المبادرة التي أقدم عليها الاتحاد العام لمقاولات المغرب بعقد اجتماع مجلسه الإداري بمدينة العيون لا يجب التعاطي معها كما لو أنها خطوة بروتوكولية شكلية ينتهي مفعولها بمجرد الانتهاء من جدول أعمال الاجتماع، ولكن من المفروض تثمينها والاحتفاء بقيمتها ورمزيتها، وذلك من خلال جعلها تندرج ضمن وعي جديد لدى «الباطرونا» المغربية، وفي إطار التأسيس الفعلي لدينامية اقتصادية وتنموية على الأرض تكون هي المعبر الحقيقي والملموس عن أهمية «النموذج التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية». لأول مرة ينظم المقاولون المغاربة المجلس الإداري لهيئتهم خارج الدارالبيضاء، وفي اختيار العيون دلالة مهمة، كما أن جعل المناسبة فرصة للقاء بالفاعلين الاقتصاديين والمنتخبين المحليين والتفاعل مع تطلعاتهم ومطالبهم وآرائهم، كل هذا من شأنه تيسير إيجاد مناخ ملائم للأعمال بالأقاليم الصحراوية المغربية، وبالتالي تمتين الفعل الاقتصادي هناك، والرفع من منسوب الإنتاجية العامة. رئيسة اتحاد المقاولات وعدت باستثمارات في المنطقة، ومجموعة عقارية وطنية كبرى بادرت وأعلنت أنها تستعد لإطلاق مشاريع سكنية في الأقاليم الجنوبية، وهذا كله إيجابي لا يمكن إلا الترحيب به والدعوة إلى العمل على إنجاحه، ولكن من الضروري أيضا جعل هذه الدينامية الاقتصادية المبتغاة تبتعد عن أخطاء الماضي، وعن عقلية الريع أساسا، وتقوية شروط دولة القانون في العمل الاقتصادي والمقاولاتي، وذلك بما ينسجم فعلا مع الأفق العام لمضمون وتوجهات «النموذج التنموي الجديد»، وأيضا بما يساهم في تفعيل استراتيجية شمولية للتنمية البشرية تكون لفائدة سكان الأقاليم الجنوبية وشبابها، وتؤدي إلى تلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها هناك. إن انخراط المقاولين في تجسيد شراكتهم وفعلهم الميداني في تنزيل «النموذج التنموي الجديد في الأقاليم الجنوبية» يجب أن يتم ضمن عقلية مقاولاتية مسؤولة بلا ريع أو اتكالية، ويجب أيضا أن يستحضر مختلف الرهانات والأسئلة التنموية والاجتماعية التي تفرزها المنطقة وواقع ساكنتها، وهذا يعني أن المرحلة الجديدة تمثل تحديا حقيقيا لا بد أن يحرص الجميع على إنجاحه، لينقل الواقع العام برمته نحو آفاق أخرى مختلفة. خطوة اتحاد المقاولات هي خطوة شجاعة، وتفتح لسياسة الدولة أفقا جديدا وديناميات عملية من شأنها تقوية انخراط وحضور الأقاليم الجنوبية في مسلسل تنمية الاقتصاد الوطني، كما يجب أن تنتظم الخطوة وتجلياتها ضمن سعي عام يروم خلق تنمية محلية حقيقية في الأقاليم الجنوبية، وتوفير فرص الشغل وإمكانات التكوين والرقي الاجتماعي لفائدة شبابها وأطرها، بالإضافة إلى الانخراط الفعلي الملموس في الفعل الاقتصادي والاستثماري، أي أن يكون أبناء الأقاليم الجنوبية هم أيضا فاعلون في الدينامية التنموية الجديدة.