجة الاقتناع المتزايد بأن تحقيق التنمية المستدامة المطلوبة لن تتحقق إلا عن طريق الترويج لفكرة الاقتصاد الأخضر بعد عقود من تدمير البيئة تعتبر حاليا استمرارية الموارد ومساهمتها في التنمية الشغل الشاغل للعالم. و عليه، فقد يكون لاستنزاف الموارد الطبيعية نتائج وخيمة على توازن النظم الإيكولوجية وقد يتسبب في تداعيات اقتصادية واجتماعية لا تحمد عقباها، الشيء الذي يحول دون استمرارية نموذج التنمية الحالي. والحديث عن مفهوم الاقتصاد الأخضر يدفعنا بالضرورة للحديث عن مفهوم التنمية المستدامة، بحيث يعتبران وجهان لعملة واحدة، والاقتصاد الأخضر جاء كمقترح يجعل من عملية تطبيق التنمية المستدامة تتخذ شكلا سلسا وسهلا. وقد جاءت التنمية المستدامة كنتيجة لعدة تراكمات خلص إليها المجتمع الدولي، حيث ظهرت كمفهوم ولأول مرة في مؤتمر ستوكهولم عن البيئة الإنسانية والذي أسس أيضاً برنامج الأممالمتحدة للبيئة، وفي مؤتمر ريو بالأرجنتين عام 1992،والذي ركز علي فكرة التنمية والبيئة فلقد حدد تصريح ريو الذي صدر عن المؤتمر حقوق والتزامات الدول في سعيها نحو التنمية المستدامة والتضامن الدولي، ولكن الإنجاز الأكبر في هذا السياق قد ظهر مع وضع الأممالمتحدة لأهداف الألفية الجديدة الثمانية للتنمية بناًءا علي القرار رقم 55/2 والذي هدف إلي محاربة الفقر والترويج للتنمية المستدامة. ولتحقيق التنمية المستدامة فان لها ثلاث أبعاد أساسية لا تتحقق التنمية المستدامة بدونهم، البعد الاقتصادي: ويعتمد بالأساس علي محاربة الفقر. البعد الاجتماعي: المشاركة الفعالة للمرأة، وتحسين التعليم، والحكامة الجيدة. البعد البيئي: منع التدهور البيئي ونماذج التنمية غير المستدامة. ويتم تحقيق هذا علي المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية. أما مفهوم الاقتصاد الأخضر ففد ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة لدى زعماء الدول والحكومات ووزراء مالية مجموعة العشرين، ونوقشت فكرة الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة وتقليل الفقر، حيث عرّف برنامج الأممالمتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه "ذلك الذي ينشأ مع تحسن الوجود الإنساني والعدالة الاجتماعية، عن طريق تخفيض المخاطر البيئية"، أما في تعريفه البسيط فهو " الاقتصاد الذي يوجد به نسبة صغيرة من الكربون ويتم فيه استخدام الموارد بكفاءة، الاحتواء الاجتماعي. كما أن النمو في الدخل والتوظيف يأتي عن طريق الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاثات الكربون والتلوث، تدعم كفاءة استخدام الموارد والطاقة، وتمنع خسارة التنوع البيولوجي، وهذا لا يتحقق إلا من خلال إصلاح السياسات والتشريعات المنظمة لذلك". وتجدر الاشارة هنا بأن مفهوم الاقتصاد الأخضر لا يحل محل التنمية المستدامة، ولكنه نتيجة الاقتناع المتزايد بأن تحقيق التنمية المستدامة المطلوبة لن تتحقق إلا عن طريق الترويج لفكرة الاقتصاد الأخضر بعد عقود من تدمير البيئة عن طريق الاقتصاد البني(هو عكس الاقتصاد الأخضر والمبني على التنمية الملوثة للبيئة)، كما أنه لا يمكننا تحقيق الأهداف التنموية للألفية دون تحقيق الاستدامة التي تعتمد بدورها على فكرة الاقتصاد الأخضر. وتتجلى توظيفات الاقتصاد الأخضر في دول النامية، على الزراعة الخضراء في الدول النامية التي تركز علي المساحات الصغيرة التي من الممكن أن تخفض الفقر، والاستثمار في الطبيعة التي يعتمد عليها الفقراء، كالمحميات والصيد وغيرها، زيادة الاستثمارات في الأصول الطبيعية التي يستخدمها الفقراء في حياتهم اليومية. الاعتماد على الطاقة المتجددة لأنها تساعد في حل مشكلة فقر الطاقة. الترويج للسياحة وغيرها من الأنشطة الاقتصادية غير الملوثة للبيئة، لأنها تعتمد علي دعم الاقتصاد المحلي وحل مشكلة الفقر. مما يوضح جليا أهمية اللجوء للاقتصاد الأخضر لما له من القدرة علي تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر علي نطاق واسع، وإن الاقتصاد الأخضر يمكنه تحقيق النمو والتوظيف مثل الاقتصاد البني، ولكنه يحقق مالا يحققه الاقتصاد البني من اهتمام بالجوانب البيئية والاجتماعية. وهنا نعرج على مفهوم الاقتصاد الأخضر في المغرب، حيث عبر جلالة الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2009 عن مدى انشغال جلالته بموضوع البيئي « وإن المغرب، وهو يواجه ، كسائر البلدان النامية تحديات تنموية حاسمة وذات أسبقية، فإنه يستحضر ضرورة الحفاظ على المتطلبات البيئية... ولمواجهة هذه التحديات يجب انتهاج سياسة المشاورة مع ضرورة انخراط الشعب المغربي قاطبة.. » . هذا ويعتبر خطاب جلالته حجر الأساس الذي أسس لوضع الميثاق الوطني للبيئة، والذي يهدف بالأساس الى خلق دينامية جديدة وإعادة التأكيد على أن المحافظة على البيئة, ينبغي أن يشكل الانشغال الدائم لعموم المغاربة في مسلسل التنمية المستدامة للمملكة ، والتذكير بالمبادئ الأساسية للتنمية المستدامة والبيئة، والتي يعد تطبيقها حاسما لأجل تدعيم المقومات الاقتصادية للمملكة ،وتحديد على ضوء ما سبق، المسؤوليات الفردية والجماعية لعموم المغاربة من أجل تعبئتهم كل حسب النشاط الذي يزاوله، كما يتضمن هذا الميثاق ثلاث نصوص رئيسية من أجل النهوض وترسيخ ثقافة البيئة داخل المجتمع ومؤسسات الدولة والخاصة. أما بشقه المتعلق بالاقتصاد الأخضر، فقد صدر تقرير عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2012، حمل عدة توصيات، حيث تبنت في هذا الاطار عدة نقاط، والتي تروم في الأساس الى تحويل الدينامية الوطنية في ما يتعلق بالتنمية المستدامة يقتضي تنزيلها من خلال نموذج اقتصادي جديد يحافظ على الرأسمال الطبيعي ويضمن أعلى مستوى من الانسجام الاجتماعي. ولهذا الغرض، اقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي توصيات ميدانية بتدابير تتمحور حول ستة مرتكزات كبرى، هي الآتية: 1. تحديد استراتيجية شاملة للانتقال إلى اقتصاد أخضر على الصعيدين الوطني والاقليمي، تعتمد إدماج مختلف الاستراتيجيات والبرامج القطاعية. من أجل ذلك، يوصي المجلس بوضع لجنة مركزية عليا للاقتصاد الأخضر مشتركة بين جميع الوزارات، يكون من مهماتها اقتراح التوجيهات الاستراتيجية، وضمان التتبع والتحسين المستمر لمختلف البرامج المعتمدة، وتقييم نتائجها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. 2. ضمان اندماج صناعي فعلي وتنمية داعمة للمسالك الخضراء الوطنية. وذلك عبر إنجاز تحليل يمكن من تشخيص المسالك الصناعية الجديدة المتلائمة مع الإمكانات الطبيعية والبشرية للبلاد، ووضع مخطط لمشاريع تطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة الوطنية في هذه الميادين. ويتعين كذلك إعطاء الأولوية للبرامج الوطنية الخاصة بتنمية الطاقات الشمسية والريحية ومعالجة مياه الصرف وتدبير النفايات الصلبة المنزلية، بهدف رفع نسبة الفائدة الناتجة عن الاستثمارات الهامة الموظفة، عبر خلق فرص عمل وتطوير الخبرة المغربية. 3. وضع مخطط عملي من أجل استباق الحاجات المستقبلية من الكفاءات التي تناسب البرنامج الوطني لتطوير مسالك صناعية خضراء، بتنسيق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين والأكاديميين، مع الحرص على إدماج البعد الاقليمي. كما يتعين تشجيع مبادرات البحث العلمي والتطوير والابتكار التكنولوجي المنتج لبراءات الاختراع، التي تشمل مجموع المسالك الصناعية للاقتصاد الأخضر. ومن جهة أخرى، فإن إدماج البعد البيئي في البرامج التربوية وفي التعليم بمختلف أسلاكه سيمكن من تعزيز المواطنة البيئية وتكييف السلوكيات وأنماط الاستهلاك المستقبلية. 4. تطوير البعد الاجتماعي والسلوك الاجتماعي في إطار الاقتصاد الأخضر، مع الارتكاز على «الميثاق الاجتماعي» الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي كمرجعية أساسية. وكذلك وضع تدابير فعالة لتعميم آليات المسؤولية الاجتماعية والبيئية داخل المقاولات. 5. تفعيل الترسانة القانونية البيئية الموجودة بوضع وسائل للمراقبة والتتبع المناسبين، وتطبيق مبدأ «الملوث يدفع»، وإصدار القانون المتعلق بالميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة. 6. تعزيز آليات التمويل العمومي الخاص عبر صيغ تفضيلية لتخضير مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصاً بالنسبة الى المقاولات الصغرى والمتوسطة. كما أن إدماج تقييم الأخطار البيئية والاجتماعية في شروط منح القروض من المصارف سيمكن من فرض القوانين والالتزامات البيئية والاجتماعية في المراحل الأولى لكل الاستثمارات. وللحدود كتابة هذه الأسطر لم يتم تفعيل سوى الشق المتعلق بالطاقات المتجددة، حيث تم انجازات محطات كبرى لتوليد الطاقة في ورزازات بلغت تكلفتها 100 بليون درهم (نحو 11 بليون دولار)، حيث من المرتقب أن تبلغ كميات الطاقة المستخلصة من هذه المحطة (2000 ميغاواط) ،مما يوفر حوالي فائضاً بقيمة 2،5 مليون طن معادل للبترول، مما سيمكن من تلافي انبعاث 9،5 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون في السنة. وتقدر إمكانات خلق فرص العمل التي يمكن لمسالك الطاقات المتجددة في المغرب خلقها بأكثر من 27 ألف فرصة في أفق سنة 2020. وبعد ذلك استلمت الوزارة المنتدبة المكلفة بالبيئة مشعل تنمية هذا المفهوم الاقتصادي الجديد، خاصة مع وصول الدكتورة حكيمة الحيطي خبيرة البيئة، حيث دعت كافة القطاعات الوزارية لإدماج مخطط الاقتصاد الأحضر ضمن قوانينها، ونجاحها كذلك في تمرير قانون اطار 12/99 المتمثل في الميثاق الوطني للبيئة، وينص هذا القانون الإطار، الذي يعتبر بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، والذي صدر بالجريدة الرسمية في 20 مارس الماضي، على تعزيز الإجراءات الرامية لتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية ومحاربة التصحر، إلى جانب المحافظة على التنوع البيولوجي وتشجيع وحماية الأنظمة البيئية البحرية والساحلية من آثار كل الأنشطة التي من شأنها تلويث المياه والموارد الطبيعية", وأهم شيء جاء به هذا القانون يكمن في تعويض عن الأضرار البيئية، كما يتم الاعداد للإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، تتطابق معها كل السياسات العمومية والقطاعية داخل أجل سنتين، من أجل إرساء حكامة بيئية وضمان الانتقال والتحول إلى اقتصاد أخضر وشامل. بهذا يكون المغرب قد خطى خطوات متقدمة من أجل النهوض بثقافة بيئة جوهرها التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر خاصة في شقها القانوني، ، لكن غياب ثقافة بيئية يحول دون تحقيق هذه المخططات على أرض الواقع، مثلا يتم تفويض تدبير نفايات بعض المدن لشركات أجنبية بأموال وميزانيات ضخمة، مما يساهم بشكل كبير في استنزاف ميزانيات الدولة. بذلك وجب تسطير برامج جديدة في التربية والتكوين، فكلما فهم المتعلمون أهمية البيئة سعوا إلى الحفاظ عليها، وتوعية غيرهم من الناس غير المتعلمين وتحسيسهم بأهمية الحفاظ على البيئة والتركيز على تضافر جهود الجميع والتحلي بروح تضامنية، والعمل كيد واحدة من اجل بيئة سليمة ينعم بها الجميع، والتي ستجعل من عملية تنزيل مفاهيم من حجم الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة سلسة وحتمية، كما يجب على أصحاب المقاولات الخاصة التحلي بروح المسؤولية اتجاه ثروات أجيال الغد وذلك عن طريق احترام معايير المسؤولية الأخلاقية والبيئة لشركاتهم.