تتواصل المناورات والاتهامات من النظام الجزائري وأبواقه الإعلامية تجاه المغرب حتى في غمرة الانشغال المفترض بالانتخابات الرئاسية الجارية حملتها هناك، ولم تتوقف شطحات الجيران، كما أنهم لم يترددوا في اتهام المغرب بالتشويش على الانتخابات نفسها، وإرسال من يقوم بذلك، وكل هذا لم يعد يثير سوى الضحك والشفقة على أباطرة النظام العسكري الجزائري... برغم كل ما يحيط بالرئاسيات من انتقادات وتهكم في العالم كله، وخصوصا وسط الشعب الجزائري ونخبه، فإن النظام وجد الوقت والموارد لدعم وتمويل تحركات الانفصالية المعروفة في واشنطن ونيويورك مؤخرا، وقد تجند لوبي النظام هناك لتبذير كثير أموال سعيا للتأثير على مجريات الاجتماع القريب لمجلس الأمن حول قضية الصحراء المغربية. هذا السلوك الجزائري مألوف، على كل حال، عند اقتراب أي اجتماع دولي يتطرق لقضية الوحدة الترابية للمملكة، ولم يعد مقترفوه يستطيعون، بواسطته، القفز على حقائق الواقع، وعلى النجاحات الديبلوماسية والعملية التي يحققها المغرب قاريا وإقليميا ودوليا. وفي نفس الإطار، فإن السلوك المشار إليه هو ذاته الذي يمارسه النظام الجزائري طيلة العقود الماضية في مواجهة المغرب، وقد فضحت وسائل إعلام أوروبية مؤخرا كيف كان يعمد جنرالات الجزائر إلى توزيع أموال ومنافع، بما في ذلك اقتناء طائرات، بفضل عائدات المحروقات الجزائرية، وبطرق ملتوية، من أجل شراء أصوات ومواقف مناهضة للحقوق الوطنية المشروعة للمغرب، وخصوصا داخل القارة الإفريقية، ومن ثم، فكل الدسائس والمناورات تبقى مباحة في منطق هذا النظام العسكري ما دامت تستهدف الوحدة الترابية للمغرب، وترمي ل» تحريف مسلسل تسوية نزاع الصحراء عن مساره الطبيعي». كل التحولات التي يشهدها العالم، وأيضا المنطقة، وكل التحديات الإستراتيجية والأمنية والتنموية المطروحة على بلدانها، تشير اليوم إلى ضرورة وجود نظام عاقل في الجار الشرقي للمغرب، بإمكانه أن يكون شريكا جديا ومسؤولا لجيرانه وللمجتمع الدولي من أجل كسب رهانات الاستقرار والأمن والديمقراطية والتنمية، وعندما يلح المغرب على هذا الأفق، فليس لأن وجوده أو عيش شعبه مرتبطان بالجزائر، وإنما لكون ذلك ينطلق أساسا من هذه الرؤية الإستراتيجية بعيدة المدى، ويرتكز على مقاربة اندماجية إقليمية بإمكانها أن تستجيب للانشغالات الاجتماعية والإنسانية والتنموية للشعوب المغاربية كاملة، وهي أيضا قادرة على تفعيل شراكة إقليمية ناجعة ورابحة مع باقي بلدان العالم وتكتلاته الإقليمية القوية. ولن يكتب لهذا الأفق الاستراتيجي العقلاني أن يتحقق وينجح إلا عندما يمتلك النظام الجزائري عقله، وعندما يدرك أن مصلحة شعبه أولا توجد بالذات في ... التغيير، أي في معانقة التحولات وبلورة الإصلاحات الداخلية وتغيير الرؤى، وأيضا في الخروج من عقلية الهيمنة والتحكم و...الأوهام.