يعيش رئيس الحكومة التركي أسوأ لحظات فترة حكمه منذ أكثر من عشر سنوات، بعد تواتر الكشف عن الفضائح التي طالت حياته السياسة، في الوقت الذي يسعى فيه جاهدا إلى السيطرة على القضاء والأمن. وذكرت وسائل إعلام تركية نقلا عن رئيس وكالة الاستخبارات التركية، حقان فيدان، أن آلاف الأتراك من بينهم أردوغان ووزراء في حكومته تم التنصت على مكالماتهم الهاتفية. فيما أكدت بعض المصادر أن مقربين من كولن داخل جهاز الشرطة التركية والسلطة القضائية، قاموا بالتجسّس على اتصالات هاتفية لأردوغان وسياسيين آخرين ورجال أعمال أتراك لمدة ثلاث سنوات. وقال بولند أرينتش، المتحدث الرسمي للحكومة التركية، أن «هذه التقارير مؤسفة والشعب التركي يتابع التطورات عن قرب». ويتهم رئيس الحكومة منافسيه بإنشاء حكومة داخل الحكومة وأن هدفهم من التحقيقات ضد الفساد مع حلفاء ومقربين منه، هو الإطاحة بحكومته. وكانت التسجيلات الصوتية المنسوبة لأردوغان ونجله بلال قد أحدثت ضجة كبيرة في تركيا، حيث تعلقت المحادثة بين الأب ونجله بقضايا الفساد والتي أوصى أردوغان نجله خلالها باتخاذ الاحتياطات اللازمة وإخفاء أموال ونقلها (حوالي 30 مليون يورو) إلى مكان آمن خشية أن تطاله حملة الفساد التي انطلقت في السابع عشر من ديسمبر الماضي، بحسب المزاعم الواردة في تلك التسجيلات. وقد أكد كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، الثلاثاء الماضي، صحة التسجيلات الصوتية المنسوبة لأردوغان ونجله بلال، مشدّدا على أنه يعيش أسوأ أيام حياته بعد سماعه تلك التسجيلات التي تؤكد ضلوع رئيس الحكومة وعائلته في الفساد، بحسب قوله. وبالتزامن مع هذه الخطوة، صادق الرئيس التركي عبدا لله غول، على القانون المثير للجدل الذي يعزز سيطرة حكومة أردوغان على القضاء، وذلك على خلفية فضيحة الفساد التي طالت حكومته، وفق ما أعلنته الرئاسة. ويعدل هذا القانون تنظيم وصلاحيات المجلس الأعلى للقضاة والمدعين، إحدى الهيئات القضائية العليا في البلاد من خلال تعزيز صلاحيات وزير العدل فيه وخصوصا على صعيد تعيين القضاة، الأمر الذي اعتبرته المعارضة تدخلا فاضحا في سلك القضاء برمته. كما قامت السلطات التركية، في الوقت نفسه، وبالتحديد مديرية الأمن العام التركية بإصدار قرار، تم بموجبه نقل 120 شرطيا من العاملين بمديرية أمن «غازي عنتب» الواقعة جنوبتركيا من بينهم مديرو شعب من العاملين بإدارات مكافحة الإرهاب والاستخبارات والجريمة المنظمة والتهريب. وذكرت مصادر صحيفة أن أسباب نقل هؤلاء الأمنيين ومنهم ضباط برتب مختلفة تعود إلى الكشف عن فضيحة الفساد والرشاوى وتورطهم في التعاون مع جماعة الداعية الإسلامي فتح الله كولن. وكانت وزارة الداخلية ومديرية الأمن العام قد قامتا بإبعاد ونقل أكثر من ثلاثة آلاف شرطي منهم مديرون وضباط برتب مختلفة منذ الكشف عن فضيحة الفساد والرشاوى في منتصف ديسمبر العام الماضي والتي تورط فيها أبناء وزراء ومسؤولون مقربون من حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. كما وافق البرلمان التركي في وقت متأخر، الثلاثاء، على حزمة من القوانين تضمنت قانون الإنترنت الجديد الذي أدخل البرلمان تعديلات على مادتين منه بسبب اعتراض الرئيس التركي عليهما. ووفقا للتعديلات الجديدة يمكن لهيئة الاتصالات إصدار قرار بمنع الوصول إلى أحد المواقع الإلكترونية قبل صدور قرار من المحكمة بهذا الخصوص إلا أن الهيئة ملزمة بعرض قرار المنع على المحكمة خلال 24 ساعة، حيث تقوم المحكمة بالبت في القرار بعد ذلك خلال يومين، وفي حال لم توافق المحكمة على قرار هيئة الاتصالات تتم إعادة الوصول إلى الموقع الإلكتروني الذي تم حظره. وكان مشروع قانون الإنترنت الجديد قبل تعديله يعطي لهيئة الاتصالات الحق في منع الوصول إلى المواقع الإلكترونية دون الحاجة إلى قرار من المحكمة. وقد أثار مشروع القانون في نسخته السابقة اعتراضات واسعة داخل البرلمان وفي الشارع التركي بشأن وضعه قيودا وفرضه رقابة على الإنترنت في حين أكدت الحكومة أنها لا تستهدف مراقبة الإنترنت. وعلى خلفية الكشف عن فضيحة التجسّس الجديدة لأردوغان التي ثلبت الرأي العام والمعارضة، نظم الآلاف من المواطنين تظاهرات استمرت حتى الساعات الأولى من أمس، الأربعاء، في مدن إسطنبولوأنقرة وإزمير وإسكيشهير وطرابزون احتجاجا على التسجيل الصوتي بين أردوغان ونجله بلال والذي يكشف مطالبته لابنه بأن يخفي ملايين الدولارات واليورو المخبأة في خمسة منازل مقربة لهم. واستخدمت قوات الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين في أحياء باقر كوى وكارتال ومالتبه وأوك ميداني غازي وصاري ير بوسط إسطنبول، فيما طالب المتظاهرون أردوغان بتقديم استقالة حكومته رافعين شعارات «لعنة الله على سارقي أموال الدولة» و»عصابة أردوغان تنهب الدولة»، بحسب ما نقلته محطة «أن.تي.في» الإخبارية التركية. وفي نفس السياق، تجمع مئات المواطنين في شارع كندي بوسط العاصمة أنقرة، احتجاجا على فضيحة التسجيل الصوتي بين أردوغان ونجله، مطالبين باستقالة حكومة أردوغان ومثوله أمام محكمة الديوان العليا، كما شهدت مدن إسكيشهير بوسط الأناضول وطرابزون بمنطقة البحر الأسود مظاهرات احتجاج مماثلة إضافة إلى احتجاجهم على قانوني الإنترنت ومجلس القضاء الأعلى. كما تجمع عدد من المحتجين في ميدان الجمهورية وسط مدينة إزمير غرب تركيا ونظموا مسيرة حتى مقر حزب العدالة والتنمية المتواجد في شارع «إينونو» الرئيسي بالمدينة ورددوا شعارات مناهضة لسياسة الحكومة وأخرى ضد الفساد والرشاوى، مطالبين أردوغان بالاستقالة.