الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط في شأن قرار وزارة العدل اقتطاع أجرة أحد موظفي كتابة الضبط بسبب مشاركته في الإضراب عن العمل، شكل الحل الوسط بين طرفي الدعوى. فبقدر ما أنصف الحكم القضائي الموظف صاحب دعوى الطعن من خلال الإقرار ببطلان القرار الإداري القاضي بالاقتطاع من الراتب بالنظر لعدم تقديم الوزارة الحجج الكفيلة بإثبات قيامها بإجراءات لإشعار المعني قبل اتخاذ القرار، بقدر ما أكد بشكل واضح على مشروعية قرار الوزارة الاقتطاع من أجور المضربين واعتبار الإضراب حقا يخضع لقيود. هيئة الحكم اعتمدت بذلك الحيثيات القانونية التي سبق لوزارة العدل أن أثارتها كحجية لتبرير قرار الاقتطاع من راتب الموظفين المضربين خلال حركة الإضرابات المتتالية لموظفي كتابة الضبط التي شهدتها المحاكم المغربية على مدى شهور، إذ اعتبرت أن الإضراب ممارسة يكفلها الدستور محيلة على التقييدات التي تشمل ممارسة هذا الحق والتي تشترط احترام المبادئ الدستورية الأخرى التي يأتي على رأسها استمرارية المرفق العام وعدم المساس بحقوق المواطنات والمواطنين، وحماية للمصلحة العامة، فعدم القيام بالعمل بصورة فعلية، تشير الوزارة يستوجب الاقتطاع من الأجر عن مدة التغيب بكيفية إرادية، بل واعتمدت لتبرير إجراء الاقتطاع نموذج قرار للجنة الحريات النقابية بمنظمة العمل الدولية في الموضوع والذي يحمل رقم 588 والذي أكد أن الاقتطاع من الأجر لا يشكل خرقا لمبادئ الحريات النقابية. فالمحكمة الإدارية اعتمدت على مبدأ الأجرة مقابل أداء العمل الذي جاء به المشرع في مجال المحاسبة. إذ لا يتم أداء الأجرة إلا بعد تنفيذ العمل. وينطبق هذا المبدأ على الحالات التي يتم فيها الانقطاع عن العمل لأسباب أخرى غير حالة التغيب لأسباب غير مشروعة، بما فيها حالة اللجوء إلى الإضراب، ويترتب عن ذلك أن للإدارة الحق في أن تقتطع مدة التغيب من الأجرة لكل موظف لم يقم فعليا بمزاولة عمله وانقطع عنه بكيفية إرادية، وهكذا فالأجر يؤدى مقابل قيام الموظف بالوظيفة المسندة إليه بصرف النظر عن طبيعة العلاقة التي تربطه بالإدارة وفق ما يستشف من الفصلين 26 و42، من قانون الوظيفة العمومية، «ما لم يكن المعني مستفيدا من رخصة قانونية وفق الحالات المقررة قانونا». وأفادت المحكمة في تعليلها أن القرار القضائي القاضي بإلغاء الاقتطاع لا يعد عقوبة إدارية أو مصادرة لحق الإضراب المضمون بمقتضى الدستور، مادام أنه لا يمنع حق الموظف وحريته في ممارسة الإضراب. وفي تعليقه على هذا الحكم، كان وزير العدل مصطفى الرميد قد أكد في الندوة التواصلية التي نظمتها وكالة المغرب العربي للأنباء بمقرها بالرباط الاثنين الماضي، أنه سيلجأ إلى استئناف قرار المحكمة الإدارية التي قضت بإلغاء قرار الاقتطاع من أجرة أحد موظفي كتابة الضبط على إثر مشاركته في الإضراب، معلنا استعداده إعادة الاقتطاعات كاملة في حال ما أكد القضاء على نفس الحكم في درجة التقاضي في الاستئناف. لكن تصريح الوزير بشأن هذا الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية لصالح موظف طعن في مشروعية قرار الاقتطاع من الأجور بسبب الإضراب، اعتبره المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل بأنه يعد في منزلة الخروج عما يفرضه الموقع في المسؤولية الحكومية من تحفظ واحترام لقرار القضاء خاصة وأنه غير نهائي ، بل واعتبر ذلك تدخلا غير مقبول في مسار التقاضي وتوجيها مفضوحا لمحكمة الاستئناف.