ضرورة سن إستراتيجيات إصلاحية كفيلة بانتشال العاصمة الاقتصادية من مشاكلها المعقدة أمام المشاكل والمطبات التي يعرفها تسيير الشأن المحلي البيضاوي والتي بلغت حد الاستعصاء. وبعد الخطاب الملكي خلال افتتاح دورة أكتوبر البرلمانية الأخيرة الذي وجه انتقادات وجيهة وصريحة لطريقة تدبير وحكامة العاصمة الاقتصادية، بات لزاما سن إستراتيجيات وسياسات إصلاحية ناجعة وكفيلة بانتشال هذا القطب المستنزف من مشاكله المعقدة وتأهيله للعب الدور الذي يليق بمكانته كقاطرة للتنمية المحلية والجهوية تماشيا مع التوجه الوطني لجهوية موسعة، وهو ما سيساهم لا محالة في إذكاء ثقافة التنمية البشرية والتحفيز على الاستقرار الاجتماعي. جاء المخطط الاستعجالي على شكل برنامج لتغطية الأولويات استجابة لهذا المطلب، وتم تخصيص غلاف مالي يقدر بعشرات ملايين الدراهم وزعت على المقاطعات الستة عشر من اجل إنجاز سياسات القرب. إلا أن هناك أكثر من سؤال يطرح على هذا الصعيد أولا: كيف يمكن مقاربة مشاكل عويصة ومتغلغلة بمخطط ذو طابع استعجالي؟ إن برنامجا يفتقد إلى الدراسة والإعداد القبليين والمعمقين والغير مبني على مفهوم التشاركية كركيزة أساسية لضمان انخراط كل المعنيين والذي لا يأخذ بعين الاعتبار خصائص كل مقاطعة على حدة قبل تنفيذه وتعميمه مع إمكانية تقويمه على رأس كل مدة زمنية مجدولة سابقة وملزمة، لمن شانه أن يفقده (البرنامج) النجاعة والفاعلية المطلوبتين، وما يترتب عن هذا من إهدار للمال العام وتقويض للمصلحة العامة. أما إن افترضنا أن هناك دراسات قبلية وجاهزة آنفا، فالطامة أن إعداد وإنجاز دراسات تكلف الخزينة العامة أموالا طائلة من جيوب دافعي الضرائب من المواطنين والتي تستنفذ الوقت الثمين، ثم تبقى بعد ذلك حبيسة الرفوف، وموقوفة التنفيذ، تاركة المشاكل تتعاظم وتزداد استعصاء على الحل، لهو من قبيل الإهمال والتماطل في أداء الواجب طالما شكلا سمتين من سمات تدبير الشأن المحلي، وذلك بتعاقب المجالس الإدارية. لنتساءل عن حضور سلطة الوصاية بما يخول لها القانون من ضبط ورقابة وتدخل واستحضار لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ثانيا: ألم يجانب المخطط الصواب باعتبار التمويل مدخلا للحل؟ لقد أشار الخطاب الملكي أن سوء التدبير والحكامة يشكل مكمن الداء، وعليه فإن أي مقارنة لمشاكل الميتروبول يجب أن تتخذ من الرأسمال البشري هدفا للإصلاح والتصليح وجعله الرافعة للنهوض بالشأن المحلي، إذ أن أي نهج خارج هذه المعادلة يظل عديم الجدوى والفعالية. والحالة هذه، على التنظيمات الحزبية أن تقدم إلى المناصب العمومية من مرشحيها من هم الأمثل والأفضل والأجدر المستوفون للمعايير الأخلاقية والعلمية الكفيلة بتمكينهم من إنجاز المهام المنوطة بهم على أكمل وجه وصفة. من جهة ثانية المطلوب من السلطات إعداد ميثاق شرف يتعهد من خلاله هؤلاء المرشحون بالالتزام بقواعد الحكامة الجيدة المتمثلة في حسن تدبير للموارد البشرية والمادية عبر عقلنة وترشيد النفقات والاستثمار الأمثل للإمكانات المتاحة لهم بغية تحقيق الأهداف التي ثم انتخابهم من أجلها إما في حالة الإخفاق بالوفاء بهذه التعهدات فتكون الاستقالة أو الإقالة الحل الأنجع حتى نقطع مع الممارسات النمطية من قبيل التراخي والتسويف واللامبالاة ونترك المجال للأجدر. فالحكامة الجيدة منال لا يتحقق إلا بإرساء ضوابط واضحة المعالم، ملزمة وقابلة للتطبيق، وليس مجرد أفكار مجردة لا تعدو أن تكون شعارات مبهمة في أذهان أصحابها كما هو حال معظم مسؤولينا. ثالثا: كيف يمكن لمجلس عاجز عن تقريب وجهات نظر مكوناته وغير قادر على تدبير شؤونه الذاتية، أن يدبر مشاريع القرب ومشاريع مهيكلة كبرى بحجم مدينة الدار البيضاء؟ إن وجهات نظر مختلفة بخصوص التفويضات وشركات التنمية وعدم إعمال القانون المتعلق باختصاصات المجلس ومقتضيات اللجن الدائمة ونظام الاجتماعات وضعف الثقة والحوار بين الفرقاء السياسيين وغياب العمل المشترك والوعي بأهمية التضامن الجماعي والروح الجماعية المنسجمة ثم هيمنة الحسابات السياسية الضيقة على المصلحة العليا، كلها عوامل معيقة ومعرقلة للتنزيل الحقيقي والفعلي لبرنامج تغطية الأولويات. كان الصواب قبل الالتفات إلى هذا الأخير إعطاء أول الأولويات للتصدي لهذه المعيقات والإنكباب على حلها حتى يتعافى المجلس ويسترجع أهليته التدبيرية، ففاقد الشيء لا يعطيه كما هو معلوم ومحاولة الإقلاع بأعطاب تجعل من السقوط أمر حتمي الوقوع.