والآن، وقد نظمت المسيرة العمالية الاحتجاجية بالدارالبيضاء أول أمس الأحد، حان إذن وقت الانكباب على مهام العمق، أي على تفعيل الإصلاحات الاجتماعية الملموسة بما يستجيب لانتظارات وتطلعات الطبقة العاملة وعموم الشغيلة والفئات الفقيرة والمتوسطة من شعبنا. المسيرة التي دعت إليها ثلاث مركزيات نقابية هي: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل، وانتظمت تحت شعار: «المسيرة الوطنية الاحتجاجية دفاعا عن القدرة الشرائية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية»، واختلف، كالعادة، المنظمون والأمنيون والصحفيون والمراقبون في تقدير أعداد المشاركين فيها، شهدت ترديد شعارات ومطالب، الكثير منها معروف ويتردد في كل التظاهرات الاحتجاجية، حتى قبل تشكيل الحكومة الحالية، كما أن أصوات المشاركين ومضامين اللافتات المرفوعة ذكرت أيضا ب «تجاهل» الحكومة للمطالب العادلة والمشروعة للطبقة العاملة، وب «غياب إرادة حقيقية لديها» من أجل فتح مفاوضات جماعية تفضي إلى اتفاقات ملموسة لصالح الطبقة العاملة، ثم احتجت على «تعطل» مسار الحوار الاجتماعي، وطالبت بحماية القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم فئات الشعب المغربي، وبعدم المس بمعاشات التقاعد والزيادة في الأجور، إضافة إلى احترام الحريات النقابية، وإشراك الطبقة العاملة في مشاريع إصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد مع تنفيذ ما تبقى من بنود اتفاقية 26 أبريل 2011. الآن ليس وقت تبادل النعوت والتوصيفات لخلفيات الاحتجاج والتصعيد أو الجمود واللاتفاعل بين هذا الطرف أو ذاك، وإنما التمرين النضالي المطلوب هو الانخراط الجماعي في حوار اجتماعي عقلاني وواقعي ومسؤول لتدارس الإشكالية الاجتماعية في بلادنا، والسعي لبلورة قرارات وإجراءات من شأنها حماية القدرة الشرائية لشعبنا وتطويرها، وتحسين ظروف العيش وتأمين الكرامة والعدالة الاجتماعية. هذا هو المطلوب اليوم، ولا يمكن أن يتم إلا من خلال الحوار بين الأطراف المعنية، وهنا يجب تملك الشجاعة من لدن الجميع كي يتحقق الانتصار على الذات، وينجح الجميع في الانتصار، أولا وقبل كل شيء، لمطالب وانشغالات الفقراء من أفراد شعبنا. السياقات صعبة فعلا، والبلاد أسست لتطلعاتها التنموية والاقتصادية الكبرى، لكن إنجاح دينامية الإقلاع لن يتم إلا بالحرص على ترجمة كل ذلك على المستوى الاجتماعي، وبالتالي كي يكون ممكنا تقوية التعبئة الشعبية من أجل الإصلاح، ومن أجل تعزيز استقرار البلاد وتميز نموذجها الديمقراطي. المسيرة البيضاوية لا شك أنها أيضا أبرزت كثير أسئلة من نوع آخر، هي التي تعني المركزيات النقابية نفسها، وكل القوى الديمقراطية والتقدمية المرتبطة بنضالات الطبقة العاملة، وذلك يستدعي تمتين التفكير والتأمل والفعل في تجليات الضعف، بما يقوي الدينامية النضالية وسط شعبنا، ويصون التعددية في بلادنا، ويعزز وحدة النضالات الاجتماعية والنقابية. من مسيرة الدارالبيضاء، وأيضا مما سبق أن عبرت عنه قوى تقدمية من قبل، بما في ذلك من داخل الحكومة نفسها، انبعثت اليوم رسالة واضحة، هي ضرورة تسريع وتيرة إنجاز الإصلاحات الاجتماعية بما يلبي انشغالات العمال والمأجورين وأيضا العاطلين، وكذلك بما يحقق لبلادنا مصالحة جديدة مع نفسها، أي بتوفير شروط العيش الكريم لأبنائها. ليبدأ العمل إذن، ولينخرط الجميع بجدية وواقعية ومسؤولية؟