ما هو المسار النضالي لمحمد بلاط؟ بدأ مساري النضالي في سبعينيات القرن الماضي حيث التحقت بالحزب غداة الموتمر الاستثنائي و بالضبط بعد توصلنا نحن مجموعة من الشباب/ التلاميذ آنذاك بدعوة لحضور الذكرى الاربعينية لاغتيال الشهيد عمر بن جلون المنزمن من قبل الكتابة الاقليمية للاتحاد الاشتراكي بالقنيطرة .... من هنا بدأ مشواري النضالي في القنيطرة المناضلة في الشبيبة الاتحادية حيث اسسنا اول تنظيم شبيبي في الحزب بالمدينة و الاقليم و الجهة التي كانت تمتد الى غاية وزان وكان حضورنا النضالي قويا في القطاع التلاميذي و الجمعوي وشكلنا الطلائع الاولى للشبيبة الكونفدرالية بالمدينة و التي تزامنت آنذاك مع اغتيال الشهيد محمد اكرينة حيث اعتقلنا في تظاهرة فاتح ماي 1979 لتوزيعنا منشورا يدين اغتيال الشهيد اكرينة.....بعدها التحقنا بكلية الاداب وانخرطنا في نضالات القطاع الطلابي في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد رفع الحظر عن المنظمة الطلابية العتيدة ، كقطاع طلابي اتحادي وكنت بمعية بعض اخوتنا نمثل القطاع في اول تعاضدية منتخبة بعد الحظر بكلية الاداب ثم في المؤتمر الوطني السادس عشر الذي كان حضور مناضلات و مناضلي القنيطرة مهما....وعشت كل مخاضات الحركة الطلابية .....و مخاضات حزب القوات الشعبية ....والكونفدرالية الديمقراطية للشغل ...من موقع المناضل الملتزم بقضايا الدفاع حق شعبنا في العيش الكريم في مجتمع ديمقراطي تسوده الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية وحاليا أنا عضو بالمكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وعضو اللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم (ك د ش) وعضو مجلسها الوطني، بالاضافة الى عدد من المهام و المسؤوليات المحلية و الوطنية في مجالات متعددة و متنوعة نناضل من أجل مجتمع ديمقراطي حداثي. المسائية العربية: غادرتم حزب الاتحاد الاشتراكي، لتنخرطوا في مسلسل توحيد بعض فصائل اليسار الجدري،هل معنى ذلك، انه بقدر ما ضاق الاتحاد بطموحكم النضالي و بأفقكم السياسي، عثرتم في أحزاب اليسار"غير المندمج" على مقومات مشروع سياسي جديد؟و لئن كان الأمر كذلك، ما هي أفاق هذا المشروع السياسي ؟و ما هي استراتيجيات بلوغ أهدافه المنظورة أو البعيدة المدى؟ محمد بلاط: من المؤكد ان مغادرتنا نحن ابناء الحركة الاتحادية لم تمليها اعتبارات ذاتية محضة بقدر ما أملتها بالاساس اعتبارات موضوعية يمكن إجمالها في : اولا: الابتعاد عن الاختيارات التي أقرها المؤتمر الاستثنائي للحزب في التقرير الايديولوجي وذلك منذالمؤتمر الوطني الرابع ،الذي شكل (التقرير الايديولوجي للحزب)التعاقد الاساس التاريخي بين مناضلي الحركة الاتحادية مع الجماهير الشعبية وعلامة فارقة بين مرحلتين حاسمتين من التاريخ النضالي لليسار المغربي بصفة عامة و للحركة الاتحادية بصفة خاصة.... ثانيا :أن المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي الذي كان يحمله الاتحاد و يناضل من اجله بالإضافة إلى رصيده النضالي من اجل تحقيق هذا المشروع، و الذي أكسبه جماهيرية واسعة لدى شرائح اجتماعية متنوعة من الشعب المغربي..جعلته يكون موضوع محاربة شرسة من طرف خصوم الديمقراطية من الداخل و الخارج والسعي إلى فك ارتباطه بعمقه النضالي الوطني و السياسي والاجتماعي والشعبي... ثالثا: انتصار أصحاب النظرة الاختزالية لإستراتيجية النضال الديمقراطي في العملية الانتخابية فقط مع ما صاحب ذلك من تغيير تدريجي لبنية الحزب من النضال من دمقرطة المجتمع و الدولة إلى النضال من أجل الحصول على مقاعد كهدف في حد ذاته لفائدة بعض الانتفاعيين و اصحاب المصالح و بعض الانتهازيين الوصوليين الذين استفادوا من رمزية وشعبية و نضال الحزب التاريخية... رابعا: التزوير الممنهج الذي طال كل عمليات التهييء للمؤتمر الوطني السادس و إقصاء الرأي المخالف لتجربة التناوب و تحييد و تهميش دور الطبقة العاملة ... خامسا: فشل تجربة ما سمي بالتناوب التوافقي في الانتقال بالتجربة السياسية المغربية إلى وضع المجتمع الديمقراطي الحداثي و الأضرار التي لحقت بمصداقية العمل الحزبي و السياسي بالمغرب.هذه بعض الاعتبارات التي اضطرتنا للمغادرة و تأسيس حزب المؤتمر الوطني الاتحادي كاستمرار للحركة الاتحادية الأصيلة للاستمرار في النضال من أجل مجتمع ديمقراطي تسود الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثروة الى جانب اخوتنا في النضال الدين نتقاسم معهم نفس القناعات و التي أفضت إلى تشكيل فدرالية اليسار الديموقراطي التي تضم إلى جانب حزبناالمؤتمرالوطني الاتحادي ،حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و حزب الاشتراكي الموحد ..
المسائية العربية: تزامنا مع مشروع توحيد أحزاب" اليسار الجدري" سعى حزب الاتحاد – و قد توفق- في إستعادة أحزاب خرجت من ظهره(المؤتمر الاتحادي)منها من نافس بعض رموزه في دوائر انتخابية إبان البرلمانيات(حزب العمالي) الأخيرة، أليس في ذلك سباق نحو''الاستقواء السياسي'' بين الاتحاد الاشتراكي و بين من تموقع على يساره من سابق أطره و كوادره السياسية و النقابية؟ محمد بلاط: أعتقد ان محاولة إعادة تشكيل اليسار المغربي اصبحت في تقديرنا ضرورة تاريخية و حاجة مجتمعية ،اليسار الذي يحمل هم المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي بالنظر الى ما اصاب اليسار من ازمة حقيقية ..،و للفراغ الموجود في الساحة السياسية المغربية حاليا،وفي هذا السياق كانت هناك مبادرة تاريخية عملية في هذا الاتجاه وتمثلت في اعلان الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الفدرالية الديمقراطية للشغل لمسيرة 27 مايو2012 و هي المسيرة التي اعادة الامل في إمكانية إعادة بناء حركة اليسار المغربي ، الديمقراطي و المستقل في قراره السياسي... وكذا مسيرة 30 مارس 2013،لكن للأسف لم تعط هذه المبادرة كل النتائج التي كانت منتظرة منها .... ...ويبقى في تقديرنا ان فدرالية اليسار الديمقراطي ستشكل النواة الصلبة لتجميع اليسار الديمقراطي المستقل في المغرب على قاعدة البرنامج المرحلي كما تم تحديده في الارضية السياسية لفدرالية اليسار الديمقراطي الذي سنأتي على التذكير باهم عناصره فيما بعد ...و للإشارة فقط في المغرب هناك يسار واحد يسار يؤمن بالديمقراطية و الحداثة و يناضل من اجل تحقيقهما.... المسائية العربية: من تجربة" الكتلة الديمقراطية " التي أعقبها إصلاحان ' دستوري مثله دستوري 1996 وسياسي يحمل تسمية حكومة التوافق ، إلى" فدرالية اليسار الديمقراطي" تحول بلا شك يمس الرؤية السياسية،نوع الحلفاء...آليات الاشتغال فما هي الأهداف المنظورة " لفدرالية اليسار الديمقراطي" أولا اتجاه باقي مكونات اليسار الجدري،و ثانيا في اتجاه السلطة السياسية و المؤسسات ؟ محمد بلاط: تفصيل هذا السؤال ستجدونه في الورقة السياسية لفدرالية اليسار الديمقراطي الذي صادقت عليها المجالس الوطنية لمكونات الفدرالية في يوم واحد: الأحد 26 يناير 2014"....إذ حاولت الورقة بلورة تشخيص لطبيعة المرحلة التي تمر بها بلادنا وملابساتها، تشخيص قادر على توضيح الرؤية الإستراتيجية للمناضلين والجماهير، ورصد إمكانيات التطور وآفاق النضال الديمقراطي بأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية في أفق إقرار الملكية البرلمانية كنظام حكم يكرس سلطة الشعب قانونا وممارسة. ولا شك أن التحليل الموضوعي لطبيعة الوضعية السياسية في ارتباط بالمحيط الدولي والعربي و المغاربي هو أساس لقراءة الواقع المتحرك باستمرار ويجعلنا نستحضر السياق العام الذي يؤثر حتما في التطور التاريخي لبلادنا لصياغة الأجوبة المشتركة عن الأسئلة الكبرى التي تطرحها علينا المرحلة الراهنة مثل: لماذا لم يؤد نضال الشعب المغربي و قواه التقدمية منذ الاستقلال إلى التغيير الديمقراطي المنشود؟ وهل كان هذا التغيير ممكن الحدوث بالنظر لموازين القوى ومعطيات الصراع الموضوعية ؟ و ما هي الخطط و البرامج و الوسائل الكفيلة بالقطع مع وضعية الانحسار والتراجع التي يعاني منها اليسار المغربي؟" الصفحة 2 المسائية العربية: لاحظ المتتبعون أن حزبكم نهج مسارين بأفق التوحيد، الاول سياسي كانت نتيجته الاعلان عن ميلاد "فدرالية اليسار الديموقراطي"،و الثاني قاده الجناح النقابي للحزب في اتجاة مركزية الاتحاد المغربي للشغل. ما هي رؤيتكم ضمن" الفدرالية "لعلاقة السياسي بالنقابي،تم ضمن التقارب مع (إ م ش) ماهي الخدمات التي يستوجب في العمل النقابي تقديمها للفاعل السياسي؟
محمد بلاط: من المؤكد اننا و امام الهجمة الشرسة التي تقودها حكومة ما بعد انتخابات 25نونبر، التي جاءت على انقاض دستور 1 يوليوز 2011 الذي قاطعناه كتحالف لليسار الديمقراطي و بعض مكونات اليسار و المركزية المناضلة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ، وأمام الانحباس السياسي الخطير الذي يعرفه المشهد السياسي الوطني ..كان لابد من التفكير أيضا في تحالف نقابي قوي ودال لوقف هذا الهجوم غير المسبوق الذي أقدمت عليه حكومة الائتلاف التي يقودها حزب العدالة و التنمية بضرب التماسك الاجتماعي، والتوازنات المجتمعية، من خلال نيتها الإجهاز على أنظمة التقاعد والتعاضد، وإلغاء الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية عبر التخلي عن صندوق المقاصة، وتكريس مبدأ حقيقة الأسعار، مما ترتب عنه ضرب القدرة الشرائية للطبقة العاملة وعموم المواطنين. مقابل تجميد الأجور والتعويضات والترقيات، واستمرار التملص والغش الضريبيين، وازدياد الإعفاءات الممنوحة لقطاعات لا تؤدي أية وظيفة اجتماعية أو تنموية، وتشجيع اقتصاد الريع، وتفشي مظاهر الفساد، مع تحميل الأجراء لوحدهم عبء الثقل الضريبي، دون سن إصلاح جبائي، وإحداث ضريبة على الثروة لضمان العدالة الجبائية،وتغييب الحوار الاجتماعي المنتج والالتزام بما تبقى من اتفاق 26 ابريل 2011... كما ورد في التصريح المشترك للمركزيات النقابية الثلاث .إذن سياق طبيعة الظرفية الوطنية التي تمر منها البلاد هي التي دفعت موضوعيا الى تشجيع هذه الخطوة الجريئة التي يسجلها التاريخ و المتمثلة في مبادرة العمل النقابي المشترك بين المركزيات العمالية الثلاث: الاتحاد المغربي للشغل، الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الفدرالية الديمقراطية للشغل، فضغط الواقع السياسي، والمصلحة الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة وعموم الأجراء و جماهير شعبنا بل ولمصلحة وطننا هي ما أملت السير في هذا الاتجاه ،لخوض النضال الاجتماعي برؤية سياسية تعيد التوازن داخل المجتمع، لأن أصعب وأخطر ما يمكن أن تتعرض له المجتمعات هو هيمنة الفكر الواحد والوحيد خاصة إذا كانت حمولاته الثقافية لا عقلانية. ثم أن مطلب الوحدة النقابية في هذا المنحى حاضر في أدبيات كل القوى السياسية لليسار عموما ولمكونات فدرالية اليسار الديمقراطي ،و على كل حال أمامنا فرصة في الفدرالية لتعميق النقاش حول المسألة الاجتماعية عموما وقضايا الطبقة العاملة وتنظيماتها النقابية المناضلة ، التي تعتبر الارضية السياسية من مهامها الاساسية "المساهمة بفعالية في إعادة هيكلة أدوات الصراع الديمقراطي و الجماهيري برؤية جديدة و متجددة تجعل من التكامل بين نضال الفدرالية و نضال المركزيات النقابية و منظمات المجتمع المدني أساس التشكل التدريجي لتيار جماهيري ديمقراطي واسع داخل المجتمع المغربي يمثل الضمانة الحقيقية لربح معركة التغيير الديمقراطي ."ص 7 المسائية العربية: ما هي القيمة المضافة التي من شأن " فدرالية اليسار الديمقراطي" إضفائها على المشهد السياسي الوطني عموما، و على صف قوى اليسار بشكل خاص؟ محمد بلاط: سنعمل بكل تأكيد على محاولة إقناع الرأي العام الوطني و السياسي بعرضنا السياسي المتضمن في الأرضية السياسية لفدرالية اليسار الديمقراطي و الذي نأمل أن يحظى بنقاش واسع يسير في اتجاه تشكيل أرضية حد ادني تجتمع حوله باقي مكونات اليسار لتجاوز حالة الانحباس التي يعرفها المشهد السياسي الوطني والأزمة العميقة التي يعرفها اليسار في المغرب والعمل على استرجاع ثقة المواطن في السياسية المسائية العربية:من بين احزاب اليسار الجدري التي تأكد- لحد الان- عدم انخراطها "بفدرالية اليسار الديمقراطي" حزب النهج الديموقراطي،أليس في هذه الوضعية ما يحتفظ للتوحيد بشيئ من التجزأة ؟ المسائية العربية:هل تمة خطة عمل استشرافية للاتجاه صوب هذا الحزب، كما اتجاه تيارات يسارية اخرى عاملة في الساحة الجماهيرية(أطاك،التروتسكيين..) ؟ محمد بلاط: السؤالين الأخيرين يمكن الإجابة عليهما من خلال ما طرحته الأرضية السياسية للفدرالية ابتداء من الصفحة (7 )في باب المحاور الكبرى للبرنامج المرحلي الذي يهدف استنهاض جديد لقوى التغيير الديمقراطي و استرجاع زمام المبادرة النضالية وتتمثل محاوره الكبرى فيما يلي : 1 من الدولة المخزنية إلى الدولة الديمقراطية ( الملكية البرلمانية ): ... وفيه تعتبر الفدرالية بعد تحليل إن التغيير الممكن للنظام السياسي بالمغرب يتطلب انتقال من الملكية التنفيذية إلى ملكية برلمانية، باعتماد النضال الديمقراطي السلمي و تجنيب البلاد مخاطر المجهول ... ملكية برلمانية يؤطرها دستور ديمقراطي يضمن للشعب المغربي ممارسة سيادته كاملة عبر فصل حقيقي للسلط، وحكومة منبثقة عن انتخابات حرة ونزيهة تمارس كامل السلطة التنفيذية، ومسؤولة أمام برلمان منتخب بالاقتراع العام المباشر، قادر على مراقبة الحكومة وممارسة السلطة التشريعية، وسلطة قضائية مستقلة، وإعلاما عمومي، حرا يعكس التعددية السياسية والثقافية واللغوية للمجتمع المغربي. ولذلك لازال من مهام قوى الديمقراطية والحداثة بشكل عام وقوى اليسار بشكل خاص ،نهج إستراتيجية كفاحية متعددة الواجهات والأساليب النضالية، وطويلة الأمد لتحقيق تلك النقلة النوعية التي تسمح لبلادنا بولوج عصر الحداثة والبناء الديمقراطي الاشتراكي . ...وتعتبر أن تجميع وتوحيد كل قوى اليسار المناضل وباقي القوى المؤمنة بالديمقراطية والمكافحة من أجلها خطابا وممارسة هو المدخل الضروري للارتقاء بنضال الجماهير المغربية إلى مستوى إحداث فرز جديد وتغيير ملموس في ميزان القوى من أجل القطع مع عهود الفساد والاستبداد، وتدشين مرحلة تاريخية جديدة في حياة بلادنا وشعبنا تتجسد فيها الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. 2 إعداد شروط وآليات الانتقال الديمقراطي : عبر فرز تيار ديمقراطي قوي وبروز قيادة حازمة ونزيهة للنضال الديمقراطي، يعتبر مقدمة أساسية لتغيير موازين القوى الكفيلة بجعل النظام السياسي يستجيب لمتطلبات الانتقال الديمقراطي و ذلك من خلال تعاقد حول أسس الملكية البرلمانية. من هذا المنطلق يجب على فدرالية اليسار الديمقراطي العمل على تجميع وتوحيد كافة القوى الديمقراطية في إطار جبهة عريضة للنضال من أجل توفير شروط ومقومات الانتقال إلى الديمقراطية على قواعد و أسس الملكية البرلمانية.... 3 في ارتباط القضية الوطنية بالمسألة الديمقراطية : أن قضية صحرائنا قد ارتبطت دوما بالصراع الداخلي والإقليمي و الدولي سواء نهاية الخمسينات، حينما تم التآمر على جيش التحرير بالجنوب ، أو في بداية السبعينات حيث ارتبطت مواجهة المخطط الانفصالي بدينامية النضال الديمقراطي. والآن يتأكد من جديد أن استكمال السيادة الوطنية على كل أجزاء التراب الوطني ، بما في ذلك سبتة ومليلية والجزر الجعفرية ، يتطلب أكثر من ذي قبل الاعتماد على الذات الوطنية ، عبر إشراك الشعب المغربي وقواه الحية في تدبير قضيته المصيرية ، وتزويده بكل المعطيات والمعلومات الضرورية . أما المراهنة فقط على الدول الكبرى التي تحكمها في تعاملها مع قضيتنا الوطنية مصالحها الجيوستراتيجية ، فإنها تحمل مخاطر كبيرة على استقرار و سيادة شعوب المنطقة المغاربية و مستقبلها . إن أي تقدم في الحل النهائي للقضية الوطنية مرهون بتقدم بلادنا في بناء ديمقراطية حقيقية تمكن من تقوية الجبهة الداخلية وتجعل للحكم الذاتي جاذبية قوية لدى سكان المنطقة و فرض احترام المغرب على الصعيد الدولي . و باعتبار الجهوية بعدا أساسيا من أبعاد الديمقراطية الشاملة، وكي لا تنحرف الجهوية الموسعة عن الدور الديمقراطي والتنموي الذي تلعبه في البلدان المتقدمة، لا بد من مقاربة جديدة تربط ربطا جدليا بين ترسيخ الوحدة الوطنية، وبين جعل الجهة قطبا للديناميكية الاقتصادية والاجتماعية.. و لكن هل يمكن حقا اعتماد الجهوية الموسعة دون إصلاحات دستورية عميقة تحد من مركزية القرار ، و تحدد اختصاصات الجهة وصلاحياتها ؟. لا يمكن للجهوية كمشروع مستقبلي لتدبير المجال الترابي، أن تحقق أهدافها بوجود جماعات محلية قائمة على التزوير، وتشكل مرتعا للزبونية والفساد ونهب المال العام . إن الحديث عن الجهوية خارج نطاق الإصلاح الجذري للنظام السياسي لا يعدو أن يكون مجرد هروب إلى الأمام، وفي أحسن الأحوال محاولة تفتقد إلى شروط ومقومات النجاح، وتدخل في خانة الإعلانات الكبيرة والإنجازات الصغيرة التي تسيء أكثر مما تخدم مصالح بلادنا في السنوات الأخيرة. 4 لا ديمقراطية بدون تنمية اقتصادية و عدالة اجتماعية : إن تشخيص فدرالية اليسار الديمقراطي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية باستحضار المعطيات الرسمية نفسها، يؤكد أن المغرب يمر بأزمة اجتماعية خطيرة تشمل كل القطاعات بدون استثناء، خاصة مع انعكاسات الأزمة المالية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي، أزمة ناجمة عن تطبيق اختيارات طبقية لا شعبية ولا ديمقراطية طيلة العقود الماضية، أزمة تعكسها أرقام ومؤشرات إحصائية تعكس تدحرج المغرب في سلم الترتيب الدولي في ميادين التعليم والصحة والتكنولوجيا والدخل الفردي والتنمية البشرية والتجارة الخارجية ومناخ الأعمال والاستثمار والتنافسية الاقتصادية وحرية الصحافة والشفافية والحكامة. إن تقارير المنظمات الدولية التي لا يمكن اتهامها بمعارضة الطبقة الحاكمة تكشف بجلاء تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين ، وتدهور الخدمات الاجتماعية ، وضعف الإنتاجية وتخريب المؤسسات العمومية ، واتساع الفوارق الطبقية والجهوية مقارنة ببلدان نامية في آسيا وإفريقيا كان المغرب أكثر تقدما منها في منتصف القرن الماضي وأصبح الآن متخلفا عنها بعشرات السنين. ! لقد علق المغاربة آمالا عريضة على إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وانتظروا بصبر تحقيق الوعود المقدمة ، والشعارات المرفوعة في مختلف المناسبات، حول الإنصاف والمصالحة والتنمية البشرية ومحاربة الفقر وتأهيل الاقتصاد الوطني ومحاربة الفساد لكن محافظة الدولة على ثوابتها التقليدية ، و اختياراتها اللاديمقراطية و اللاشعبية حالت ولا زالت تحول دون تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي يمكن بلادنا من مواجهة تداعيات أزمة العولمة الليبرالية ، وخلق فرص الشغل الكافية ، والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية بدليل عودة إملاءات المؤسسات المالية الدولية التي تجلت فيما أقدمت و ما ستقدم عليه الحكومة من إجراءات تقشفية و زيادات في أسعار المواد الأساسية مما يؤدي إلى المزيد من ضرب القدرة الشرائية لأوسع الفئات الاجتماعية . وبالرغم من استمرار كل مظاهر الأزمة الاجتماعية تمكنت الأقلية الطبقية المسيطرة على دواليب الدولة ومراكز القرار من مراكمة الأموال ، والاستحواذ على الحصة الكبرى من الثروة الوطنية بكل الطرق والوسائل المتاحة أمامها من نهب المال العام ، و ريع اقتصادي وصفقات عمومية ، وامتيازات لا حصر لها : إعفاءات ضريبية و رخص استغلال البر والبحر وتسهيلات إدارية وقروض بنكية، هكذا تعمقت الفوارق الاجتماعية و تدهور وضع الطبقة الوسطى و ارتفعت نسب الفقر و البطالة وتوسعت دوائر التهميش و الإقصاء . وفي ظل وضع كهذا من الطبيعي أن ترتفع حدة التوتر الاجتماعي وأن تندلع الاحتجاجات الجماهيرية في مختلف القطاعات والمناطق من إضرابات ووقفات ومسيرات لم تلق إلا التجاهل و القمع و المحاصرة و سعي الدولة لإضعاف العمل النقابي . لقد دفع تردي الأوضاع الاجتماعية المركزيات النقابية إلى اتخاذ عدة مبادرات نضالية، وطنية و قطاعية ، بهدف الضغط على الحكومات المتعاقبة لتلبية الحد الأدنى من مطالب الشغيلة المغربية التي تعاني من انهيار قدرتها الشرائية بسبب تجميد الأجور وارتفاع الأسعار. لكن تشرذم الحركة النقابية ، و تراجع أدائها و فعاليتها ، و عجز اليسار المعارض على تشكيل جبهة سياسية جماهيرية وازنة و مؤثرة ، و اختيار فئات عريضة لمواقف اللامبالاة و الانتظارية ، كل هذا عمق اختلال ميزان القوى بين قوى التحرر و التقدم و الديمقراطية من جهة ، و قوى التخلف و الاستغلال و الاستبداد من جهة أخرى ، و أصاب الحركة التقدمية على العموم بأعطاب بنيوية مزمنة لا يمكن تجاوزها بدون إرادة وحدوية و مشروع مجتمعي مشترك . إن فدرالية اليسار الديمقراطي التي لا تفصل بين البعد الاجتماعي والبعد السياسي في نضالها الطبقي لا يسعها إلا أن تؤكد تضامنها اللامشروط مع كافة الحركات الاحتجاجية والمطلبية لكل المأجورين والمعطلين ، وتساند بدون تحفظ نضالات الطبقة العاملة المغربية بقيادة تنظيماتها النقابية المناضلة ، وتعتبر أن الوحدة النضالية للطبقة العاملة هي السبيل لصيانة هويتها الكفاحية وتحقيق أهدافها في القضاء على الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية. و تؤكد الفدرالية دعمها لكافة النضالات الاجتماعية و الحقوقية المشروعة ، و تحث مناضليها على العمل من أجل ترسيخ الديمقراطية الداخلية في كل المنظمات الجماهيرية ، و المحافظة على تماسكها و وحدتها التنظيمية . 5 الفدرالية و النضال من أجل انتخابات حرة و نزيهة : ...إن الأمر في نهاية المطاف لا يتعلق فقط باتخاذ موقف المشاركة أو المقاطعة الذي يرتبط بالسياق والشروط الملموسة التي ترجح هذا الموقف أو ذاك، بل بحلقة في سيرورة كفاحية لدمقرطة الدولة والمجتمع. والقوى الديمقراطية و التقدمية الأصيلة وحدها تعي أهمية وحتمية هاته السيرورة، ولذلك تعمل على تسريعها لا على إبطائها. إن هذا لا يعني التسرع في اتخاذ موقف سابق لأوانه من الانتخابات الجماعية ، بل يعني فقط استحضار البعد المؤسساتي في النضال الديمقراطي واستعداد كل مكونات الفدرالية بروح وحدوية وعزيمة مشتركة لخلق دينامية نضالية جديدة كفيلة بإعادة الأمل في التغيير لأوسع الجماهير الشعبية في المدن والقرى وفي سائر القطاعات الاجتماعية و ذلك بالنضال من أجل انتخابات حرة و نزيهة تتجسد من خلال : إشراف هيئة مستقلة على كل مجريات العملية الانتخابية بصلاحيات حقيقية . إدراج جميع حاملي البطاقة الوطنية في لوائح الناخبين . وضع نظام انتخابي تتوفر فيه المعايير الدولية للنزاهة . معالجة عوامل عزوف الأغلبية الساحقة من الناخبين و الناخبات عن التصويت . ضمان انفتاح و حياد الإعلام العمومي و عكسه للتعددية السياسية في المجتمع . محاربة فعلية لكل أساليب و طرق الفساد الانتخابي و معاقبة المخالفين . خلاصات: من خلال ما تقدم يتبين أن المغرب يمر بمرحلة مفصلية في تطوره السياسي والاقتصادي يمكن اعتبارها مرحلة نوعية تفرض على اليسار – أحزابا ومناضلين – الارتقاء بوعيه وتجاوز ما أمكن نقط ضعفه وصراعاته الذاتية وتجنب السقوط في فخ مناورة خصومه وأعدائه كما حصل في السابق. إن الحضور القوي لليسار في ساحة الكفاح الجماهيري خاصة بعد أن أعادت الأزمة المالية والاقتصادية الاعتبار لفكره وأطروحاته يتطلب استرجاع زمام المبادرة النضالية وفضح البدائل الوهمية والكف عن الازدواجية في الخطاب والممارسة وتوحيد الطاقات والجهود من أجل تحقيق تغيير ملموس في ميزان القوى وإحداث نقلة نوعية في الصراع السياسي / الاجتماعي في أفق تحقيق الأهداف المرحلية التالية: 1- إصلاح عميق للنظام السياسي بتحويل الملكية التنفيذية إلى ملكية برلمانية كاملة المقومات والأسس يؤطرها دستور ديمقراطي يضمن للشعب المغربي ممارسة سيادته كاملة عن طريق هيئات تمثيلية منتخبة انتخابا حرا و نزيها ، تنبثق عنها حكومة مسئولة عن وضع السياسة العامة للبلاد ، و تنفيذها في كافة المجالات، و يقنن شروط التداول الديمقراطي على السلطة ، و فصلا حقيقيا للسلط، و استقلال القضاء ، و احترام الحريات العامة و الفردية و حقوق الإنسان. 2- إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني باعتماد سياسة اقتصادية جديدة منطلقها استرجاع الدولة لدورها الاستراتيجي في توفير شروط ومقومات إقلاع اقتصادي حقيقي يضع حدا لاقتصاد الريع والامتيازات، ويمكن من رفع وتيرة التنمية المستدامة، ودمج الاقتصاد غير المهيكل في الدورة الاقتصادية المنظمة، وخلق فرص الشغل الكافية والحد من التأثيرات السلبية للعولمة الليبرالية، وإعادة توزيع الثروة الوطنية على قواعد الإنصاف و العدالة الاجتماعية ، و تلبية حاجيات المواطنين و المواطنات في الشغل والسكن والصحة و التعليم و النقل و البيئة السليمة و باقي الخدمات الضرورية للعيش بحرية وكرامة . 3 استكمال مهام التحرر الوطني من خلال تثبيت السيادة الوطنية على الأقاليم الصحراوية ، و تحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وبناء منطقة مغاربية مندمجة على أسس ديمقراطية وتقدمية تضمن لشعوب المنطقة تحقيق التكامل الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والرقي الحضاري، وولوج عصر المجموعات الإقليمية الكبرى لمواجهة تحديات العولمة والمنافسة الدولية. ودعم نضال الشعوب العربية من أجل التحرر الإنساني والمساهمة في دمقرطة المؤسسات السياسية والمالية والاقتصادية الدولية، وتوجيه دعمها للشعوب الفقيرة والنامية والقضاء على الفقر في العالم. 4 إعادة الاعتبار للتعليم العمومي من خلال إصلاح المدرسة العمومية إصلاحا عميقا، لتمكين البلاد من مدرسة وطنية موحدة مبنية على قيم الحداثة و الديمقراطية و العدالة و المواطنة و مؤهلة لكسب تحدي التنمية الشاملة ، وبناء الإنسان المغربي القادر ليس فقط على استيعاب و مواكبة التحولات التكنولوجية و العلمية التي تعرفها البشرية ، بل قادر أيضا على الخلق و الإبداع ، والمساهمة الإيجابية في الحضارة الإنسانية فكرا وإبداعا . إن إصلاح التعليم هو المدخل الطبيعي للنهوض بأوضاع الشباب المغربي ، و فتح أبواب الأمل أمامه لبناء مستقبله ، و تحقيق طموحاته في العمل و الإنتاج والاستقرار الاجتماعي، و تشجيع البحث العلمي و الإبداع الفكري واستفادة المجتمع من طاقاته الهائلة في رقي البلاد وتطورها 5 تحديث الثقافة الوطنية ودعمها استنادا على هوية شعبنا المتعددة الأبعاد ( العربية الأمازيغية الإسلامية الإنسانية ) بما يسمح بتجديد تراثنا الثقافي و الانفتاح على الاجتهاد المؤسس لنهضة تنويرية و حضارية حقيقية ، تقطع مع التوظيف السياسي للدين الإسلامي من طرف أية جهة كانت، و تتمثل القيم الكونية للديمقراطية و حقوق الإنسان و المساواة الكاملة للرجل و المرأة. 6 تحرير الإعلام العمومي من الوصاية الخانقة للدولة ، و دمقرطته ليتحول إلى إعلام يعكس تعددية المجتمع المغربي السياسية والثقافية و اللغوية ، ويساهم في تثقيف المواطنين و توعيتهم و تأهيلهم لولوج مجتمع المعرفة ، واستيعاب مكتسبات الحضارة الإنسانية و التقدم العلمي دون مركب نقص . 7 المساهمة الفعالة لفدرالية اليسار الديمقراطي في نضال قوى التحرر العالمي و الحركات الاجتماعية الاحتجاجية من أجل مواجهة تحديات العولمة الليبرالية و حماية البيئة و حق الشعوب في تقرير مصيرها و صيانة سيادتها و في مقدمتها الشعب الفلسطيني و بلورة بديل اشتراكي متجدد. إن هذه الأهداف لا تمثل سوى العناوين الكبرى لكفاح فدرالية اليسار الديمقراطي في المرحلة القادمة، وهي أهداف لا تدعي الفدرالية قدرتها على تحقيقها لوحدها ، بل تدعو بالمناسبة كل قوى اليسار المغربي إلى استيعاب خطورة المرحلة، و الارتقاء بالعمل الوحدوي فكرا و ممارسة، تنظيما و نضالا، إلى مستوى جسامة المهام النضالية المطروحة والتحديات المرتقبة .