خبر مفجع ومؤلم حقا. شيخ المفهرسين العراقيين الأستاذ صباح نوري المرزوك، يودعنا اثر حادث مروري يوم الجمعة 17 يناير 2014 في الطريق الموصلة بين العاصمة بغداد والحلة، مسقط رأسه. وكأنه يريد التذكير لنا في الطريق التي سلكها طالبا وباحثا وصديقا زائرا متنقلا بين عاصمتي الثقافة والحضارة ومفهرسا لكتابها ومثقفيها ومبدعيها في موسوعاته التي عرف بها وتتلمذ بها على أيدي أساتذته الذين أحبهم وأوفى لهم. ومنبها لوعورة الدرب ومشقة الرحلة بعد سنوات الأمل. رغم ظروفه الصحية والشخصية واظب على الدراسة والبحث والاهتمام بالفهارس والأرشفة للمبدعين والإبداع. عرفته منذ ايام الدراسة الجامعية وتفارقنا طيلة العقود التي قضيتها بعيدا عن سماوات العراق الزرقاء، أتابع له ولغيره من الأصدقاء الأعزاء تقدمهم الأكاديمي وبحوثهم ودراساتهم ومنشوراتهم. حين عدت إلى الوطن زائرا قبل عام هاتفته، كان في الدرس محاضرا رادا علي بأنه سيزورني اليوم. وكان حقا مثلما تركته وفيا شهما صادقا مع نفسه وجهده، مهموما بالثقافة والمثقفين ومنشغلا في التأليف والكتابة والتدريس ومنفعلا بما يجري حوله. مصرا على لقاء أخر لنواصل الحديث عما فات من العمر في المنافي البعيدة والقريبة. توفي العلامة المرزوك في مشفى مدينته الاولى، بعد ان ولد فيها عام 1951 وقضى جل عمره فيها.. اجل.. هكذا ولد ومات في الفيحاء.. وكان قد تخرج من جامعة بغداد، قسم اللغة العربية عام 1972، وتعيّن مدرسا للغة العربية وآدابها في مدارس بابل وبغداد والتأميم، وواصل دراسته الجامعية، فحصل على شهادة الماجستير من كلية الآداب بجامعة ( انقرة ) بتركيا سنة 1985، وكان موضوع رسالته: (جميل بن معمر وتاثير أدبه على الشعراء الاتراك)، ونال شهادة دبلوم عال في اللغة التركية، ودكتوراه في الأدب المقارن من جامعة انقرة عام 1989، ليوظف في كلية التربية بجامعة بابل رئيساً لقسم اللغة العربية منذ عام 1992، كما حصل على درجة الاستاذية عام 2009. ومن بين أشهر كتبه موسوعته النفيسة (معجم المؤلفين والكتاب العراقيين) 1970- 2000، في ثمانية أجزاء، وله مؤلفات كثيرة تجاوزت الثلاثين مؤلفا، من بينها: «طه باقر: الذي عرف كل شيء»، و»عبد الجبار عباس : فتى النقد الأدبي في العراق»، و»د.أحمد سوسة : الري والحضارة»، و»عالم سبيط النيلي: الراحل قبل الأوان»، و»حلة بغداد أو بغداد الصغرى» و»النجف في الشعر العربي» و»بدر شاكر السياب في المراجع العربية والمعربة».. وضم كتاباه «هؤلاء في حياتي» و»أصدقاء في الذاكرة - مواقف وذكريات» انطباعات عن شخصيات جمعتها صنوف الابداع، قدمت بدايات لدراسات أوسع، او محفزات البحث عنهم. قال عن معجمه اثر تكريمه برسالة فقط من وزارة الثقافة: ان هذا الكتاب هو جهد عمل لأكثر من ثلاثين عاما باستخدام اسلوب البطاقات المعروفة في علم الفهرسة حيث ضم حصر أسماء وعناوين أكثر من عشرين ألف كتاب لثمانية آلاف مؤلف عراقي تم طباعتها خلال المدة من عام 970 حتى نهاية القرن العشرين سنة 2000. وأضاف الدكتور المرزوك في تصريحه للإعلام: ان الكتاب تم طباعته في مطبعة الارشاد في بغداد ضمن مطبوعات مؤسسة (بيت الحكمة) والتي تعد من المؤسسات العلمية ضمن منشورات قسم الدراسات التاريخية حيث تم ترتيب مفردات الكتاب وفق الحروف الهجائية لأوائل أسماء المؤلفين الذين جاء ذكرهم في المعجم وذكر المؤلفات التي قاموا بتأليفها واسم المطبعة وتاريخ الطبع وعدد صفحات كل كتاب فضلا عن تقديم قائمة للمقالات العلمية المحكمة المنشورة في مئة وعشر مجلات عراقية وعربية وعالمية ويشار الى اللغة التي تم الكتابة بها وهي اللغة العربية واللغات الشرقية والأوربية . مشيرا إلى انه تم تقسيم الكتاب الى ثمانية اجزاء يضم كل جزء من هذه الاجزاء مجموعة من احرف الهجاء لأسماء المؤلفين الذين ورد ذكرهم في هذا المعجم موضحا ان اغلب المؤلفين هم من المثقفين والأساتذة الجامعيين والمحامين والأطباء والمهندسين والزراعيين ورجال الدين والشعراء والأدباء وأصحاب المهن المختلفة في عموم القطر مؤكدا ان هذا الكتاب يعطي فكرة واضحة للجهد العراقي الخلاق في شتى مناحي الحياة وآفاق التذكير العلمي وقيمة العقل العراقي وتأثير الحضارات فيه لان العراق بلد الحضارات وهو الذي علَّم العالَم الحرف والكتابة. هذا هو شيخ المفهرسين حقا كما نعاه زملاؤه الاساتذة في جامعة بابل، وكما رثاه محبوه من اهله وأصحابه. كلها شهادات له ولفضله وعلمه وألمعيته وإرادته وركوبه الصعاب وقهره لها. وداعا اخي ابا عامر.. وداعا شيخ المفهرسين العراقيين موت باحث في التاريخ، ومفهرس مشهود له، وكاتب واستاذ خسارة للبحث والفهرسة والجامعة والطلبة والمكتبات والكتب والثقافة العراقية، بل والعربية والانسانية ايضا. الصبر والسلوان للعائلة الكريمة ولكل المعارف والاصدقاء والزملاء، .. ستبقى جهودك نبراسا وقبسا لمن يتبع اثارك او يسهم مثلك في كنوز الثقافة العراقية.