القانون المالي 2014 يُعتبر محطة أساسية في تفعيل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذا الإصلاحات الهيكلية التي تعد عنصرا أساسيا في ربح رهانات التنمية علينا جميعا، أغلبية ومعارضة، أن نترفع عن كل ما يسيء إلى الممارسة السياسية بأبعادها النبيلة، وأن نغلب جميعا المصلحة العليا لوطننا وشعبنا سنة 2014 يجب أن تكون سنة العمل بالنسبة لنا جميعا، سنة نستحضر فيها حجم الرهانات والمواعيد المستقبلية (تقديم) خلال الجلسة العامة لمجلس النواب ليوم 24 ديسمبر 2013، تدخل النائب رشيد روكبان، رئيس الفريق الديمقراطي، باسم فرق الأغلبية، في إطار المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2014، ضمن قراءة ثانية. بيان اليوم كانت قد نشرت نص هذه المداخلة في حينه، إلا أن بعض الفقرات سقطت من النص، ولذلك نعيد نشره اليوم في صيغة مصححة. يذكر أن قانون المالية لسنة 2014 قد تمت المصادقة عليه ضمن الجلسة المذكورة بموافقة 186 نائبا ونائبة ومعارضة 59 نائبا ونائبة. السيد الرئيس؛ السيدات والسادة الوزراء؛ السيدات والسادة النواب؛ نلتقي اليوم مجددا في هذه الجلسة الدستورية في إطار قراءة ثانية لمشروع قانون المالية لسنة 2014، وفقا لأحكام الدستور والقانون التنظيمي للمالية، بعدما صوت مجلس المستشارين برفض هذا المشروع، وهو ما أثار جملة من التساؤلات الدستورية والقانونية بالنظر للصيغة التي تمت بها إحالته على مجلس النواب. والذي يبقى على كل حال تصويتا نابعا من قناعة سياسية لفرق محترمة تنتمي لهيئات سياسية، نكن لها كل التقدير والاحترام، كما أنه تصويت ينسجم مع الدور الدستوري لهذا المجلس، عملا بالأحكام الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 176 من الدستور. ولا يسعنا، السيدات والسادة النواب المحترمين، إلا أن نبذل قصارى جهودنا من أجل الاستمرار في خلق جو من الثقة والتعاون الضروريين بين مجلسي البرلمان٬ وترسيخ علاقات الحوار الدائم والمتوازن بين الحكومة والبرلمان٬ حوار يقوم على الاحترام التام لمجال اختصاص كل منهما وفي إطار مبدإ فصل السلط وتعاونها وتوازنها، وتذويب كل ما من شأنه التأثير في الحفاظ على أداء المؤسسة التشريعية بغرفتيها لأدوارها المنوطة بها كاملة، استجابة لتطلعات المواطنات والمواطنين. ولا بأس من التذكير، بأن مضامين مشروع القانون المالي للسنة المقبلة، تروم تنزيل أربعة توجهات أساسية، تتمثل في استكمال البناء المؤسساتي وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية، وإعادة التوازن للمالية العمومية وضمان الموجودات الخارجية، ودعم الاستثمار والمقاولة وتطوير آليات التشغيل، بالإضافة إلى دعم آليات التماسك الاجتماعي. فهو إذن يُعتبر محطة أساسية في تفعيل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذا الإصلاحات الهيكلية التي تعد عنصرا أساسيا في ربح رهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق، فإن هذا المشروع، يشكل لبنة مهمة في مسار ترسيخ مسلسل الإصلاحات الذي انخرط فيه المغرب، ويتعلق الأمر بمواصلة البناء المؤسساتي، وتسريع وتيرة الأوراش المهيكلة، من خلال الحرص، على تفعيل المقتضيات الدستورية، وما يقتضيه ذلك من أجرأة المخطط التشريعي، خاصة القوانين التنظيمية، التي تتطلب تحقيق أكبر توافق ممكن، بل لم لا إجماعا وطنيا كالذي استطعنا تحقيقه بالنسبة لدستور 2011، خصوصا أمام الأهمية القصوى لهذه القوانين التي تعتبر مكملة للمقتضيات الدستورية، علاوة على القوانين المتعلقة بمجالس وهيئات الحكامة المنصوص عليها في فصول الدستور. إن استكمال البناء المؤسساتي لبلادنا بما ينسجم مع روح المضامين التقدمية لدستور فاتح يوليوز من سنة 2011، والتفعيل الديمقراطي لبنوده، يعتبر من الرهانات والتحديات المطروحة على بلادنا، في جو من الحوار الموضوعي والجاد، والتشارك والانفتاح اللازمين على جميع القوى الفاعلة في المشهد السياسي المغربي. وقد تضمنت العديد من الخطب الملكية، منذ اعتلاء جلالة الملك العرش، العديد من الرسائل الواضحة في عزم المغرب الأكيد، على استكمال بناء المؤسسات الدستورية بشكل واقعي يخدم النموذج المغربي، بلا إرباك لتجربته الديمقراطية والتنموية في تكاثف جهود الجميع، وأن ذلك يظل رهينا بالعمل الجاد، من أجل التأهيل الضروري والفعلي للمشهد السياسي، واستثمار مناخ الثقة لإعادة الاعتبار للعمل السياسي النبيل في بلادنا. وفي سياق مناقشاتنا لمشروع قانون المالية لسنة 2014 في إطار القراءة الثانية له، لابد أن نقف، وبإلحاح، على ضرورة التعجيل باستكمال الورش التشريعي المكمل للدستور، وأخص بالذكر هنا القانون التنظيمي لقانون المالية، لما له من إلحاحية كبيرة، والذي طال انتظاره، انتظرناه، وانتظرناه. وربما تأخر. أستعمل كلمة - ربما- لأننا كنا نطمح أن تجرى مناقشات مشروع قانون المالية الحالي، في ظله، حتى نتمكن بالفعل من القيام بواجبنا على أحسن وجه، وليكون للبرلمان، معارضة وأغلبية، دور إيجابي وفاعل في هذه المحطة الميزانياتية المهمة، خصوصا وأن القانون التنظيمي المعمول به حاليا متجاوز في بعض جوانبه ولا يساير ما ينص عليه دستور البلاد، وهذا أمر يعلمه الجميع. وربما لو كنا اشتغلنا في ظل القانون التنظيمي الجديد كنا سنتفادى ما وقعنا فيه في هذه المحطة. لن أقول رب ضارة نافعة، لأن هذا قد يكون تأخيرا، لذا سأقول: رب تأخير نافع، ولعلها فرصة لتدارك النقص وملء الفراغ الذي تسبب فيه هذا القانون كما توصلنا به بعنوان: (كما عدله وعارضه)، قانون (كما عدله وعارضه) الذي بين أيدينا، سيصبح دون شك سابقة في التاريخ التشريعي لبلادنا، وقد تدرس هذه الحالة كما كان الشأن بالنسبة لبعض القوانين التي عرفت بعناوينها. القانون التنظيمي لقانون المالية يرتقب أن يجيب على العديد من الإشكاليات وضمنها طبعا حالة قانون (كما عدله وعارضه). لأنه بصراحة تساءلنا بعمق بخصوص الصياغة التي تمت بها إحالة هذا القانون (كما عدله وعارضه)، من قبل مجلس المستشارين. لقد وجدنا أنفسنا في إشكالية هل سنقف عند "كما عدله؟ أم نقف عند "كما عارضه"؟ أم الوقوف عند الأمرين في الوقت ذاته، نصارحكم الأمر: لقد وجدنا صعوبة في ذلك. فلو أحيل علينا بصيغة "كما عدله وصادق عليه، ووافق عليه"، كان الأمر سيبدو مفهوما ومنطقيا، أو "كما رفضه"، بدون عدله، آنذاك أيضا سيبدو الأمر سهلا ومنطقيا، ولكن وجدنا أمرين يبدوان غير منسجمين مع بعضهما البعض. نعم لاقينا صعوبة، وحاولنا أن نفهم ونحدد كيف سنتعامل مع مشروع القانون، كما أحيل علينا من طرف مجلس المستشارين الموقر. وبالتالي فإن محطة مراجعة القانون التنظيمي لقانون المالية ستكون فرصة لمعالجة الإشكالية. ما يهمنا، ونحن نحلل هذه النقطة، هو تحقيق "الحكامة البرلمانية" التي ستعفينا من كثير من النقاشات التي خضناها مؤخرا لاسيما بعد الموقف غير المسبوق لزملائنا في مجلس المستشارين، وهو الموقف الذي نجدد احترامنا له مادام أنه صدر عن مؤسسة دستورية قائمة الذات، عملا، كما قلت سابقا، بالأحكام الانتقالية المنصوص عليها في الفصل 176 من الدستور. إلا أن ترويج كلمة إسقاط مشروع قانون المالية لدينا عليه بعض الملاحظات، عن أي إسقاط نتحدث؟ صحيح مشروع قانون المالية رفض من طرف مجلس المستشارين. لكن الذي له السلطة الفعلية والحقيقية لإسقاط مشروع قانون المالية طبقا للدستور، هو مجلس النواب. ويتضح أن البعض لا زال لم يستوعب، ويجد صعوبة في تقبل نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، ويحاول أن يوهم المغاربة بأن الحكومة لا أغلبية لها. الحكومة تملك الأغلبية، واليوم ستظهر هذه الأغلبية. وثقتنا في الحكومة راسخة بأنها تعمل جاهدة من أجل استكمال هذا الورش ونثمن بالمناسبة، إدراج مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية في جدول أعمال المجلس الحكومي الذي سينعقد غدا (الخميس 26 ديسمبر 2013)، نتمنى أن يحال علينا في القريب العاجل للنظر فيه ومناقشته والمصادقة عليه، خصوصا وأن هذا القانون عرف إشراكا لجميع المكونات من خلال اللجنة المشتركة التي ضمت ممثلي كل الفرق النيابية، وأيضا من خلال المذكرات التي تقدمنا بها، المتعلقة بإعداد مشروع هذا القانون التنظيمي وبمقاربة تشاركية. الأكيد إذن هو أن الحكومة واعية كل الوعي بالمهام الجسيمة التي يلقيها عليها الفصل 86 من الدستور الذي يلزمها بتقديم كل القوانين التنظيمية قبل نهاية الولاية التشريعية الجارية، ونحن لا نشك لحظة في جدية الحكومة وعملها من أجل استكمال المخطط التشريعي الذي التزمت به، ونعتز بذلك كأغلبية. في الأيام القليلة الماضية صادقنا نهائيا على القانون التنظيمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي. واليوم هناك: - مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية. - ومشروع القانون التنظيمي للحكومة. - و اللجان النيابية لتقصي الحقائق. - والآن مشروع القانون التنظيمي لقانون المالية. هناك مجهود واضح يبذل في إطار تفعيل المخطط التشريعي للحكومة فيما يتعلق أساسا بالقوانين التنظيمية. وفي المقابل، لا بد من التأكيد على أن استكمال هذا الورش، لا يعني استكمالنا للبناء المؤسساتي المحدد في الدستور، وهو ما يستلزم إحداث أو ملاءمة مجموعة من الهيئات والمؤسسات الدستورية وتفعيل ورش الجهوية طبقا لمقتضيات دستور 2011. نعتقد أننا مدعوون اليوم، أغلبية ومعارضة، من أجل تكثيف الجهود من أجل تجاوز المرحلة الانتقالية الحالية بنجاحاتها وإخفاقاتها. علينا كذلك أن نعمل سوية حتى تكون كل مؤسسات البلاد، خصوصا المؤسسة البرلمانية، في مقدمة المؤسسات التي تعكس فعلا روح التوافق الوطني الذي واكب الإعداد والمصادقة على دستور 2011. إننا نعتبر إيجابيا أن يكون هناك نقاش سياسي حول مسار ومسطرة المناقشة والمصادقة على مشروع قانون المالية، هذا النقاش الذي يجب أن يكون من وجهة نظرنا مثمرا وجادا، بعيدا عن المزايدات السياسية الضيقة. ونوجه الدعوة للجميع بأن يقوم بدوره كل من موقعه. علينا جميعا، أغلبية ومعارضة، أن نترفع عن كل ما يسيء إلى الممارسة السياسية بأبعادها النبيلة، وأن نغلب جميعا المصلحة العليا لوطننا وشعبنا. لقد عشنا ما يكفي من الإنتظارية للأسباب التي يعرفها الجميع، ولم يعد هناك مجال لأي مضيعة للوقت، باعتبار أن تدبير الزمن السياسي له راهنيته وملحاحيته، وله كذلك ثمنه في الظروف التي تجتازها بلادنا حاليا. اليوم، شعبنا ينتظر ويتتبع ما نقوم به، ويتطلع إلى الخروج من هذه الوضعية، لتحسين أوضاعه وظروفه المعيشية على كل المستويات، وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، ويضع آمالا كبيرة من أجل تغيير مناحي حياته نحو الأحسن والأفضل، وهو ما يضع على عاتقنا جميعا مسؤوليات كبيرة وجسيمة. كما أن الإحساس بثقل هذه المسؤولية المتجلية في بذل كل الجهود للوفاء لمطالب شعبنا وهي كثيرة وعريضة، يتطلب الابتعاد عن أي جدل سياسي عقيم وغير منتج، قد يكون محط سخط عارم من قبل المواطنات والمواطنين، ويخلف لديهم حالة من التذمر، وفقدان الثقة في نخبهم السياسية وفي العمليات الانتخابية برمتها، وهو الأمر الذي قد يتسبب ويؤدي إلى تنامي عزوف المواطنات والمواطنين عن المشاركة والانخراط الواسع في العمل السياسي مع ما قد يهدد ذلك مسار ورش البناء الديمقراطي لبلادنا. انطلاقا من هذا الهاجس، نعتبر أن الاهتمام ينبغي أن ينصب ويسير في اتجاه إنجاح الأوراش الكبرى، والدفع بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى الأمام، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بإقلاع اقتصادي حقيقي، وتوفير الظروف والمناخ الإيجابي والملائم لذلك . وهكذا فإن سنة 2014 يجب أن تكون سنة العمل بالنسبة لنا جميعا، سنة نستحضر فيها حجم الرهانات والمواعيد المستقبلية، التي تطل علينا وهي على الأبواب، فالانتخابات ستجرى سنة 2015، ما يعني أن السنة التشريعية القادمة ستكون حاسمة، ربما الدورة التشريعية القادمة، في ما يتعلق بإعداد القوانين والإجراءات والتدابير للتحضير للانتخابات المقبلة، وهو ما سيشغلنا جميعا. 2014 يجب أن تكون سنة العمل. نعم اليوم سنعيد هنا بمجلس النواب الأمور إلى نصابها. وحيث أن الدستور يضع مجلس النواب في مكانة متقدمة. وحيث أن الكلمة النهائية تعود لمجلس النواب. وحيث أن كلمة الفصل تعود لمجلس النواب. نحن كأغلبية بمجلس النواب سنصوت بنعم لفائدة مشروع قانون المالية 2014 كما عدلته وصادقت عليه لجنة المالية بمجلس النواب. شكرا.