اعتمدت اللجنة المكلفة بتحديد الأقاليم في الدولة اليمنية الاتحادية، التي تقرر إنشاؤها في الحوار الوطني، صيغة من ستة أقاليم، اثنين في الجنوب وأربعة في الشمال. يأتي هذا في ظل رفض الجنوبيين لهذا التقسيم باعتباره «تحايلا» على استقلال الجنوب، وفي وقت تحاول فيه جماعة الحوثي التي تفرض سيطرة كاملة على محافظة صعدة شمال البلاد، أن تحصل من خلال هذا التقسيم على إقليم واسع في الشمال بموقع ومقدرات مهمة بما فيها النفط والمنفذ على البحر الأحمر. ويعتبر هذا الإعلان، أول نتائج الحوار الوطني الذي استمر طوال عشرة أشهر، بدعم من الدول التي تدعم المبادرة الخليجية التي وضعت خارطة الطريق للحوار. ويقول مراقبون يمنيون، إن ثمة مخاوف جدية من أن يغذي هذا التقسيم الإداري الرغبة في الانفصال لدى القبائل وخاصة تلك المدعومة من الخارج. وأضاف المراقبون أن هذه المخاوف تجد ما يبررها في أرض الواقع، خاصة بعد الاجتياح السريع الذي حققه الحوثيون المدعومون من إيران لأراضي قبائل حاشد. ويضاف إلى تلك المخاوف، الدور الذي يلعبه تنظيم القاعدة في استهداف المؤسسة العسكرية والأمنية التي لا تمتلك الآليات الكافية للمواجهة. ولفت هؤلاء إلى أن نجاح النظام الفدرالي مستبعد باليمن في ظل النزوع إلى الاستقلال عند بعض القبائل، فضلا عن ضعف العلاقة بمفهوم الوطن لديها خاصة بالجنوب، حيث ينظر الحراك الجنوبي إلى الدولة على أنها «احتلال» شمالي. وذكر مصدر مقرب، أن اللجنة التي اجتمعت في صنعاء لحسم هذا الملف الخلافي، اعتمدت الأقاليم الستة بأعلى درجة من التوافق والتقارب واعتماد الأسس العلمية بين أعضاء اللجنة التي يرأسها رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي. والأقاليم الشمالية هي: إقليم آزال الذي يضم محافظات صنعاء وعمران وصعدة وذمار، وإقليم سبأ الذي يشمل البيضاء ومأرب والجوف، وإقليم الجند الذي يضم تعز واب، وأخيرا إقليم تهامة الذي يضم الحديدة وريمة والمحويت وحجة. والإقليمان الجنوبيان هما إقليمعدن الذي يضم عدن ولحج وأبين والضالع، وإقليمحضرموت الذي يضم حضرموت وشبوة والمهرة وجزيرة سقطرى. وواضح، من خلال اعتماد إقليمين في الجنوب، عامل الحرص على منع قيام دولة الجنوب مجددا. بالمقابل يحقق التقسيم الجديد للحضارمة، هدف تأسيس كيانهم الخاص الذي لطالما سعوا إليه، والذي تجسد في تحرك شعبي كبير خاضوه نهاية العام الماضي تحت مسمى «الهبة الحضرمية». ورغم ما وصفته دوائر رسمية يمنية، بالسلاسة والتوافق الكبير في إقرار الأقاليم، إلا أن شكوكا كبيرة تظل قائمة بشأن حظوظ التنفيذ العملي لهذا التقسيم، وفرضه في ظل حالة التراخي التي تعرفها الدولة اليمنية، وضعف القوات المسلحة التي أصبح منتسبوها ومؤسساتها أهدافا سهلة لمجموعات مسلحة متعددة، في مقابل الزخم الذي يعرفه الحراك الانفصالي في الجنوب ما ينذر بأيام ساخنة في محافظاته خلال الفترة القريبة القادمة. وكان الرئيس هادي شكل هذه اللجنة برئاسته في يناير الماضي، لحسم مسألة عدد الأقاليم في الدولة الاتحادية المزمع إقامتها في اليمن، بعد أن فشل الحوار الوطني في التوصل إلى قرار توافقي حول الموضوع. وتمسك الجنوبيون بتكوين إقليمين يكونان في الشكل حدود دولتي اليمن الشمالي والجنوبي السابقتين، الأمر الذي رفضه الشماليون بحجة أنه يفتح الباب أمام تقسيم البلاد مجددا. وسينص الدستور الجديد على التقسيم الجديد، على أن تتم صياغته والاستفتاء عليه في غضون سنة قبل أن تنظم انتخابات رئاسية وتشريعية عامة. وقاطع قسم كبير من الحراك الجنوبي، أعمال الحوار الوطني متمسكا بمطلب الانفصال عن الشمال. ويفترض أن تترافق المرحلة المقبلة مع برنامج لتعويض الجنوبيين عن التمييز السياسي والوظيفي الذي تعرضوا له في أعقاب الحرب الأهلية في 1994، عندما قمع الشماليون محاولة قادها جنوبيون لاستعادة دولة الجنوب. ولاستكمال المرحلة الانتقالية سيتعين تشكيل هيئة تأسيسية لصياغة دستور جديد، يتضمن الإشارة إلى الأقاليم الجديدة كما سيتم تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية. وفي سياق أخر، أبرم الحوثيون هدنة تكتيكية في حربهم بمنطقة أرحب، بانتظار استئناف عملهم المنهجي الرامي إلى فرض إقليم لهم، تتجاوز حدوده محافظة صعدة ويتمتع بمقومات حيوية بما فيها المنفذ على البحر بما يضمن للجماعة التواصل المباشر مع إيران عبره وتلقي دعمها اللوجستي السخي. وتوصلوا في اليمن أول أمس، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع القبائل في منطقة أرحب شمال صنعاء، وبدأوا بالانسحاب من المنطقة، في ظل تشكيك مصادر محلية في صمود الهدنة وفاعليتها في إنهاء النزاع المسلّح، مستندة إلى أن الحروب التي تخوضها جماعة الحوثي تباعا. وانطلقت أحداثها من منطقة دماج ضد السلفيين لتتوسع جنوبا مقتربة من العاصمة صنعاء ليست مجرّد عمل تكتيكي، بقدر ما هي عملية فرض بالقوة لحدود إقليم واسع يتجاوز محافظة صعدة منطقة النفوذ التقليدية للحوثيين، إلى محافظات مجاورة، وبما يضمن للجماعة عالية التسليح والتي تحظى بدعم لوجستي إيراني منفذا على البحر الأحمر. واستشهد هؤلاء بأن الأعمال العسكرية الحوثية، تزامنت مع الدخول في مرحلة تحديد أقاليم الدولة الفيدرالية المستقبلية في اليمن، حيث أكد مطلعون على الشأن اليمني أن الجماعة عطلت عديد المقترحات في هذا المجال، وبدأت بفرض شروطها كمنتصرة في الحرب لتحديد الإقليم الذي تطمح إليه. ونقلت مصادر إعلامية يمنية أول أمس، عن مصادر وصفتها بالمطلعة قولها إن خلافات نشبت بين المكونات السياسية الممثلة في اللجنة الخاصة بتحديد عدد الأقاليم والولايات، وذلك إثر تحفظ الحوثيين وممثلين عن الحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي على التصويت على تسمية الأقاليم في الاجتماع الذي عقد الخميس الماضي. وحسب ذات المصادر، فإن الحوثيين يطالبون بأن يشمل إقليمهم محافظتين تحتويان على نفط وميناء، وهما محافظتا حجة والجوف، إضافة إلى الإقليم الذي تقع فيه محافظة صعدة التي يسيطرون عليها بشكل كامل. ويقول مراقبون، إن إقليما بهذه المواصفات سيكرس تغول جماعة الحوثينن، وتحويلها إلى دويلة لن تتأخر في المطالبة بالانفصال على أساس طائفي، حيث تنتمي الجماعة إلى المذهب الشيعي ويتهمها خصومها بتطهير مناطقها عبر الحروب، خصوصا في منطقة دماج حيث تم منذ أسابيع قليلة إجلاء أعداد من السلفيين السنّة عن المنطقة إلى محافظة الحديدة. ودارت اشتباكات متقطعة في أرحب خلال الأشهر الأخيرة، وتكثفت هذه المعارك في الأسبوعين الأخيرين ما أسفر عن عشرات القتلى من الطرفين بحسب المصادر القبلية. وأضاف نفس المصدر أن الوساطة توصلت إلى نتيجة ليل السبت الأحد، وتم الاتّفاق على وقف إطلاق النار. وذكرت مصادر قبلية متطابقة أن الحوثيين بدأوا بالانسحاب من منطقة أرحب، وتواجه الحوثيون في أرحب مع قبائل المنطقة المدعومة من التجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب إسلامي مقرب من جماعة الإخوان المسلمين ومن آل الأحمر، الذين خاضوا بدورهم معارك دامية مع الحوثيين في محافظة عمران الشمالية. وتمكن الحوثيون من التوصل إلى صلح في عمران الأسبوع الماضي مع قبائل حاشد، بعد أن نفذت أجنحة في هذا التجمع القبلي النافذ ما يشبه الانقلاب على آل الأحمر، وهم الزعماء التاريخيون لحاشد، وغذت المعارك في عمران وفي أرحب التي تقع بالقرب من مطار صنعاء، المخاوف من انتقال القتال إلى داخل العاصمة اليمنية. وفي هذه الأثناء، يستعد الحوثيون من جهة، وقوى «شباب الثورة» المدعومة من التجمع اليمني للإصلاح من جهة أخرى، للحشد لتظاهرتين يوم 11 فبراير الجاري في الذكرى الثالثة لانطلاق الانتفاضة ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ويطالب الحوثيون بإسقاط حكومة الوفاق الوطني بينما يطالب الطرف الآخر برفع الحصانة عن الرئيس السابق علي عبدالله صالح و»استكمال الثورة.» ويؤاخذ يمنيون جماعة الحوثي، على أنها حركة تستخدم وسائل غير متناسبة لتحقيق أهدافها بحيث تستخدم السلاح، حتى الثقيل منه، ضد جميع خصومها بمن فيهم الدولة، وتقدم نفسها طرفا سياسيا شارك في مؤتمر الحوار الذي اختتم مؤخرا، كما تقدم نفسها كطرف مدني ينظم التظاهرات ويرفع خلالها الشعارات والمطالب. وقال أحد المراقبين إن جماعة الحوثي بجمعها بين هذه المتناقضات تصبح كائنا عصيا عن التصنيف مثله مثل عديد التنظيمات الأخرى في اليمن، ما يمثل نقطة ضعف كبيرة للدولة اليمنية، ويلفت إلى أن جماعة الحوثي تحاول أن تحاكي تجربة حزب الله في لبنان، وهي مثله مدعومة من إيران ويتجلى ذلك حتى في التسمية التي أطلقتها على تنظيمها أنصار الله.