الأدب ليس ترفا بل يقع في صلب بناء الغد والمعرفة برمتها شهدت قاعة الندوات بفضاء المدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، حدثا ثقافيا، أحدث رجة قوية في شرايين المدينة الزرقاء، وهي تحتضن بقلب مفتوح فعاليات الملتقى الأدبي المغربي- الإماراتي حول السرد في الإمارات العربية المتحدة، بمشاركة وزانة لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات الذي انخرط في تعاون مثمر مع شعبة اللغات بالمدرسة العليا للأساتذة بجامعة عبد المالك السعدي، التي سهرت على تنظيم الملتقى بدعم من المجلس البلدي لمدينة مرتيل، وحضور فعال للنقاد المغاربة. انطلقت الجلسة الافتتاحية التي أدراها مدير الملتقى عبد الرحيم جيران، وحضرها ممثل سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة بالرباط، بكلمة حسن الزباخ نائب رئيس جامعة عبد المالك السعدي الذي شكر القائمين على الملتقى مرحبا بالوفد الإماراتي والنقاد المغاربة بهذه المؤسسة الجامعية النشيطة، معتبرا أهمية هذه اللقاءات في توطيد عمق العلاقات التاريخية والأخوية التي تجمع الشعبين المغربي والإماراتي، مؤكدا على استعداد جامعة عبد المالك السعدي للعمل المشترك بهدف خلق علاقات أكاديمية وعلمية بين الجامعات في البلدين. رحب الأستاذ عبد العزيز ميمط مدير المدرسة العليا للأساتذة بتطوان في كلمته بضيوف المدرسة الذين تكبدوا مشقة السفر من أجل المشاركة في هذا الملتقى، مبديا ابتهاجه بالمسيرة العلمية والثقافية التي انخرطت فيها المدرسة بإصرار، انسجاما مع رؤيتها بعيدة المدى التي اختطتها في مجال تحول المعرفة إلى نتاج ملموس وفق منحيين: المنحى الأول يتأسس على إشراك جل الفاعلين داخلها من أساتذة وطلبة في عقد لقاءات وملتقيات علمية وثقافية، والمنحى الثاني يتأسس على انفتاح المؤسسة على محيطها الواسع بكل تلويناته ومشاربه. منهيا كلمته بالتعبير عن استعداده للتعاون في جميع المجالات العلمية والمعرفية. أما عبد اللطيف البازي ممثل المجلس البلدي لمدينة مرتيل، فقد اعتبر في كلمته الملتقى محطة ثقافية هامة، وأن المجلس البلدي لمدينة مرتيل لا يمكنه إلا أن يشجع ويدعم بقوة مثل هذه المبادرات، معرجا في ذات السياق على الرصيد الثقافي الذي تزخر به المدينة، والذي يتوجب تدوينه، بدءا من نمط العيش، وما هو رمزي، كالفن التشكيلي والأدب والنقد، ذلك أن مدينة مرتيل الشاطئية من أكثر المدن نشاطا ثقافيا على طول السنة، مرحبا بالمبدعين في البلدين. أما كلمة حبيب الصايغ رئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات التي ألقتها بالنيابة لولوة أحمد المنصوري، فقد أكدت على أن العلاقة الثقافية بين البلدين والشعبين الشقيقين في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية، مهمة وتكمل كل العلاقات الأخرى، وهي متجذرة منذ عهد كل من القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وأخيه الملك الراحل الحسن الثاني، وتنضج وتترسخ الآن في عهد كل من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والملك محمد السادس. معتبرا مشاركة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات اليوم في هذه الفعالية التي تنظمها شعبة اللغات في المدرسة العليا للأساتذة التابعة لجامعة عبد المالك السعدي، محطة للخروج بهذه العلاقة التي تربط بين هاتين الثقافتين إلى آفاق أوسع وأعمق. مؤكدا على حرص الإتحاد على الحضور العربي، من خلال سعيه الدائم إلى إيصال الصوت الإماراتي المبدع إلى مختلف الساحات، لا سيما الساحة المغاربية. ولهذا، فالوجود الإبداعي الإماراتي في المغرب له دلالته، لأنه يعبر عن اللقاء بين مشرق الوطن العربي ومغربه ضمن نسيج ثقافي متجانس متكامل إحساساً وانتماءً وتطلعاً نحو المستقبل المحكوم بقيم الجمال والإبداع. أما عبد الفتاح صبري عن نادي القصة بالإمارات العربية المتحدة، فقد عبر في كلمته عن سعادة الوفد بالإقامة بين الأشقاء في المغرب حاملين ورود الود وتحيات الإخوة أعضاء مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وعلى رأسهم الأديب الشاعر حبيب الصايغ رئيس مجلس الإدارة، وكذلك الإخوة أعضاء نادي القصة، شاكرا الدعوة الكريمة ودفء الاستقبال، وكرم الضيافة، والذي يمثل بحق شيم الأصالة والعروبة والإسلام. معبرا عن تفاؤله بهذه الفعالية التي ستكون بداية لتعاون أوثق وأكبر لتبادل المنفعة والخبرات، وتجسير المسافات من خلال الإطلال على محاور الإبداع المشترك، وإن كانت وسائل الاتصال قد قربت وعرفت إلا أن هذا الحوار الحي لكاشف أكثر ويعطي دلالته الأقوى. وهذا استكمال لتواصل متحقق بالفعل من خلال مؤسسات متعددة بدولة الإمارات العربية المتحدة كدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، والتي أقامت اكثر من ملتقى للاحتفاء بالأدباء والشعراء والمسرحيين الإماراتيين في عدة مدن مغربية على مدى السنوات الفارطة، وكذلك وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع التي تساهم وتشارك في معارض الكتب والمناشط الثقافية الأخرى التي تعقد بالمملكة المغربية. كما أن التواجد المغربي بالإمارات متحقق من خلال هؤلاء الشباب حاصدي جوائز الإبداع المتعددة، وكذلك مشاركة الأدباء والنقاد والأساتذة المغاربة في المناشط والفعاليات الإماراتية. مؤكدا في ذات السياق أن نادي القصة باتحاد كتاب وأدباء الإمارات يحاول دوما الخروج من ربقة المكان محليا وعربيا، فإقامة الملتقى هو ترسيخ لمختبر للتعاون وصقل التجارب وفتح لأبواب التواصل المتعاون والمتبادل. أما عبد الرحيم جيران مدير الملتقى ورئيس شعبة اللغات بالمدرسة العليا للأساتذة، فقد رحب في كلمته بالضيوف والأدباء والمبدعين الإماراتيين والمغاربة، وشكر ناصر هويدان الكتبي القائم بأعمال سفارة دولة الإمارات في المغرب على حضوره فعاليات الملتقى، وعبر عبد الرحيم جيران عن شعوره بالفخر والاعتزاز وهو ينخرط في إطلاق هذا الملتقى النقدي والإبداعي الذي يجعل من السرد الإماراتي موضوعا له، والذي أقيم بتعاون بين شعبة اللغات واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، يندرج في مسار البرنامج الثقافي العام الذي وضعته الشعبة من أجل تأسيس تقاليد متينة في المجال العلمي والثقافي، ومن أجل إعطاء الفضاء الجامعي قيمته، وتوجيه دوره نحو الغايات الأساس التي ينبغي استهدافها. معتبرا أن الملتقى تطوير للعمل الذي مارسته الشعبة لسنين عديدة، والمتمثل في الانتقال بأنشطتها المختلفة إلى مرحلة جديدة ننفتح فيها على محيطنا العربي والدولي. مبرزا المنظور الثقافي الذي تنخرط فيه المدرسة، والهدف الأسمى منه هو أن تكون الثقافة مكونا أساسا لا غنى عنه في تكوين شخصية الطلبة، وإعدادهم كي ينخرطوا في الحياة على نحو إيجابي وفعال. إن الأدب ليس ترفا، إنه يقع في صلب بناء الغد وبناء المعرفة برمتها. فمن دون الخيال الذي يمنحه لنا الخيال تستحيل المعرفة العلمية ذاتها، إذ يوجد في قلب كل العلوم أساس الخيال، فبه تتطور وتنمو. كما أن الأدب له دور آخر، إنه يحمينا من الحقائق الدوغمائية، بما يقوم عليه من احتمال، ولذلك فهو ضد التعصب والكراهية، واستبداد الرأي، فهو يعلمنا تنسيب الأشياء، والتعدد، والاختلاف، وتقبل أن يكون العالم على نحو مختلف. فالجمال وحده ينقذنا من قتامة العالم وحزنه. وانطلاقا من هذا المنظور نرى إلى أهمية الثقافة في التعليم في كل مراحله المختلفة، ولعل الملتقى يصب في هذا الاتجاه، فإلى جانب قيامه بهذه الوظيفة، يفتح أفق مداركنا على تنوع الثقافة العربية وغنى روافدها. فالانفتاح على أدب الإمارات العربية المتحدة يجعلنا ندرك مدى سعة الأفق العربي. كما أنه يعلمنا تجاوز النظرة الضيقة التي تصنف الآداب في المنطقة العربية إلى رائد وتابع. اليوم لم يعد هناك ما يسمى بلد صغير وبلد كبير، أو أدب مركزي وأدب ناشئ. هناك فقط اختلاف التجارب والخبرات، وعلينا تعلم الإصغاء إلى ما يشكلنا ويؤسس للجوهر الإنساني. بعد ذلك تفاعل الجمهور النوعي الذي ملأ قاعة الندوات، مع المحاضرة الافتتاحية للأكاديمية والأديبة زهور كرام الموسومة ب»السرد بوصفه حالة ثقافية» أدارها باقتدار محمد الإدريسي، انطلقت فيها بداية من أهمية التأسيس لمثل هذه الشراكات التي يشهدها الزمن الجديد بين الثقافة والبحث والعلمي في ظل تراجع السؤال الفلسفي أمام هجمة المعلومة، وانعدام مساءلتها. معتبرة هذه الشراكة بمثابة أسلوب للتفكير يرصد تطور بلداننا من خلال طريقة تفكيرنا،ثم انطلقت الدكتورة زهور كرام من بعض المحددات على شكل ملاحظات منهجية: أولا – «السرد باعتباره حالة ثقافية»، عنوان يجعلنا نتبنى تصورا يعتبر كل تعبير إبداعي له علاقة بأسئلة سياقية وحاجة مجتمعية ورهانات فكرية مرتبطة بأفق المجتمع، وبالتالي يجعلنا هذا التصور نتجاوز فكرة اعتماد مبدأ المرجع الذي عندما يتحول إلى موقع للرؤية فإنه قد يعطل مسألة تدبير قراءة خصوصية إبداع مجتمع من المجتمعات العربية. ثانيا - اعتماد السرد في التواصل مع الإبداع الإماراتي هو قضية منهجية تتعلق بإمكانية إنتاج وعي بالتصورات التي يتبناها السرد الإماراتي، وذلك بناء على عملتي ترتيب وتنظيم مواد العالم المحكي، أو بتعبير آخر ما هو النظام الذي تقترحه الإبداعية الإماراتية والذي يؤسس لشكل وعيها ولطبيعة رؤيتها للعالم. ثالثا - يؤدي هذا التصور إلى اعتبار السرد الإماراتي وقراءته مغربيا هو عملية حوار بين رؤيتين للعالم، لأن الإبداع يمثل من جهة حالة ثقافية لشكل تنظيم العالم والذات، والقراءة النقدية تمثل من جهة ثانية منطق التفكير الذي يؤسس بدوره لرؤية العالم. إذن، نحن أمام حوارية تنتج لاشك في ذلك معرفة بمسار تطور التفكير في المجتمعين معا الإماراتي والمغربي. بعد هذه الملاحظات قدمت الأديبة زهور كرام قراءة لمسار تكون السرد الإماراتي مبدية بعض الملاحظات التي بدت لها أثناء قراءة هذا السرد، حيث لاحظت أن القصة القصيرة تهمين على السرد أكثر من الرواية بعد الشعر منذ الخمسينيات، وأنه ثمة توازي بين إصدارات الشعر والقصة. فالسرد يزاحم الشعر في الإمارات العربية المتحدة، مقترحة بعض المقاربات بسبب طبيعة بناء فضاء الإمارات، نتحدث عن مفهوم الإمارة التي تنشئ لنفسها طريقة خاصة بها. حيث ثمة طريقة مختلفة في بناء السرد الإمارتي. كل إبداع هو حالة ثقافية وخصوصية مجتمع. متسائلة عن الكيفية التي تتشخص بها هذه الحالة. أما الملاحظة الثانية على مستوى قراءة المجاميع القصصية، فلاحظت زهور كرام أن الكاتبة الإماراتية حاضرة بقوة في الإبداع السردي؛ ذلك أن المرأة خزان الرؤية للعالم، وأن ما تقوم به الكاتبة الإماراتية يوثق للحظات تجارب زمن المخاض، مبرزة في هذا السياق مجموعة من المظاهر التي تميز السرد الإماراتي عبر تاريخه الحديث تتمثل في : -»تجارب زمن المخاض» والتي شكلت البدايات، وجاءت على شكل تأملات ذاتية وتداعيات وجدانية انعكس شكلها على صيغة الكتابة وطبيعة اللغة وتركيبة الجملة ووضعية السارد الذي يحدث له أحيانا نوعا من اللبس حين يأتي بضمائر متعددة ضمن حالة سردية واحدة. – «الرؤية الواقعية» باعتبارها مظهرا ميز عددا مهما من التجارب السردية، وهي رؤية أعلت –أحيانا- من شأن الحكاية، واهتمت بتفاصيلها، وتجلى هذا المظهر في حرص عدد من النصوص على تحديد نهاية القصة بحل أو موقف. - «الفضاء النصي المتفاوت للقصة» إذ تتميز مجموعة من النصوص بالتفاوت في فضائها النصي، ففي مجموعة واحدة قد نلتقي بالقصة القصيرة الطويلة والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا. -» القصة بنفس روائي» حيث تتميز كتابة القصة الإماراتية بحضور مهم لمكونات روائية مثل الحوار والإهتمام بالحدث وتفصيله والانشغال بالوصف واعتماد تعدد الشخصيات، وقد انعكس هذا الوضع السردي على مساحة القصة. لهذا رأت الكاتبة زهور كرام أن المرور من القصة إلى الرواية لدى مجموعة من الكتاب الإماراتيين قادم من طبيعة بناء القصة بالنفس الروائي. ولهذا اعتبرت الناقدة أن الرواية الإماراتية مؤهلة للحضور الكمي والنوعي لكونها حاضرة باعتبارها حالة سردية داخل القصة القصيرة. بعد عرضها لبعض مظاهر السرد الإماراتي اقترحت الكاتبة زهور كرام للنقاش مجموعة من الملاحظات حول وضعية السرد الإماراتي الذي يؤسس منطقه من حالته الحضارية، ومن هذا الإيقاع السريع الذي تعرفه الإمارات والذي يجعل المبدع الإماراتي يسرع الخطو ليلتقط هذا المنفلت ويحوله إلى لحظة إبداعية تشخص شكل تفاعل المبدع مع زمن التحول. يعيش المبدع الإماراتي حالة بحث عن شكل سردي جديد يشخص وضعه في مجتمع يعرف تحولات سريعة على جميع المستويات. كما شهد حفل الافتتاح حفلا موسيقيا أحيته فرقة الحضرة التطوانية، قدمه تلاميذ وتلميذات إعدادية سادس نوفمبر بتطوان بإشراف الطالبة خولة الوهابي. إضافة إلى فرقة الطرب الأندلسي المكونة من طلبة المدرسة وأعضاء المعهد الموسيقي بتطوان. *كاتب مغربي