بين طرابلسوالدارالبيضاء نبض قصيدة.. وجسر مودة خارج القاعة طقس بارد، وداخلها أجواء دافئة بصهد الكلمات والصور وبسحر الشعر وأنفاس الشعراء.. كانت أمسية حميمية جمعت ثلة من حملة القلم والمعنى من ليبيا الثائرة والمغرب الأقصى، أصوات التقت فغنت للحرية، للثورة، للإنسان والحب والخير والجمال.. وكان طائر الوتر يرفرف فوق الكلمات ويعزف تقاسيم النشيد على العود الشجي بأنامل الفنان عبد المجيد بريش، بينما صوت الشاعرة صباح الدبي يصدح بانسياب بين الفقرات لينسق وينسج برقة ولطف وسلاسة لحظات الاحتفاء بالشعر والشعراء.. في مستهل هذا الحفل الشعري الباذخ، الذي التأم بتعاون بين مجلس الثقافة العام بليبيا وفرع اتحاد كتاب المغرب بالدارالبيضاء مساء الإثنين 24 فبراير الجاري بمسرح سيدي بليوط، غداة اختتام الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر، رحب المبدع والقاص والكاتب العام لفرع الاتحاد الأستاذ عبد الحميد الغرباوي بالحضور البهي، وبالضيوف الليبيين والمغاربة وعلى رأسهم الدكتور محمد رمضان إمحيا، رئيس المجلس الأعلى للثقافة، والأستاذ عبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب.. معتبرا أن هذا الحفل يشكل لحظة ثقافية تاريخية ستبقى موشومة في السجل الثقافي لفرع الدارالبيضاء لاتحاد كتاب المغرب، متمنيا دوام الصداقة والتعاون بين المبدعين والمثقفين الليبيين والمغاربة.. الدكتور محمد رمضان إمحيا بدوره لم تفته المناسبة من أجل الإشادة بمتانة الروابط الثقافية بين الشعبين الشقيقين، شاكرا كل من سعى إلى إقامة وإنجاح هذا المحفل الشعري الكبير، داعيا إلى المزيد من تقوية شبكة العلاقات الثقافية والإكثار من الأنشطة المشتركة بين مثقفي البلدين.. بعد تبادل التحايا وعبارات المودة المشفوعة بالعناق الحار وبأكاليل من الزهور، تناوب على منصة الإلقاء والقول ثلة من الشعراء الذين شنفوا مسامع عشاق الشعر بقصائد من مختلف الآفاق.. من ليبيا: قرأت الشاعرة حواء الكمودي ثلاث قصائد (هي وعاداتها، ما الذي يبقيني هكذا، سلاما يا ليبيا)؛ وشارك الشاعر هليل البيجو بخمسة نصوص (إفران، خطاب مفتوح، ضاق صدري بالحدود، إنني الليبي، أي شيء يا فؤادي أفزعك)؛ واقترح الشاعر الدكتور أحمد عمران بنسليم قصيدتين (دم الشهيد، وإلى مهاجر)؛ ومن المغرب قرأ الشاعر محمد بوجبيري قصيدتين (جسدي ليس لي، ولا تتمزقي من أجل غيري)؛ بينما ساهم الشاعر عمر العسري بقصيدة واحدة هي (حشرات مضيئة)؛ وقرأ الشاعر عزيز أزغاي أربعة نصوص من أشعاره (بيكاسو، حيلة الرسام، مثل أطفال ناضجين، مولانا سيوران). وفي ختام الأمسية وقع كل من الدكتور محمد رمضان إمحيا، رئيس المجلس الأعلى للثقافة بليبيا، والأستاذ عبد الرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب بروتوكول تعاون ثقافي بين المجلس والاتحاد لتقوية أواصر الشراكة والصداقة الثقاقية والتبادل على مستوى الاهتمامات المشتركة والزيارات والنشر وتنظيم اللقاءات.. وأكد العلام في كلمة ختامية على أهمية هذا البروتوكول في عقد لقاءات مشتركة هنا في المغرب وهناك في ليبيا، وتبادل المنشورات والنشر داخل المغرب وليبيا، والاهتمام بالثقافة المغربية في ليبيا والاهتمام بالثقافة الليبية في المغرب، ودعا إلى الإكثار من مثل هذه الأنشطة المشتركة والزيارات المتبادلة وكل ما من شأنه أن يدعم هذا التواصل الإنساني والروحي بين المثقفين المغاربة ونظرائهم الليبيين. كما اقترح أن يضم أحد أعداد مجلة آفاق التي يصدرها اتحاد كتاب المغرب ملفا خاصا عن الثقافة الليبية يعرف بالأدب والإبداع والحقول الثقافية والفنية بليبيا كمرحلة أولى لتفعيل هذا البروتوكول.. *** بيان اليوم تحاور رئيس مجلس الثقافة العام بليبيا محمد رمضان إمحيا الحرية أهم مكاسب ثورة 17 فبراير، فنحن قد تحررنا وحررنا الوطن قال رئيس مجلس الثقافة العام بليبيا محمد رمضان إمحيا، إن مشاركة مجلس الثقافة العام بفعاليات المعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء، كانت مشاركة متواضعة وعلى حياء بالنظر إلى الظروف السياسية بليبيا، مسجلا عقبات كأداء في الدخول إلى المغرب. وأضاف إمحيا في حوار مع بيان اليوم إن مجلس الثقافة العام هو أكبر ناشر بليبيا، ويشارك للمرة الثانية في معرض الدارالبيضاء للكتاب والنشر، موضحا أن دور المجلس يتجلى كأي مؤسسة ثقافية في وضع استراتجية للثقافة والإشراف على تنفيذها. وأكد إمحيا أن مجلس الثقافة العام كان جريئا بعلاقته بالنظام السابق من خلال نشر إصدارات معارضة له، مبرزا أن من أهم مكتسبات ثورة 17 فبراير هامش الحرية في كافة المجالات وليس الحقل الثقافي فقط، وبات بمقدور من شاء أن يقول ما شاء. هل يمكنكم أن تحدثونا عن مشاركة مجلس الثقافة العام الليبي في الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالدارالبيضاء؟ مجلس الثقافة العام مؤسسة سيادية على مستوى الدولة الليبية، وهو يتشرف بالمشاركة في الدورة العشرين للمعرض الدولي للكتاب والنشر، وهذه السنة الثانية بعد ثورة 17 فبراير المجيدة. في العام الماضي حظيت ليبيا من وزارة الثقافة بالمملكة المغربية بأن امتنت على الدولة الليبية وكانت ضيف شرف الدورة. أما في هذه الدورة، فالوقت القصير بين حدثين أساسيين ومهمين جدا في الخارطة الثقافية العربية هما: معرض القاهرة الدولي للكتاب ومعرض الدارالبيضاء للكتاب، فهذان الحدثان حالا دون التنسيق والتنظيم بشيء من الدقة. الحدث الأول يتعلق بالدورة ال 45 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، وقد شاركنا فيه بشكل إيجابي، إلا أن الأوضاع السياسية حالت دون المشاركة بطريقة فاعلة، كما هو الحال في المملكة المغربية التي كان المواطن الليبي يدخل أرضها دون تأشيرة، أما الآن فقد فرضت علينا التأشيرة، وواجهنا عقبات كأداء في الحصول عليها، ومع ذلك استطعنا أن نتواجد نحن المعنيين بإدارة جناح المجلس في هذه الدورة، بحيث أن معظم أعضاء وفدنا لم يتمكنوا من الحضور للدار البيضاء إلا فقط في 20 فبراير والحال أنه لا يفصلنا عن انتهاء هذا المعرض إلا يومان. فهذه المشاركة كما ترون هي مشاركة حقيقة متواضعة وعلى حياء. لم يسبق لنا طيلة عمر المجلس أن شاركنا بهذه الكيفية وبهذا الجهد البسيط. هل مجلس الثقافة العام حديث العهد؟ وهل يعوض وزارة الثقافة الليبية؟ المجلس ليس حديث العهد بل كان قائما قبل الثورة. أما عن تعويضه ففي مرحلة ما نعم. حتى قبل الثورة كان ما يسمى بأمانة الثقافة في الجماهيرية العظمى (ساخرا ..) هي الممثلة بالنظام السابق لدولة ليبيا، بمشاركة المجلس الذي هو أكبر ناشر بليبيا بامتلاكه 400 عنوان. (مقاطعا ..) وماذا عن المجلس الأعلى للثقافة؟ بخصوص هذا المجلس، فقد صدر قرار حديثا بشأنه ولم يتم تفعيله بعد على المستوى الرسمي، لكنه موجود في الجريدة الرسمية. هو ومجلس الثقافة العام نفس الكيان والجسم. ما هي الأدوار التي يقوم بها مجلس الثقافة العام؟ المجلس كغيره من دول الجوار بدول العالم الآخر، هو مؤسسة تشريعية تابعة للمؤتمر الوطني العام، والدور المناط به وضع الاستراتجية العامة للثقافة والإشراف على تنفيذها، وله شق تنفيذي إذ أنه معني بالأعمال النوعية لدولة ليبيا في متعلقات الشأن الثقافي. معروف أنه في العهد السابق كانت علاقة المؤسسات الثقافية بالنظام السابق تنطوي على كثير من الولاء والتبعية، فلأي درجة أنتم تتجهون بالمشهد الثقافي إلى نوع من الاستقلالية؟ نحن في مؤسساتنا الثقافية، وهذا الأمر يشمل المثقفين على وجه العموم في ليبيانا الحبيبة، سيظل دور المثقف الليبي سابقا نفس دوره في ليبيا الحديثة. بحيث أنه إذا لم يكن لك ماض لن يكون لك حاضر. وقد نتفق على هذه القاعدة. نحن امتداد لثقافتنا وموروثنا، وكنا في هذه المؤسسة نتحين الفرص، بل نتجرأ على النظام السابق ونقيم النشاط الثقافي الذي يواجه النظام ويعارضه معارضة صريحة، وخير دليل أنك تجد في رفوف جناحنا كتبا كتبت في أدب السجون ودواوين شعرية كديوان «وهج الانتفاضة» لراشد زبير السنوسي الذي كتبه داخل زنزانة، وصدر سنمة 2008؛ وديوان «مرافعة السيوف» لإدريس بن الطيب الذي صدر سنة 2010.. ونحن حريصون على عرض كل هذه الإنتاجات الأدبية الهامة... تجد كذلك تاريخ الصحافة الليبية وهو مليء بالإشكاليات. هي جرأة منقطعة النظير في زمن القمع، إلا أننا استطعنا أن نقتنص مثل هذه الفرص ونظهر إلى العلن مثل هذه الأصوات غير الموالية. لكن لأي حد بمقدوركم إحداث قطيعة مع ما كان سائدا في علاقة السلطة بالثقافة؟ خصوصا أن نظام القدافي كانت له اليد الطولى على كل مجالات الأدب والفن والعلوم.. من أعظم مكتسبات ثورة 17 فبراير المجيدة التي تحصل عليها الشعب الليبي، هي مساحة الحرية منقطعة النظير التي نعيشها اليوم، في كل مناحي الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية. أجزم وأقول بأن مساحة الحرية التي ينعم بها شعبنا - أتحدى- أنه توجد دولة مماثلة في العالم تمتلك مثل هذه الحرية. «نحن قد تحررنا وحررنا الوطن». بهذه العبارة التي هي فقرة من نشيد الاستقلال التي نفخر به، نجسد فعلا هذه الحرية، والتي استغلت استغلالا قد لا أوافق عليه في كثير من الأحيان. من خلال هذه المساحة تخلصنا من اللون المفروض على دولتنا ألا وهو اللون الثقافي الأحادي الذي كان لونا سائدا، سلطة واحدة، قرار واحد، كلام واحد، السطر الأوحد وما إلى ذلك. فنحن استطعنا الخروج من هذا الطوق الذي فرض علينا لما يزيد عن أربعة عقود، ونحن الآن ننعم بالحرية والكرامة المطلقة في بلادنا واستطعنا أن نجسد كثيرا من المشاريع الثقافية والمصنفات بحرية مطلقة. كل من شاء يقول ما شاء في كل المجالات. هل يمكن أن ترصد لنا على ضوء ذلك الوضع الثقافي الحالي؟ الوضع الثقافي الحالي نحن كما أسلفت امتداد للماضي، ونحاول لملمة ما استطعنا أن نلملم من الأرشيف الثقافي الذي يمت للوطن بصلة، ونترك ما شابه من ثقافات تخدم النظام، وإن كنت على المستوى الشخصي - وهذه من الحرية أيضا- يجب أن نحتفظ بكل موروثنا الثقافي الإيجابي منه والسلبي، لأنه جزء من التاريخ والذاكرة الثقافية، لكننا نستطيع لملمة ما استطعنا من الأرشيف الثقافي ونحافظ عليه ونعبر به إلى بر الأمان في المرحلة الراهنة. الجدير بالذكر أن بلادنا الحبيبة لم تتضح معالمها بعد، حتى تشكل لها استراتجية معتمدة، نحن نشتغل برؤية مرحلية، لأننا إلى هذه اللحظة، لم تشكل معالم البلاد، ففي يوم الخميس المنصرم الموافق ل 20 فبراير انتخبنا لجنة صياغة الدستور التي سيعزى إليها كتابة وصياغة مشروع الدستور وعرضه على الشعب للتصويت عليه، وانطلاقا من مفردات هذا الدستور ومضامينه الجديدة سنحدد خارطة الطريق الثقافية لبلادنا وشعبنا بمشاركة المعنيين بالأمر من منظمات أهلية ومثقفين ومبدعين ومفكرين وجامعيين وغيرهم ممن نتوسم فيهم خدمة البلاد وثقافتها وتاريخها مستقبلها.. ***** جسدي ليس لي شعر: محمد بوجبيري جسدي ليس لي . احتمالاً مشرعاً على الحماقات أحملهٌ. ليس لي.. وإن فيه أحيا وأموت. ليس لي.. وإن فيه قِبْلَتي وقٌبلتي و كفني. *** أٌقيم فيه، وبه، أقومٌ مُتعباً أو حثيثاً أسعى. إن هو إلّا احتمال حين يستكينُ أو يَضْجَر. ليس لي.. وأجهَل ما يُضْمِر. أغفو... وتسهرُ الكوابيسُ وحين يرغب فكلُّ زُهْدٍ خُرافة. *** نتصافى. نتجافى. نتصافى ونذهبُ يداً في يدٍ إلى محبّاتِ العالم. نتجافى وينأى كلٌّ عن صاحبه. ليس لي حين يرغبُ أو حين تطرق أماسيه القصيدة. ليس لي حين ينهضُ وبعيداً ينسى . ليس لي وإن بقهقهاتِ المائدة . *** مرَّاتٍ حين يضجرُ أهرّبُهُ لاستطاعة الجيب . حتى الإنْهاك نزلتُ به إلى وادي الحياة وكلانا يُدركُ المسافة مابين الوردة والندى. وئيدا، وعلى مهلٍ، أستدرج التَّجافي للتَّصافي. وحين تنفرجُ تنزلُ من أعماقها دمعة الغياب. *** أٌعانق. أناوش وألطّفُ الأهواء . أُربّتُ على كتفٍ وأهمُّ بوادٍ ما. أُرمّمُ كسورَ ارتطامٍ وأباغتُ المُراد حين يستعصي أو حين يريد. أخدشُ وقَرَحاً أملي: إنّه ليس لي. *** كلُّ حربٍ آفة، وكلُّ عراكٍ تعاسة، لا يريد وبلا جدوى تُشذَّبُ غابةٌ وشراسة. أدعوهُ ويكونُ استحالة. بالمرَّات أسرَّ لي: صَعْبٌ هذا الوصال. *** جادّاَ ُيلحُّ النداء. جادًّا من وادي الرَّغباتِ كما لو أنني عصا الإِمْكان، أو على موعدٍ مع الرِّهان. أيُّها الغريبٌ.. من تكون؟ أنا الذي، كما أنتَ، حين يستحيل. أنت المقيمُ المُرتَّبُ أمَّا أنا فوَمضة وشساعة. *** عنَّفتُ العناد. وبَّختُ حافَّاتٍ لا تنام. حلَّقت ... كانت الشرفةُ تنأى، كما الأماني، شاكس العنانُ وأملى: البقاء بعض خرافة، دعني إذاً أنام على أَرقٍ أو على بياض. *** ليس لي .. حين يُصرُّ النداء. أصُمُّ منافذَ وأسدلُ سماء. لا جدوى.. لأنًّ المجرَّةَ في الجهة الأخرى، تنهرُ في السَّهب السفلي مدافن الهجيرة، وصدى الأنين. يتشظى اليقينُ لأنَّني لم أكن شساعة واستضافة. *** ليس لي... منهُ أغرفُ فرحاً، وفيه أقْدَحُ قَرَحاً. أستنبتُ السنبلةً كما القصيدة. أكتبُ وأمحو. أتشظَّى ولا أموت. *** مرًّاتٍ همسَ في أذُنِ التوجُّس من الحياة: إنَّ الحمية بعضُ مسافة إلا أنَّ النزول إلى وادي المسرَّات أبقى. تهمُّني القصيدة وأنا جسدٌ وعبارة. *** نكايةً بالمُرتَّب نهاراً حثيثاً أسْعى أن أكون جبَّةً، أو قبًّةً، تليقٌ بالمساء. نكايةً أريد أفولاً يضيء. *** جسدي ليس لي.. ليس لي حين يتثاءبٌ وينامٌ الرَّصيف. ليس لي حين يُصرُّ وبعيداً ينأى الصَّواب. ليس لي حين يسبحُ في يابس الآخرين. ليس لي حين يكون محطة للتَّعب، أو ألفةً عابرة *** كان لي... حين عدَوْنا وسبقتنا الوهاد. كان لي .. قبل أن يُزفَّ عطرُ الوساد. كان لي... حين كنَّا في الطريق إلى المجيء كان لي.. حين كنَّا في باب الرجاء. *** بالمرَّات كنت أربّتُ على كتف المائدة. بالمرَّات.. إلَّا أنها كانت تُهَدِّدُ بنسْف التَّحاب، أو بسباحة في الهواء. بالمرات أيضاً كانت تُشعل شمعةً، وعلى مهلٍ، تذوبُ دمعةٌ، وغصَّةً عالقة. *** ليس لي.. وإنْ أسَرَّ لي : أيها الغريبُ، كنْ ما شئت لكن، قليلاً، دعْني أتوسَّد مهاويك. هنيهةٌ واحدة، أو أقل، سغبَ الغياب. أيها الغريب.. كلَّما اسْتَشْعرَتْ تقادمها الخُطى حجَّ الصفاءُ للسَّريرة هكذا أيها الغريب دفاعاُ عن سماءٍ أخيرة. ************** إنني الليبي شعر: هليل البيجو أرسميني للمدى أفقا بعيدا واجعليني في احتدام الحزن عيدا أنثريني في فضاء الكون لحنا رتليني لازورد أو نشيدا عانقيني وجد روح قد تسامى بل تجلي فيك نيروزا سعيدا سوسن الأفراح بُثي في كياني فوح سحر يورث النفس الخلودا إنني الليبي يجري في عروقي لارتجاف الروح شوق لن يبيدا أعشق اللذات في كف المنايا لا أبالي في المنى دهرا عنيدا إنني الليبي يا خوف انحساري في ضفاف الحلم قيدا أو سدودا إنني الليبي جمَّ الحبُّ كأسي فاسكبيني فرحة.. عطرا.. سعودا يا بلادي قد عرفت اليوم حقا معنى أن ألقاك حرا أو شهيدا يا بلادي لوني أفقي وكوني للهوى في محنتي يوما جديدا ************* مثل أطفال ناضجين شعر : عزيز أزغاي الذين وصلوا متأخرين كانوا واثقين من برد المناجم، ومن طراوة الجسور التي بناها سجناء مطعونون في ظهر الألم ** جاؤوا متخففين من سوء الفهم، ومتصالحين مع تسوس الأسنان. وعلى غير عادة اليأس، افترشوا خرائطهم فوق الأنهار اليابسة، وراحوا يقشرون ذكرياتهم مثل أطفال ناضجين. ** جاؤوا إلى كرنفال الغرابة بلا حطب ولا أصدقاء، مخفورين بعثرات الأسلاف ونباهة المتألمين. طباعهم الناذرة شققها الخجل، وستراتهم كانت مهملة من بريق الأوسمة. ** جميعهم كانوا في الساحات، يروضون حيواناتهم المنوية على إيقاع ناذر. وبين حياة وأخرى، كانوا يكوون قمصانهم اللامعة لإخفاء آثار الخيانات. ** كل من رآهم ذاهبين إلى الأثقال كان يشم في أفكارهم رائحة الكافور، وفي نواياهم بقية تصويبات أخطأت أهدافها المبهمة. ** الذين جاؤوا منكسرين فاتنا أن نحملهم على الأكتاف، فقط لأننا نسينا عضلاتنا في أحلامهم الميتة..