شهد المجلس الوطني التأسيسي في تونس، أول أمس الأحد لحظات وصفت بالتاريخية عندما صادق النواب بأغلبية ساحقة على مشروع الدستور الجديد للبلاد من القراءة الأولى، وقد أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بهذه الخطوة، معتبرا أن تونس اجتازت مرحلة تاريخية جديدة. و جاء إقرار الدستور بعد ساعات قليلة فقط من إعلان رئيس الوزراء المكلف مهدي جمعة تشكيل حكومته الانتقالية الجديدة، ما يؤشر إلى نجاح خريطة الطريق التي وضعها الرباعي الراعي للحوار في بلوغ أهدافها. وقد صوت لصالح الدستور مائتا نائب، مقابل 12 ضده وامتناع أربعة نواب عن التصويت، وخيمت أجواء الفرح عقب المصادقة على الدستور ، حيث صفق النواب طويلا، بينما ردد آخرون «أوفياء أوفياء لدماء الشهداء»، و»رافعين الرايات الوطنية». وقال رئيس المجلس مصطفى بن جعفر «حرصنا أن يكون الدستور متضمنا المبادئ الأساسية للثورة التونسية»، وأضاف «سيذكر التاريخ والأجيال القادمة هذا اليوم باعتزاز»، مؤكدا أن الدستور الجديد «نجاح للثورة وللنمط المجتمعي التونسي». وينتظر أن يحظى الدستور يومه الاثنين بالمصادقة من قبل رئاسة المجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة قبل إقراره رسميا دستورا للجمهورية الثانية بتونس. وحافظ الدستور الجديد -الذي سيحل محل دستور عام 1959- على مكاسب مهمة ترتبط أساسا بحقوق المرأة والدولة المدنية، لكنه عزز في المقابل أيضا الهوية الإسلامية للمجتمع التونسي والمطالب التي قامت عليها الثورة بأن منح تمييزا إيجابيا للتنمية في المناطق الأكثر فقرا. وكان التأسيسي أنهى مساء الخميس الماضي المصادقة على الدستور «فصلا فصلا» بعدما توصلت مختلف الكتل إلى توافقات حول بعض الفصول المثيرة للجدل على غرار الفصل السادس المتصل بحرية المعتقد وتجريم التكفير. وفي أول رد فعل دولي، أشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالمصادقة على الدستور التونسي الجديد، معتبرا هذا الحدث «مرحلة تاريخية»، داعيا إلى إكمال المرحلة الانتقالية الديمقراطية في البلاد. وقال مارتن نيسركي المتحدث باسم الأمين العام ، «بان مقتنع بأن المثال التونسي قد يكون أنموذجا للشعوب الأخرى التي تتطلع إلى إجراء إصلاحات»، وإنه يشجع الأطراف السياسية في تونس على أن تكمل المراحل المقبلة للعملية الانتقالية بشكل سلمي وشفاف وشامل. وجدد بان دعم الأممالمتحدةلتونس، حاثا المجموعة الدولية على زيادة دعمها للجهود التي يبذلها هذا البلد من أجل ترسيخ ديمقراطيته ومواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية. وتزامنت المصادقة النهائية على الدستور مع إعلان رئيس الوزراء المكلف مهدي جمعة تشكيل حكومته الانتقالية الجديدة. وقال جمعة، إن ثلاثة معايير أساسية اعتمدها لدى تشكيلته الجديدة، على رأسها الاستقلالية فضلا عن الكفاءة والنزاهة، على حد تعبيره، مضيفا أنه يأمل أن يطبع الانسجام عمل الفريق الحكومي الجديد. وقال جمعة (52 عاما) عقب تقديم حكومته للرئيس منصف المرزوقي «سنتخذ عدة إجراءات سريعة في المجال الاقتصادي والاجتماعي، ولكن الانتخابات تبقى أيضا أولوية الأولويات». واحتفظ جمعة بوزير الداخلية في الحكومة المستقيلة لطفي بن جدو في منصبه، مع تعيين رضا صفر في منصب وزير معتمد لدى وزير الداخلية مكلف بالأمن. كما تم تعيين منجي حمدي وزيرا للخارجية، وغازي الجريبي -وهو رئيس سابق للمحكمة الإدارية- وزيرا للدفاع. وتحتاج حكومة جمعة -المكونة من 21 وزيرا وسبعة كتاب دولة- إلى مصادقة المجلس التأسيسي لتبدأ في مباشرة أعمالها التي ستتركز في الإعداد للانتخابات وتوفير مناخ من الأمن. وكان نواب التأسيسي قد صادقوا الأحد على تعديل للفصل 19 يتم بموجبه التنصيص على أغلبية الثلاثة أخماس من المجلس (131 نائبا من بين 217) شرطا لسحب الثقة من الحكومة المقبلة التي ستحل محل المستقيلة برئاسة علي العريض. يذكر أن المرزوقي قد كلف جمعة يوم 10 من الشهر الجاري بتشكيل حكومة مستقلين ستحل محل الحكومة المستقيلة التي تقودها حركة النهضة، وذلك وفقا لبنود «خارطة طريق» طُرحت للخروج من أزمة سياسية حادة اندلعت إثر اغتيال المعارض محمد البراهمي في 25 يوليو 2013.